الرئيسة \  تقارير  \  شراكات اقتصادية وحِراكات دبلوماسية .. كيف يتنامى دور الصين في الشرق الأوسط؟

شراكات اقتصادية وحِراكات دبلوماسية .. كيف يتنامى دور الصين في الشرق الأوسط؟

21.06.2023
تي ار تي عربي



شراكات اقتصادية وحِراكات دبلوماسية .. كيف يتنامى دور الصين في الشرق الأوسط؟
تي ار تي عربي
الثلاثاء 20/6/2023
عملت الصين، خلال السنة الأخيرة على وجه الخصوص، على تعزيز علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية بدول الشرق الأوسط، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية التي تعد الفاعل العربي الأبرز في المنطقة. وذلك عبر شراكات اقتصادية مهمة عمادها الصادرات النفطية، كما تشارك تكنولوجيات الطاقة النووية والصناعات الدفاعية مع المملكة.
كما سعت بكين إلى مد جسور العلاقات مع دول عربية كثيرة في الشرق خصوصاً دول الخليج العربي وفلسطين.
وبدأت التقاربات بين الرياض وبكين تؤتي ثمارها، ولعل أبرز هذه الثمار كانت الوساطة الصينية في المصالحة السعودية-الإيرانية، وتطبيع العلاقات بين البلدين. ناهيك بتعبير السعودية عن رغبتها الصريحة في الانضمام إلى تكتل "بريكس"، وانضمامها الفعلي لـ"مجموعة شانغهاي"، التي تعد الصين عرّابتها.
وفي السياق نفسه، تسعى الصين إلى لعب دور في القضية الفلسطينية. ذلك ما عبّرت عنه الرئاسة الصينية خلال الزيارة الأخيرة للرئيس عباس أبو مازن للبلاد، مشيرةً إلى رغبتها في عرض تسوية "عادلة ودائمة" للملف.
في المقابل، وأمام هذا الواقع الجديد، يُطرح عدد من الأسئلة حول ما إذا كان تنامي الدور الصيني في الشرق الأوسط، يأتي على حساب انكماش نظيره الأمريكي الذي يعد حليفاً تقليدياً في المنطقة، خصوصاً بعد الأوضاع الدولية الجديدة التي طرحتها الحرب في أوكرانيا وتصاعد التوترات بين واشنطن وبكين حول تايوان.
حضور اقتصادي بارز
ليس الحضور الاقتصادي الصيني في منطقة الشرق الأوسط وليد اللّحظة، بل عملت بكين على تعزيز هذا الحضور خلال العقود الأخيرة، إذ يعود تأسيس المنتدى العربي-الصيني إلى عام 2004. غير أن الحضور تنامى بشكل متسارع خلال العامين الأخيرين، نتيجة أزمة الطاقة التي شهدها العالم بعد الجائحة الوبائية، التي تضاعفت أيضاً جراء الحرب في أوكرانيا.
وبشكل رئيسي تمثل صادرات الطاقة الشرق أوسطية، من نفط وغاز، محور الشراكات الاقتصادية بين الصين ودول المنطقة. وهو ما يبرز في أن بكين أصبحت المستورد الأول للنفط في العراق، بحصة 44%. إذ كشفت سفارة الصين لدى بغداد، في فبراير/ شباط الماضي، عن أن البلاد استوردت نحو 55.49 مليون طن من الخام العراقي بقيمة 39.04 مليار دولار، أي بزيادة قدرها 47.49% على أساس سنوي.
وفي فبراير الماضي أيضاً، أعلنت وزارة النفط العراقية منح ستة امتيازات نفطية لثلاث شركات من الصين، من بينها حقل غرب القرنة الذي يحتوي على جزء كبير من الاحتياطيات النفطية العراقية القابلة للاستخراج والمقدَّرة بنحو 43 مليار برميل.
وفي السياق نفسه، تعد الصين أيضاً المستورد رقم واحد للنفط السعودي. وبينما قلصت الولايات المتحدة استيرادها للنفط من المملكة، من مليونَي برميل يومياً في 1991 إلى 500 ألف فقط في ديسمبر/كانون الأول 2021، زادت صادرات المملكة نحو بكين لتبلغ عتبة 1.76 مليون برميل يومياً.
مقابل هذا، وقبل عام، كشفت تقارير إعلامية عن مساعٍ صينية-سعودية لتسعير بعض الصادرات النفطية باليوان، في خطوة من شأنها التأثير على سيادة الدولار في أسواق النفط العالمية، بتحالف أكبر مستورد في العالم للنفط مع أكبر مصدّر له. كما وقّعت الرياض وقتها اتفاقية صادرات بتروكيماوية مع شركة تكرير صينية، بلغت قيمتها 10 مليارات دولار، وتمويل إنشاء محطة تكرير البترول في الصين، وفق ما كشفت عنه وكالة الأنباء السعودية.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، اتفقت السعودية والصين على التعاون في مجال "الاستخدامات السلمية للطاقة النووية"، كما إنشاء مركز إقليمي للمصانع الصينية في المملكة للاستفادة من موقعها الجغرافي، حسبما كشفت وكالة الأنباء السعودية.
وجرى توسيع هذه الشراكات الاقتصادية خلال زيارة الرئيس الصيني تشي جين للرياض، في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، إذ جرى توقيع اتفاق شراكة استراتيجية بين البلدين، قُدِّرت قيمته بـ30 مليار دولار.
وتزامناً مع هذه التطورات، حظيت كل من السعودية ومصر والكويت والبحرين وقطر والإمارات، بالانضمام إلى منظمة شانغهاي بصفتها "شريك حوار"، وهي منظمة إقليمية تعد الصين محورها الفعلي.
