الرئيسة \
تقارير \ صراع النفوذ... إلى أين يصل التصعيد التركي- الإسرائيلي في سوريا؟
صراع النفوذ... إلى أين يصل التصعيد التركي- الإسرائيلي في سوريا؟
15.09.2025
إسماعيل درويش
صراع النفوذ... إلى أين يصل التصعيد التركي- الإسرائيلي في سوريا؟
اسماعيل درويش
اندبندنت عربية
الاحد 14/9/2025
يؤكد مراقبون أن الصراع التركي- الإسرائيلي في المنطقة بالإمكان إدارته والتوصل إلى تفاهمات ميدانية برعاية أميركية، فيما يوضح مصدر عسكري أن وجود قواعد للجيش التركي في سوريا من أبرز نقاط الخلاف، ويكشف المصدر لـ"اندبندنت عربية" عن وجود آليات لتجنب الصدام غير المقصود، وأيضاً يعد العامل الشعبي لمصلحة تركيا، حيث يلقى وجودها في سوريا قبولاً شعبياً، يقابله رفض واسع النطاق للتدخل الإسرائيلي، ومن جانب آخر تتفق رؤية تركيا مع الرؤية العربية لمستقبل سوريا الجديدة.
طوال الأعوام الماضية، كانت تركيا تدعم المعارضة السورية ضد النظام السابق، فيما كانت إيران تسرح وتمرح في الأراضي السورية، وتوترت العلاقات التركية- الإيرانية بسبب سوريا في أكثر من مناسبة، ووصلت إلى المواجهة العسكرية غير المباشرة في مطلع عام 2020.
موقف تركيا المعارض للوجود الإيراني في سوريا، كان يتفق كلياً مع الموقف الإسرائيلي والأميركي والعربي، وكانت العلاقات التركية- الإسرائيلية في حال ازدهار غير مسبوق قبل أسابيع قليلة من عملية السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023 في غزة، حيث سبق العملية بأقل من شهر واحد لقاء جمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في نيويورك. وكان أردوغان يتهيأ لزيارة إسرائيل قبل أن تبدأ الحرب على غزة وتدخل العلاقات بين أنقرة وتل أبيب مرحلة حرجة، فانضمت تركيا إلى الدعوى القضائية المرفوعة ضد نتنياهو في محكمة العدل الدولية، كما شاركت تركيا في الاجتماعات العربية- الإسلامية المخصصة لدعم غزة ومن بينها قمتا الرياض. وكان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ضمن لجنة الاتصال العربية- الإسلامية التي شكلتها الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، المنبثقة من قمة الرياض في الـ11 من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2023.
الموقف التركي من إسرائيل بعد حرب غزة انسجم كلياً مع الموقف العربي، لكن على رغم ذلك تعتبر العلاقات التركية- الإسرائيلية علاقات تاريخية استراتيجية، فتركيا كانت من أوائل الدول التي اعترفت بدولة إسرائيل، وطوال العقود الماضية شهدت العلاقات بين الطرفين تباينات عدة، تراوحت ما بين التقارب والتوتر، وكانت تتوتر غالباً كلما وسعت إسرائيل من عدوانها في الأراضي الفلسطينية، إلا أن الطرفين لم يدخلا في خلاف عميق على قضية أخرى غير القضية الفلسطينية، لكن هذه النظرية تغيرت كلياً بعد سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) عام 2024، فبذلك التغير التاريخي خرجت إيران كلياً من سوريا، فيما يقول مراقبون أن تركيا حلت محلها.
