عن ارتباط سورية وأوكرانيا
12.06.2025
مروان قبلان
عن ارتباط سورية وأوكرانيا
مروان قبلان
سوريا تي في
الاربعاء 11/6/2025
عادت أوكرانيا، في الأسابيع الأخيرة، لتحتل عناوين الأخبار حول العالم، بسبب تصاعد وتيرة القصف الروسي، أملاً في الحصول على مزيد من التنازلات، في ضوء اهتمام الرئيس الأميركي، ترامب، بوضع حدّ للحرب، والردّ الأوكراني الذي يحاول أن يقنع ترامب بأن الهزيمة ليست حتمية، وأن أوكرانيا، التي تملك مثل هذه الإرادة للقتال، تستحق دعماً أكبر لعقلنة طموحات بوتين، وحرمانه نصراً كاملاً. لكن اهتمامنا نحن بأوكرانيا كان مرتبطاً، دائماً، بتداعيات أزمتها على قضايا المشرق العربي، وبالأخص سورية، فليس هناك صراع واحد في العالم، من خارج النظام الإقليمي الشرق الأوسطي، كان له أثرٌ في المسألة السورية أكثر عمقاً من أزمة أوكرانيا، إلى درجة أنه يمكن القول إن مصير سورية كان يتقرّر فعلاً في ساحات الحرب الأوكرانية، وتحديداً في سهوب حوض الدونباس، وعلى شواطئ البحر الأسود.
بدأت علاقة سورية بأوكرانيا تتضح، في التفكير الاستراتيجي الروسي، منذ عام 2009، أي قبل عامين من انطلاق الثورة السورية، عندم قرّرت روسيا قطع إمدادات الغاز عن أوكرانيا، مستغلةً قسوة شتاء ذلك العام، للضغط عليها لرفع الأسعار، أملاً في إسقاط حكومة الرئيس فيكتور يوشينكو، المؤيدة للغرب، والتي جاءت إلى الحكم على خلفية الثورة البرتقالية (2004-2005) التي أخذت أوكرانيا إلى المعسكر الغربي. في المقابل، قرّر الرئيس يوشينكو أن بلاده لن تمدّد عقد تأجير قاعدة سيفاستوبول، في شبه جزيرة القرم، التي يستخدمها الروس مقرّاً لقيادة أسطول البحر الأسود. جدّدت أزمة 2009 الروسية-الأوكرانية اهتمام موسكو بقاعدة طرطوس البحرية السورية، التي كانت تستخدم خلال فترة الحرب الباردة نقطة إمداد للحضور العسكري السوفييتي في المتوسّط. وعندما تمكّنت روسيا من تدبير إطاحة حكومة يوشينكو في انتخابات عام 2010 وتنصيب حكومة موالية لها تراجع اهتمامها بسورية. لكن الوضع تغيّر مرة أخرى، عندما أسهم الدعم الغربي في إطاحة الحكومة المولية لموسكو، في احتجاجات الميدان (2013 - 2014)، ما دفع هذه الأخيرة إلى الرد باحتلال شبه جزيرة القرم. على الإثر، قرّر الرئيس الأميركي حينئذ، باراك أوباما، الذي كان يتعامل مع روسيا باستخفافٍ ترك مرارة بالغة في نفس الرئيس بوتين، فرض عقوبات اقتصادية على موسكو، وكأنها دولة عالمثالثية. ردّ بوتين بتخريب مفاوضات جنيف 2 السورية (يناير/ كانون الثاني- فبراير/ شباط 2014)، التي جرى التوافق عليها بين موسكو وواشنطن إثر صدور قرار مجلس الأمن 2118. وجاء القرار المذكور تتويجاً لاتفاق السلاح الكيماوي الذي وافق النظام السوري على تسليمه تفادياً لضربة أميركية بعد استخدامه ضد المدنيين في غوطة دمشق الشرقية. قرّرت روسيا، فوق ذلك، دعم "الانتخابات الرئاسية" التي قرّر بشّار الأسد إجراءها في يونيو/ حزيران عام 2014، في تحوّل عن موقفها السابق الذي كان يرى ضرورة إجراء الانتخابات جزءاً من توافق أوسع مع المعارضة. استمرّ التشدّد الروسي في المسألة السورية بالتوازي مع تصاعد التوتر في العلاقة مع الغرب خلال الحرب التي اشتعلت في إقليم دونباس، ودعمت روسيا فيها استقلال إقليمي لوغانتسك ودونيتسك اللذين تقطنهما أقلية روسية كبيرة، وامدّتهما بالمرتزقة والسلاح. وفي 2015، استغلت موسكو استفحال مظاهر فشل السياسة الأميركية في العراق وسورية، للتدخّل عسكرياً في الأخيرة. أراد بوتين استخدام نتائج حربه في سورية في إطار مقايضة مع الغرب لاستعادة أوكرانيا، لكن إدارة أوباما رفضت قطعاً المقاربة الروسية.
لم يكن أوباما يلقي بالاً للصراع في سورية، وكان ينظر إليه باعتباره جزءاً من صراع "تاريخي" سنّي شيعي، لا حليف مفضلاً لأميركا فيه. أما أوكرانيا، فصارت أداته الرئيسة في احتواء طموحات روسيا إلى استعادة مكانتها العالمية. لكن بوتين لم يصبر على تجاهل الغرب لتدخّله في سورية، فعمد إلى إغراقه بموجات من اللاجئين السوريين الهاربين من جحيم القصف الروسي. واعتباراً من 2018، أخذ بوتين يستخدم مناطق المعارضة في شمال غرب سورية أداة للضغط على تركيا في ملفّات عديدة متشابكة بينهما، منها أوكرانيا. وقد برز الرابط الأهم بين سورية وأوكرانيا بعد الغزو الروسي الأخير عام 2022، حيث اضطر بوتين إلى سحب الجزء الأكبر من قواته من سورية وزجّها في أتون الحرب الأوكرانية. لولا ذلك، لربما كنا لا نزال نعايش ظلمة الأسد ونظامه.