الرئيسة \  تقارير  \  "شالوم" في دمشق... يهود سوريا و"الهجرة المعاكسة"

"شالوم" في دمشق... يهود سوريا و"الهجرة المعاكسة"

07.09.2025
مصطفى رستم



"شالوم" في دمشق... يهود سوريا و"الهجرة المعاكسة"
مصطفى رستم
اندبندنت عربية 6/9/2025
لم تشاهد الأجيال الشابة أي رجل دين يهودي يرتدي ملابسه التقليدية ويتجول في أزقة المدينة، بينما أهالي الحي يبادلونه السلام والتحية.. ما الذي حدث؟
بـ"شالوم"، كلمة "السلام" العبرية بادل أهالي وأصحاب الحوانيت الممتدة في باب شرقي، أحد أبواب دمشق القديمة، مجموعة يهودية التحية وهم يجتازون الأزقة الضيقة نحو حارة اليهود وصولاً إلى بيوت وقصور تراثية، تركها أهلها لدى هجرتهم الأخيرة خلال أواخر القرن الماضي، قبل الاتجاه لأداة صلاتهم داخل الكنيس الذي شرع أبوابه بعد عقود طويلة من الإغلاق.
هذا المشهد كان قبل ما يناهز ثمانية أشهر يعد ضرباً من الخيال، إذ لم تشاهد الأجيال الشابة أي رجل دين يهودي يرتدي ملابسه التقليدية ويتجول في أزقة المدينة بينما أهالي الحي يبادلونه السلام والتحية، باختصار إنها "سوريا الجديدة" كما يردد دمشقيون.
صلاة في الكنيس
مع قدوم يهود من دول أجنبية بين حين وآخر بات المشهد يتخطى الاستغراب والصدمة إلى تطور نوعي في قضية يهود دمشق وعودتهم المرتقبة ولو من الباب السياحي. آخر تلك الوفود زيارة ضمت الحاخام موشيه كلاين برفقة رجل الأعمال دوف بليخ، إذ أدى كل منهما الصلاة في الكنيس المركزي داخل دمشق، وتوجها إلى المقبرة اليهودية بهدف زيارة قبر أحد أبرز أعلام الحاخامات خلال القرن الـ16، حاييم فيتال.
يعلق رئيس الطائفة اليهودية في سوريا بيخور سماطوب لـ"اندبندنت عربية" على تلك الزيارات المتتالية، بأنها "تترك أثراً طيباً في قلوب يهود دمشق ممن عاشوا في حاراتها القديمة ومن ثم هاجروا قسراً خلال فترة الثمانينيات من القرن الماضي بسبب تضييق حافظ الأسد عليهم، والآن مع توالى الزيارات من قبل أبناء الجالية يمكن القول إن الأمور باتت تسير بصورة طبيعية، والأوضاع في تحسن".
وفي رده على تساؤل حول ما إذا كان يشجع أبناء الطائفة الذين هاجروا على العودة إلى ديارهم، قال "نعم، أشجع اليهود السوريين وغير السوريين على القدوم إلى دمشق، بصرف النظر عما يثار من حديث حول الأقليات، فالوضع بات آمناً".
ومن أبرز الأماكن التي يتجول فيها الزوار اليهود، بحسب بيخور سماطوب "الكنيس والمقبرة وحارة اليهود وكنيس جوبر، وجميع الأماكن السياحية مفتوحة للجميع من دون استثناء".
على خريطة العودة
ويحاول كثير من يهود دمشق العودة لزيارة بيوتهم أو مشاهدة أماكن العبادة وزيارة دمشق وحاراتها بصحبة أبنائهم وأحفادهم، للتعرف على البلاد التي عاش بها أجدادهم. ولا يخفي الدليل السياحي جورج مرجانة تفاؤله بعودة السياحة بعد الاستقرار، مضيفاً "عادت سوريا لتفتح أبوابها للجميع، ونحن الآن نشاهد زيارات لوفود يهودية، وكان ذلك غير وارد على الإطلاق في السابق، ومن المتوقع أن تعمل الشركات السياحية على برامج زيارات سياحية ليهود العالم إلى سوريا".