ومنذ اللحظات الأولى لإعلان الإطاحة بالأسد، أعلنت أنقرة دعمها المطلق اللامحدود "لسوريا الجديدة الموحدة المستقرة المزدهرة"، وهنا أيضاً توافق موقفها مع نظيره العربي، إلا أن إسرائيل اتخذت موقفاً مغايراً، فنقضت اتفاق 1974 واحتلت مناطق جديدة في الجنوب السوري ونفذت غارات جوية متكررة على مناطق مختلفة من سوريا، استهدفت إحداها مبنى هيئة الأركان في العاصمة دمشق، مما أثار استنكاراً عربياً وإقليمياً واسعاً، حتى إن الرئيس السوري أحمد الشرع قال خلال لقاء متلفز إن "إسرائيل حزنت على سقوط نظام الأسد". ودخل التوتر التركي- الإسرائيلي مرحلة جديدة من الصراع، بعدما أصبح الطرفان وجهاً لوجه في الساحة السورية، فهل يتصاعد الصراع ليصل إلى مرحلة الحرب المباشرة؟ أم تنجح الجهود الدبلوماسية في عودة التهدئة؟
العامل الشعبي لمصلحة تركيا
الصحافي التركي عبدالجبار جواش يقول إن "التصعيد بين أنقرة وتل أبيب لم يصل إلى مرحلة خطرة، لكنه دخل مربعاً جديداً وتحت عنوان جديد، تحكمه معادلات النفوذ الجيوسياسي في شرق أوسط يتغير بسرعة، فانكسار التوازنات السابقة في المنطقة أدى إلى وضع تركيا وإسرائيل على طرفي معادلة توازن صعبة الحل في الواقت الراهن، وهي بحاجة إلى المرور بمراحل عدة ليصبح الطرفان قابلين للتعايش في ظل الواقع الجديد، خصوصاً مع تضخم معضلة الأمن القومي لكليهما، ففي الماضي القريب كان المشهد الفلسطيني يحكم التوترات بين أنقرة وتل أبيب بالدرجة الأولى، إذ إنه مسألة ذات طابع معنوي وشعبي بالنسبة إلى تركيا، إلا أن ما يجري في سوريا اليوم قد يشكل بعداً آخر يتعلق بالأمن القومي التركي مباشرة، مما يفسر ردود الفعل التركية على السلوك الاسرائيلي المتنامي في سوريا، لكن واشنطن حليفة الطرفين والباحثة عن استقرار عبر الوكلاء تحاول ضبط هذا التوتر واحتواء التصعيد بين الجانبين وتجفيف منابع الخوف لكليهما سواء في ما يجري بشمال سوريا بالنسبة إلى أنقرة أو في الجنوب بالنسبة إلى تل أبيب، منعاً لمواجهة قد تكون غير مباشرة على الجغرافيا السورية، مما يعيد دورة الفشل السوري التي تشكل نافذة لدخول اللاعب الإيراني".
ما بعد الأفول الإيراني
ويضيف جواش أنه "إذا ما بحثنا في رغبات الطرفين، فإن إسرائيل ترى في تركيا فاعلاً جديداً يملأ الفراغ السوري بعد أفول المحور الإيراني، لكن هذا اللاعب الجديد يختلف عن سابقه بتمتعه بدرجة قبول من الغالبية الشعبية السورية، مما يعظم موقف أنقرة ويمنحها حرية للتحرك والاستثمار في الجيوسياسة السورية، ويقلق تل أبيب على المديين المتوسط والبعيد. في المقابل ترى أنقرة أن سلوك تل أبيب الهادف إلى تغذية النزعات الانفصالية في سوريا وتفتيت جغرافيتها، فضلاً عن علاقتها الوثيقة مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) يجعل تركيا أمام حال تأهب لمواجهة هذه الاستراتيجية الإسرائيلية التي تهدد بصورة فعلية ومباشرة أعمدة الأمن القومي التركي، لذا يقف الطرفان اليوم أمام خرائط جديدة لا يجب أن تكتب توازناتها بالنار لأن الموقف سريع الاشتعال، والاحتكام إلى الطمأنة وبناء أرضية ثقة عبر الجهات الدولية الفاعلة كواشنطن وموسكو أفضل الطرق وأقلها خطورة لاحتواء هذا الموقف المريب".
شبح الحرب بين حليفي واشنطن
وفي حين يرى جواش أن التصعيد في تركيا وإسرائيل لم يصل بعد إلى مرحلة خطرة، يختلف معه الباحث السوري محمد السكري، فيقول إن "التصعيد بين تركيا وإسرائيل في سوريا لم يعُد في مرحلة الخلاف، بل أصبح في مرحلة الصراع، والمؤشرات التي تدل على مزيد من التصعيد هي أكثر من المؤشرات التي تدل على إمكان التهدئة، واليوم وصل التصعيد إلى مرحلة إعلان تركيا قطع العلاقات الاقتصادية كافة مع الجانب الإسرائيلي، على رغم أن أنقرة خلال العقود الماضية كانت حريصة على فصل الملفات عن بعضها، فمثلاً كانت تسير في استراتيجية أن قطع العلاقات الدبلوماسية لا يعني قطع العلاقات الاقتصادية، لكن اليوم باتت تركيا تتعامل مع إسرائيل بطريقة مختلفة وبسياسات مختلفة عما كانت عليه في السابق، لذلك نتحدث اليوم عن تطور كبير حتى في الذهنية السياسية التركية، وهذا من علامات الاستشعار بالخطر، وهو مؤشر صراع". ويوضح السكري أن "أسباب الصراع الإسرائيلي- التركي تتلخص في سببين، الأول هو تغير الفاعل الإقليمي والثاني هو تغير ما يسمى ’بنية النظام الإقليمي‘. وبالنسبة إلى السبب الأول فإن تبدل اللاعب الإقليمي من إيران إلى تركيا وتحول تركيز إسرائيل من إيران إلى تركيا يعدّان تغيراً لبنية النظام الإقليمي التي تشكل باكورة الأحداث، إذ إن الخروج الإيراني من سوريا وتوسع النفوذ والحضور التركيين تسببا في تغير بنية النظام الإقليمي".