هذا بالإضافة إلى تعبير السعودية على نيتها الانضمام إلى مجموعة "بريكس"، وفي مطلع يونيو/حزيران الجاري، حضر وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، الاجتماع الوزاري لأصدقاء المجموعة، حيث أعرب عن أن "المملكة لا تزال أكبر شريك تجاري لمجموعة بريكس في الشرق الأوسط، والعلاقات التجارية مع دول بريكس شهدت نمواً كبيراً يعكس العلاقات المتنامية والمتطورة مع دول المجموعة".
اختراق دبلوماسي صيني
بالقياس على التطور المتسارع للعلاقات الاقتصادية الصينية-الشرق أوسطية، زاد النشاط الدبلوماسي لبكين في المنطقة، وهو ما بدأت ثماره في الظهور على مستوى ملفات عدة، أبرزها كانت المصالحة السعودية-الإيرانية، وتطبيع العلاقات بين البلدين بعد توتر محتدم خلال العقد الأخير على الأقل.
وكانت الصين، لما أصبحت تمتاز به من علاقات دبلوماسية واقتصادية وطيدة مع كلٍّ من إيران والسعودية، الراعي لمساعي المصالحة بين البلدين، وهو ما أثمر مباحثات رفيعة المستوى بين وزيرَي خارجية البلدين، الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، و حسين أمير عبد اللهيان، في بكين، في أبريل/نيسان الماضي، اتُّفق خلالها على تطبيع العلاقات وإعادة فتح سفارتَي البلدين وعودة الرحلات الجوية بينهما.
ويرى مراقبون أن المستفيد الأكبر في صفقة المصالحة السعودية-الإيرانية، هي الصين التي عززت صورتها كقوة عالمية قادرة على إعادة ترتيب العلاقات في الشرق الأوسط، وهي المهمة التي كانت الولايات المتحدة عاجزة عن القيام بها هناك.
القضية الفلسطينية
من ناحية أخرى، يفتح نجاح الرعاية الصينية للمصالحة أفقاً أمام بكين للعب دور الدبلوماسي في قضايا أخرى في المنطقة، من بينها القضية الفلسطينية. وهو ما عبّرت عنه الرئاسة الصينية، تزامناً مع الزيارة التي أجراها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس للبلاد، حيث جرى استقباله من طرف الرئيس الصيني في حفل رسمي في الساحة السماوية.
وأعرب الرئيس الصيني شي جين بينغ، في لقاء جمعه مع نظيره الفلسطيني، يوم الأربعاء، عن استعداد بلاده "لتعزيز التنسيق والتعاون مع فلسطين، للدفع باتجاه تسوية مبكرة وشاملة وعادلة ودائمة للقضية الفلسطينية".
وكشفت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، هوا تشون ينغ، عن أن "الرئيس الصيني أجرى محادثات مع الرئيس عباس، أكد خلالها أن الصين وفلسطين صديقان حميمان وشريكان جيدان يثق بعضهما ببعض ويدعم كل منهما الآخر"، مشددةً على أن بلادها "لطالما دعمت بقوة قضية الشعب الفلسطيني العادلة، المتمثلة في استعادة حقوقه الوطنية المشروعة".
على حساب الولايات المتحدة؟
عقب اتفاق المصالحة، نفت السلطات السعودية أن تقاربها مع الصين يمثل نكثاً لتحالفاتها التقليدية مع الولايات المتحدة. وهو ما أكدته واشنطن أيضاً على لسان وزير خارجيتها أنتوني بلينكن، خلال زيارته الأخيرة للرياض، إذ قال: "إننا لا نطلب من أحد الاختيار بين الولايات المتحدة والصين (...) نحاول ببساطة إظهار فوائد شراكتنا والأجندة المتوافق عليها التي نقدمها".
ويًضاف إلى هذا القفزة التي عرفتها أسعار النفط مع بداية الاقتتال في أوكرانيا، ما دفع بايدن إلى ممارسة ضغوط على الرياض كي تزيد من إنتاجها النفطي، وذلك لمصلحتين أمريكيتين؛ الأولى هي كبح مستويات التضخم وتأمين الجبهة الاجتماعية الداخلية، وثانيتهما قطع السبل أمام استمرار قدرة موسكو على تمويل مجهودها الحربي.
وفي ظل هذه الظروف سرعت الصين من نشاطها الدبلوماسي والاقتصادي في المنطقة. في المقابل، يرى أحمد عبده، الباحث الزميل في معهد "مجلس الأطلسي"، أنه "يتمثل الهدف النهائي للصين في دفع المزيد من شركاء الولايات المتحدة نحو إقامة حياد استراتيجي، ولا تتوقع منهم أن يتحدَّوا مصالح واشنطن تمامًا".
ويُجري وزير الخارجية الأمريكي في هذه الأثناء زيارة لبكين، التقى خلالها كلاً من الرئيس شي جين بينغ، ووزير الخارجية الصيني تشين غانغ، وجرى إجراء مباحثات وصفتها الخارجية الأمريكية بـ"البناّءة"، حول عدة قضايا على رأسها ملف تايوان الذي يعد جوهرياً بالنسبة إلى بكين.
وتأتي هذه الزيارة بعد أيام من زيارة بلينكن للسعودية، التي أتت هي الأخرى تزامناً مع إعادة فتح السفارة الإيرانية في الرياض، وهو ما قرأت فيه صحيفة "ساوث تشاينا مورنينغ بوست" رسالة إلى بكين بأن "الولايات المتحدة تحذرها من تنامي دورها السياسي والاقتصادي في المنطقة".