وتحوي مدينة دمشق عدداً من الكنس يتجاوز الثمانية، ومنها كنيس تهدم بفعل الحرب التي شهدها حي جوبر، ومن أبرز المعابد كنيس "فارحي" المعروف بكنيس الفرنج (بني خلال القرن الـ16 الميلادي على يد يهود فروا عقب سقوط الأندلس، وعانوا الاضطهاد حتى وصلوا إلى دمشق وعاشوا بسلام مع باقي الطوائف من أبناء المدينة)، وهذا الكنيس يعد شاهداً على بقاء أصحاب الديانة اليهودية، وظل يفتح أبوابه للصلاة لمن تبقى من اليهود.
وثمة معبد يهودي على الحائط الخارجي لسور دمشق القديمة، ومعبد آخر في الجهة المقابلة للكنيسة المريمية، في حين تضم حارة اليهود معبداً داخل مدرسة "ابن ميمون"، وهي مدرسة مغلقة حالياً لكن ما زالت اللافتة التعريفية موضوعة على واجهتها، وكانت تقدم التعليم لأبناء وبنات الطائفة، وتأسست عام 1944.
ومن أهم المزارات اليهودية قبر الحاخام حاييم فيتال (1542 - 1630) الذي لعب دوراً أساساً في تدوين ونقل تعاليم الديانة، ويعد كتابه "إتس حاييم" أو "شجرة الحياة" من أهم المراجع في التصوف اليهودي، وبات القبر جزءاً من التراث اليهودي.
إزاء ذلك تشير المعلومات إلى نية أبناء الطائفة في المهجر إعادة بناء الكنيس في حي جوبر، وهذا المعبد يعد من أهم وأقدم المعابد اليهودية في الشرق الأوسط، ويعود تاريخه إلى أكثر من ألفي عام، وتعرض لأضرار جسيمة نتيجة القصف والاشتباكات، وسرقت بعض محتوياته بما في ذلك المخطوطات القديمة من التوراة المحفوظة.
دمشق تستقبل العالم
في المقابل، لم تخف الإدارة السورية الجديدة منذ اعتلائها حكم البلاد عقب سقوط الأسد انفتاحها نحو أبناء الطائفة اليهودية ممن تبقى في دمشق، وعددهم لا يتجاوز سبعة أشخاص يقيمون في دمشق القديمة وبالذات في القشلة. يقول رئيس الجالية بيخور إنه عقب تحرير سوريا زاره وفد من السلطات، وبثوا رسائل طمأنينة تجاه أبناء الطائفة اليهودية.
ويرى مراقبون هذا الانفتاح محاولة لكسب الدعم الدولي، وطمأنة إسرائيل المتخوفة من وصول التيار الإسلامي المتشدد إلى الحكم في سوريا، لهذا كثفت تل أبيب من غاراتها الجوية وقصفت مواقع عسكرية واستراتيجية مدمرة 80 في المئة من قدرات الجيش النظامي القديم، ولا سيما منشآت الدفاع الجوي والأنظمة الصاروخية، بالتوازي مع توغل نحو القنيطرة ودرعا جنوب سوريا، وصولاً إلى مناطق محاذية من ريف العاصمة دمشق.
ويعود تاريخ اليهود في سوريا إلى مجموعتين هما "المزراحيون" الذين وجدوا منذ العصور القديمة وتحديداً زمن النبي داوود، والمجموعة الثانية تواجدوا في أعقاب طرد اليهود من إسبانيا وسقوط الأندلس خلال القرن الـ16 ويعرفون باسم "السفارديون"، وعرفوا بإتقانهم مهناً حتى قبل هجرتهم خلال القرن الـ20 أبرزها صناعة الذهب.
خلال فبراير (شباط) الماضي، عاد الحاخام يوسف الحمرا إلى دمشق بعد ثلاثة عقود من مغادرته في ظروف سياسية استثنائية وصعبة، وزيارته تلك كسرت الجليد وكانت بمثابة اختبار لمعرفة موقف السلطات الجديدة، وقال الرئيس المشارك لمنظمة "العدالة لليهود في الدول العربية" الحاخام إيلي عبادي في تصريحات صحافية "من تبقى لا يريد المغادرة، ولديهم عائلات خارج سوريا، داخل إسرائيل وأميركا ولا سيما في نيويورك".