ويستدرك الباحث السوري بالقول إنه "لا شك في أن الولايات المتحدة ستقوم بدور مهم جداً على مستوى المفاوضات والوساطة بين الجانبين التركي والإسرائيلي، وعقلية التعامل الأميركي مع أنقرة مختلفة عن تعاملها مع طهران، لذلك ستسعى الولايات المتحدة كي لا يتوسع هذا الصراع ويتحول إلى حرب. لكن على رغم أن واشنطن غير قادرة على ضبط الهوامش الإسرائيلية، فإنها لا تدعم على الإطلاق وصول الصراع بين أنقرة وتل أبيب إلى مرحلة الحرب، وبالنسبة إلى تركيا فهي ترى أن سوريا هي المساحة المفتوحة بينها وإسرائيل، لذلك تريد أن تكون سوريا دولة مضبوطة بحدود دولية، كي تبقى سوريا فاصلة بين تركيا وإسرائيل".
العدو المقبل
من جانب آخر يقول المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو إن "أهم نقاط الخلاف بين إسرائيل وتركيا هي مسألة وحدة سوريا، بحيث إن تركيا ترفض أي نوع من أنواع الانفصال عن سوريا وأية محاولات لتقسيمها، بينما إسرائيل تريد العكس تماماً. والمسألة الأخرى أن إسرائيل تنظر إلى تركيا على أنها عدو مقبل، فإسرائيل تريد دائماً أن يكون هناك عدو لها بهدف استمرار التأهب العسكري وتواصل المساعدات الأميركية، ومن جانب آخر فإن تركيا توسعت كثيراً خلال الأعوام الأخيرة، فأصبحت اليوم قوة اقتصادية وعسكرية لا يستهان بها، لكن على رغم التصعيد تدرك إسرائيل بأن تركيا ليست إيران، بل إنها ثاني أهم قوة في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، لذلك أعتقد بأن تل أبيب لا تزال تحسب حساباتها تجاه أنقرة بصورة واقعية".
خلاف تكتيكي وليس استراتيجياً
من جانبه يرى الخبير الأمني السوري عمار أبو ياسر أن "ليس هناك تصعيد بين تركيا وإسرائيل على المستوى الاستراتيجي، وكل ما يجري بينهما خلافات تكتيكية ستزول بطبيعة الحال، ولا مقارنة بين الخلاف على ملف غزة والخلاف على ملف سوريا. وبالنسبة إلى ملف غزة فإن تركيا ليست لاعباً رئيساً هناك، وليست شريكاً ولا عدواً، وهذا الوضع لا ينطبق على الدور التركي في سوريا. أما بالنسبة إلى العلاقة مع الولايات المتحدة، وهي اللاعب الأقوى في العالم، فإن تركيا وإسرائيل حليفتان وثيقتان لواشنطن، ولن تسمح بأي شكل من الأشكال بالتصعيد بينهما".
آليات لتجنب الصدام
في الموازاة يقول مصدر عسكري إن "التوتر بين تركيا وإسرائيل تصاعد بصورة ملحوظة مع تغير المشهد في سوريا بعد سقوط نظام الأسد أواخر عام 2024 وتشكل إدارة جديدة برئاسة أحمد الشرع، إذ كثف الجانب الإسرائيلي ضرباته الجوية داخل سوريا، بما في ذلك ضرب قواعد عسكرية ومخازن أسلحة ومنشآت دفاعية للنظام السابق، أما تركيا من جهتها فبدأت بدعم الإدارة الجديدة في دمشق، وحاولت توسيع نفوذها السياسي والعسكري في البلاد عبر إطلاق محادثات جدية مع الحكومة السورية حول وجود عسكري تركي، يشمل قواعد واستخدامات دفاعية ودوراً في الاستقرار. وعلى رغم التوتر بين أنقرة وتل أبيب، فإن الطرفين يسعيان إلى تجنب الاصطدام المباشر، وهناك آليات تنسيق لتفادي الخطأ العسكري أو اشتباكات غير مقصودة بين القوات الإسرائيلية والتركية".