عن سوريا الجديدة ولبنان الجديد وإيران القديمة
02.09.2025
ماجد عزام
عن سوريا الجديدة ولبنان الجديد وإيران القديمة
ماجد عزام
تلفزيون سوريا 2025.09.01
قال الرئيس أحمد الشرع في أثناء لقاء مع إعلاميين عرب الأحد الماضي إنه تعالى وتسامى على الجراح التي سببها حزب الله لسوريا والسوريين ولم يذهب إلى الانتقام رغم إن ذلك كان بالمتناول بعدما باتت الطريق مفتوحة لتوجيه ضربة قاصمة للحزب إثر إسقاط نظام بشار الأسد وتحرير دمشق. وأضاف أنه لن ينخرط كذلك في الاستقطاب الطائفي والسياسي بلبنان ولن ينشغل أو يكترث بمن يشيطن سوريا الجديدة أو حتى يتمنى مساعدتها مقابل فلول محور إيران - الأسد هناك، وبدلاً من ذلك يسعى وبشكل رسمي إلى التكامل الاقتصادي بين البلدين وفق المصالح المشتركة الراسخة ولا يؤمن بمقولة "نهر من النار" بينهما، وإن سيرورة النهوض وإعادة البناء في سوريا الجديدة تمثل فرصة عظيمة للبنان الجديد لا بد أن يستفيد منها ولا يخسرها ومن جهة أخرى. وفي نفس اليوم قال مسؤول التنسيق بفيلق قاسم سليماني الخاص بالحرس الإيراني محمد رضا نقدي إن ثمة مؤامرة خارجية مزعومة لنزع سلاح حزب الله في لبنان، و ذلك لن يحدث كون إيران بحاجة إليه كما هو بحاجة إليها حسب التعبير الحرفي لمسؤول الأمن القومي علي لاريجاني في سياق التدخل الفظّ بالشؤون اللبنانية، والتشبث ببقايا الوصاية الإيرانية، وتحريض الحزب على السلطة الشرعية وشركاء الوطن بلبنان الجديد، إلى ذلك وفي اليوم التالي لخطاب الرئيس الشرع الاستراتيجي المتطلع نحو المستقبل أطلّ أمين عام حزب الله نعيم قاسم من مخبئه غير المعروف بخطاب ماضوي أطلق فيه التهديدات واتهامات التكفير السياسي "التخوين" يميناً ويساراً، ولم يرد على اليد الممدودة للرئيس الشرع وأصر على التمسك بالسلاح غير الشرعي وغير المجدي والهيمنة والوصاية لمنع انطلاق سيرورة وقيامة لبنان الجديد بعيداً عنهما.
إذن، قال الرئيس أحمد الشرع خلال لقائه مع إعلاميين عرب الأحد الماضي بالقصر الجمهوري بدمشق إنه تسامى وتعالى على الجراح التي سبّبها حزب الله بعد انخراطه إلى جانب بشار الأسد في ارتكاب جرائم حرب وأخرى ضد الإنسانية بحق الشعب السوري، كما كان شريكاً له في استقدام الغزاة الأجانب وقتل مليون سوري، وتشريد عشرة ملايين آخرين وتدمير البلد ومقدراته، وإنه تناسى وتعالى ولم يذهب إلى الانتقام السهل رغم أن ذلك كان بمقدوره ، حيث باتت الطريق مفتوحة وممهدة مع تشجيع فرقاء كثيرين إثر إسقاط النظام لتوجيه ضربة قاصمة للحزب -بعدما ظهر على حقيقته نمرا من ورق وهُزم أمام الثوار سوية مع نظام الأسد وإيران وميليشياتها الطائفية قبل أن يستجدوا تدخل روسيا لحماية النظام أو للدقة تأخير سقوطه - في معاقله المتاخمة للحدود السورية ولكنه رفض ذلك كونه يريد فتح صفحة جديدة مع لبنان "لا الحزب المنهار والمتهالك". ولا يؤمن بمقولة "نهر من النار بينهما" كما لا يريد الانخراط في الاستقطاب الطائفي والسياسي ولا يكترث بشيطنة الحزب وحلفائه وأبواقه الموتورين والممولين والمشغّلين من قيادة الحزب ورعاته في طهران، -مع التذكير هنا بتحقيق بي. بي. سي. الشهير عن عشرات آلاف الأخبار الكاذبة من الحزب وحلفائه ضد سوريا الجديدة وقيادتها- كما لا يتلفت إلى تمنيات المساعدة ضد فلول نظام الأسد وحلفاء الحزب في لبنان، وبدلاً من ذلك يريد فتح صفحة جديدة قائمة على التكامل الاقتصادي وفق المصالح المشتركة وهي تاريخية وواسعة وعميقة كما نعرف.
بالسياق نفسه، اعتبر الرئيس الشرع أن سيرورة النهوض بسوريا الجديدة بعدما تم جلب 28 مليار دولار خلال 8 شهور فقط والشروع في إعادة بناء ضخمة للبنى التحتية والاقتصاد بمرافقه المختلفة، والانفتاح على دول الجوار والمنطقة والعالم، تمثل فرصة كبيرة وتاريخية للبنان الجديد لا يجب أن يخسرها ويضيّعها.
