عن مناورة قسد المحفوفة بالمخاطر
16.08.2025
محمود علوش
عن مناورة قسد المحفوفة بالمخاطر
محمود علوش
سوريا تي في
الخميس 14/8/2025
منذ إبرام اتفاقية الاندماج بين الرئيس أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية الجنرال مظلوم عبدي في العاشر من مارس/آذار الماضي، شرعت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في مناورة متعددة الأساليب لمحاولة فرض تصوراتها على عملية الاندماج في الدولة السورية.
جاء ذلك من خلال طرح مطلب الفيدرالية، ثم اللامركزية لاحقًا، والتمسك بمطلب دمج قسد في الجيش السوري ككتلة عسكرية، فضلًا عن المماطلة في المسار التفاوضي للتهرب من تنفيذ التزامات الاندماج بموجب الاتفاقية والمهلة التي حددتها. وحتى في الوقت الذي ضغطت فيه قسد لإشراك فرنسا في المسار التفاوضي لتخفيف الضغط الأميركي عليها، رفعت من مستوى مناورتها الأسبوع الماضي عبر استضافة مؤتمر الحسكة وإشراك الشيخ غزال غزال وحكمت الهجري فيه، في حين بدا أنه تحالف جديد بين أطراف معادية للحكم الجديد ذات أبعاد طائفية وعرقية.
إن محاولة قسد في مؤتمر الحسكة تقديم نفسها كراعٍ لتحالف أقليات ضد الحكم الجديد لا تتعارض فقط مع جوهر اتفاقية الاندماج، بل تضعها في وضع مرتفع المخاطر، ليس فقط على صعيد علاقتها بدمشق وتركيا.
إن أهداف قسد من هذه المناورة واضحة، وتبدأ بتعقيد المسار التفاوضي مع الحكومة السورية لفرض تصوراتها بشأن كيفية الدمج، ولا تنتهي بتحويل الأزمة من أزمة عدم تنفيذ اتفاقية مارس/آذار إلى صراع أقليات مع الحكم الجديد. وقد منحتها أحداث السويداء هامشًا إضافيًا جديدًا لمواصلة مناورتها. مع ذلك، فإن مقاطعة دمشق لجولة التفاوض التي كانت مقررة مع قسد في باريس أظهرت أن هذه المناورة محفوفة بالمخاطر وتأتي بنتائج عكسية. فمن جهة، تعرض قسد هوامش الثقة المحدودة أصلًا مع الحكومة السورية للتقويض، مما يرفع مخاطر المواجهة العسكرية. ويمكن النظر إلى التوترات الأخيرة على خطوط التماس بين قسد والجيش السوري كمؤشر على مخاطر حدوث تصعيد عسكري أكبر في حال استمرار الانسداد في المسار التفاوضي. ومن جهة أخرى، تدفع هذه المناورة الرئيس أحمد الشرع إلى تعزيز رهاناته على تركيا في التعامل مع ملف قسد. وفي المحصلة، فإن تقويض فرص التسوية السياسية لدمج قسد في الدولة يفتح الباب أمام خيارات أكثر كلفة على قسد من خيار التسوية السياسية، والحال نفسه ينطبق على الحكومة.
علاوة على ذلك، فإن محاولة قسد في مؤتمر الحسكة تقديم نفسها كراعٍ لتحالف أقليات ضد الحكم الجديد لا تتعارض فقط مع جوهر اتفاقية الاندماج، بل تضعها في وضع مرتفع المخاطر، ليس فقط على صعيد علاقتها بدمشق وتركيا، بل أيضًا على مستوى علاقتها بالبيئة التي تحكمها في شمال شرقي البلاد، لا سيما المكوّن العربي الذي يرفض أي مشروع تقسيمي لسوريا ويتطلع إلى عودة سيطرة الدولة إلى مناطق الجزيرة السورية. وقد أثارت مناورة قسد بالفعل حالة من الاحتقان لدى سكان هذه المناطق. قد تبدو المماطلة في المسار التفاوضي وتعزيز العلاقة مع الأطراف المعادية للرئيس الشرع مفيدة لقسد لتعزيز موقفها التفاوضي وكسب المزيد من الوقت ومحاولة إشراك فاعلين خارجيين آخرين في قضيتها مثل فرنسا، لكن هذا النهج يجلب تكاليف أيضًا. وسيتعين على قسد أخذ هذه التكاليف بعين الاعتبار والتفكير فيها بدلًا من التركيز حصراً على الانتهازية والدفع باتجاه صراع بين أقليات وسلطة، والرهان على تدخلات خارجية تحاول استثمار وضع قسد والسويداء والساحل كمدخل لتحقيق أهدافها الساعية إلى تمزيق النسيج الوطني السوري وتقويض فرص بناء الدولة الجديدة وتهديد وحدة سوريا.
إطالة أمد الوضع القائم حاليًا في شمال شرقي سوريا تجلب مخاطر كبيرة على وحدة سوريا والأمن القومي لتركيا في المستقبل.
إن الأسباب التي أدت إلى هذا الانسداد في المسار التفاوضي بين قسد ودمشق عديدة، وتتراوح بين الغموض في بنود الاتفاقية نفسها، وتردد الولايات المتحدة في ممارسة ما يكفي من الضغط على قسد لإجبارها على الالتزام باتفاقية العاشر من مارس/آذار، والتدخل الإسرائيلي في أزمة السويداء. لكن هذه الاتفاقية ما تزال تمثل حاجة إلى سوريا لتجنب تصعيد عسكري آخر قد يعزز المخاطر على استقرار سوريا في المرحلة الانتقالية ويوسع الهوامش المتاحة أمام الدول الساعية إلى ضرب وحدة سوريا وتقسيمها من أجل التدخل. مع ذلك، تترسخ قناعة مع مرور الوقت لدى كل من دمشق وأنقرة بأن قسد لن تتخلى عن هذه المناورة إذا لم تشعر بالضغط وبأن الخيارات المكلفة عليها مطروحة على الطاولة. وقد أظهرت الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى دمشق أن أنقرة بدأت تظهر امتعاضًا واضحًا من مناورة قسد وتبحث عن خيارات أخرى، لا سيما أن إطالة أمد الوضع القائم حاليًا في شمال شرقي سوريا تجلب مخاطر كبيرة على وحدة سوريا والأمن القومي لتركيا في المستقبل.
لقد أدخلت المناورة التفاوضية التي تقوم بها قسد هذا المسار في دائرة مغلقة، وتراهن في الوقت الحالي على حالة الشيخ حكمت الهجري والاندفاعة الإسرائيلية في ملف السويداء لتعزيز موقفها التفاوضي مع دمشق، ولترسيخ واقع الإدارة الذاتية في شمال شرقي البلاد وتقديمها كنموذج يمكن استنساخه في مناطق أخرى مثل السويداء والساحل. ومثل هذا النهج لن يؤدي إلا إلى جعل الرئيس أحمد الشرع أكثر تشددًا في مقاربة ملف العلاقة مع قسد. ما يزال الخيار العسكري لحسم ملف قسد غير مطروح على الطاولة بشكل جدي، ويرجع ذلك من جهة إلى التكاليف المترتبة على هذا الخيار، ومن جهة أخرى إلى الحسابات المعقدة للرئيس أحمد الشرع وتركيا والولايات المتحدة. وتجعل هذه الحسابات قسد تشعر بمزيد من الأمان وأقل قلقًا من تعريض نفسها لمواجهة عسكرية مع كل من الدولة السورية وتركيا.