اليوم أصرّت إيران القديمة على نفس السياسات الفاشلة والساقطة، واستخدام الحزب كذراع إقليمي لها ضمن نفس السياسة السابقة التي أدت إلى تدمير البلد وتحويله إلى دولة فاشلة وعرقلة سيرورة بناء لبنان الجديد
هنا لابد من الإشارة إلى حقائق الجغرافيا والجيوبوليتيك حيث كانت سوريا وما تزال رئة لبنان، ومعبره نحو محيطه العربي الطبيعي بالأردن والخليج العربي والآن إلى أوروبا، كذلك مع مشاريع طموحة وعملاقة يقودها الرئيس الشرع للربط البري والبحري بين سوريا الجديدة والأردن وتركيا وأوروبا وليس ذلك فقط حتى مع آسيا الوسطى والقوقاز مع قرب تشغيل ممر زنغور "ترامب" الاستراتيجي الذي يربط آسيا بأوروبا عبر تركيا، وبإمكان سوريا الاندماج فيه بسهولة وبالطبع لبنان والأردن كذلك.
الرئيس الشرع أشار إلى لقائه مع قادة ومسؤولين لبنانيين وانفتاحه على تطوير وإعادة بناء العلاقة بشكل صحي بين البلدين –بعيدا عن مقولة نهر النار- بعدما دمرها نظام البعث وآل الأسد لستة عقود تقريباً. قتل فيها من الفلسطينيين واللبنانيين أكثر مما قتلت إسرائيل حسب التعبير الحرفي لحكيم الثورة جورج حبش قبل نكبة غزة الراهنة.
مقابل المواقف المسؤولة الحكيمة والاستراتيجية واسعة الصدر وبعيدة الأفق، والنظر للرئيس الشرع وسوريا الجديدة وفي نفس اليوم أصرّت إيران القديمة على نفس السياسات الفاشلة والساقطة، واستخدام الحزب كذراع إقليمي لها ضمن نفس السياسة السابقة التي أدت إلى تدمير البلد وتحويله إلى دولة فاشلة وعرقلة سيرورة بناء لبنان الجديد حيث زعم مسؤول التنسيق بفيلق سليماني الخاص بالحرس محمد رضا نقدي إن ثمة مؤامرة أميركية إسرائيلية لنزع سلاح حزب الله، وإيران لن تسمح بذلك، متجاهلاً الحيثيات الدستورية والديموقراطية المتمثلة باتفاق الطائف وخطاب القسم للرئيس جوزاف عون والبيان الوزاري لحكومة نواف سلام ورغبة ثلاثة أرباع الشعب اللبناني على الأقل في نزع السلاح وبسط سيادة وسيطرة الدولة على كامل أراضيها.
قبل ذاك كان أمين مجلس الأمن القومي علي لاريجاني قد تبنى نفس الخطاب وبفظاظة ووقاحة أكثر، بقوله إن إيران بحاجة للحزب قدر حاجته إليها، ما يعني استمرار المواجهة والعسكرة في لبنان وسوريا والعراق وفق عقيدة الأذرع والميليشيات الطائفية الساقطة لقاسم سليماني.
هنا لابد من الإشارة إلى حقيقة أن النظام بإيران القديمة يعيش ربع الساعة الأخير قبل السقوط وبات أشبه بسفينة تايتانيك ويهرب بمنهجية إلى الأمام من الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية البنيوية والمتلاحقة والمتراكمة وطوابير المواطنين أمام صهاريج المياه والسفارات الأجنبية كذلك.
باليوم التالي للقاء الرئيس الشرع العلني من القصر الرئاسي بدمشق أطلق أمين عام حزب الله نعيم قاسم المتواري عن الأنظار حملة تهديدات واتهامات وتخوين بحق الحكومة الشرعية والمعارضين مصراً على التمسك بالسلاح الذي بات عبئاً على لبنان الجديد وحتى على الحزب نفسه وواضعاً نفسه بخدمة إيران ومشروعها المتهاوي والمنهار وبالطبع ومن دون أي إشارة إلى رأي الشرع ويده الممدودة للبنان الجديد الذي بدا قاسم من مخبئه مصراً على عرقلة سيرورة نهوضه وقيامه وأبواب سوريا الجديدة والمنطقة والعالم المفتوحة أمامه.
وباختصار وتركيز تبدو الهوة شاسعة بين رؤى الرئيس الشرع وخطابات حزب الله وإيران الماضوية بامتياز وبينما يتطلع الشرع نحو المستقبل الواعد لسوريا الجديدة ولبنان الجديد والجوار العربي، ما يزال قاسم ومشغلوه الإيرانيون عالقين وغارقين بوحل الفترة السابقة وإمبراطورية الوهم والدم الفارسية الساقطة ، في محاولة يائسة لمعاندة حركة التاريخ وإرادة الشعوب الحرة في سوريا الجديدة ولبنان الجديدة وإيران الجديدة أيضاً على اعتبار ما سيكون.