سيكولوجية الجماهير..محطات كبرى..
زهير سالم
المحطة الأولى حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إنما مثلي ومثلُكم كمثلِ رجلٍ أوقدَ نارًا ، فجعل الفراشُ، والجنادِبُ يقعْنَ فيها، وهو يذُبُّهُنَّ عنها، وأنا آخُذُ بحُجْزِكُمْ عنِ النارِ ، وأنتم تفْلِتونَ مِنْ يَدَيْ" وفي رواية: وأنتم تقحمون فيها..
وتأمل ما شئت حالتي التفلت والتقحم، اللتين تغلبان على كثير من الذين يظنون النار دفئا ونورا فيتقحمون.
وتذكر قوله: دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها. وأضف إلى الذكرى سؤال الصحابي حذيفة رضي الله عنه: قال يا رسول الله صفهم لنا: قال هم من بني جلدتنا ويتكلمون بلغتنا..
وإذا جمعت هذا بيدك، فتذكر جمهورا من طغام الناس وأراذلهم، اجتمعوا باسم الله، على باب خليفة المسلمين الراشد ذي النورين عثمان رضي الله عنه، وحاصروه وجوعوه وعطًشوه ثم تسوروا عليه الدار حتى قتلوه..
ثم تذكرهم يجتمعون ويؤلبون على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، فيخرجون عليه، حتى يكفروه، ثم يتآمرون عليه فيقتلونه…
ثم تذكروهم يحاصرون أئمة المسلمين في بيوتهم، ويتناجزون فيما بينهم بالحجارة، حتى لو اختلفوا على جناح بعوضة…أو كيف تطير..!!
تذكروا بدون مداورة ولا لف ولا دوران كيف كان خلاصة وصف الفقهاء الحكماء الحلماء لهم: العوام كالهوام. وقول بعضهم: لو نهي العوام عن فت البعر لفتوه، وقالوا ما نهينا عن فته آلا وفيه شيء. أو وصف أهل الحكمة لهم: العوام إلى الفتنة أسرع من السيل إلى المنحدر..
ثم أستدير..
واقرؤوا آذا شئتم كتاب "سيكولوجية الجماهير" للمفكر والفيلسوف الفرنسي "غوستاف لوبون" لتعلموا أو تتعلموا الكثير، الذي ليس فيه على أهل الإسلام جديد…!! هم هم وإنما الجديد بديع التصنيف والتبويب والتفريد!!
لقد علم مربو المواشي في عالمنا، أنه لا بد للقطيع من مرياع.. ومن لم يحط، فليسأل، عن المرياع الذي يضبط خطو القطيع. ولا بد للإبل من حادٍ، والحادي ضابط إيقاع سير القطعة من الإبل، ومن هنا جاءت الوصية لأنجشة رويدك سوقك بالقوارير.. اجعل الإيقاع وئيدا ففي حمولتنا زجاج…
من ذلك وذاك وهذا أقفز بكم إلى حمّى الجماهير وودت لو كانت الجماعير تتراقص أو تتمايل على وقع أغنية، أو تندفع حتى الموت مع خطاب مسكون بنعرة نازية تعلي شأن الأنا، وتقلل من قيم الآخرين. الأنا الآرية الكبيرة التي لا تزال تكمن أو تتمظهر في دعوات الكثيرين..
آرية مرة وسامية أو حامية ثانية وثالثة ورابعة وخامسة. وقال سيدنا علي رضي الله عنه: من يطل هنو أبيه ينتطق به، فكيف لا ينتطقون..؟؟
أرى الجماهير تثور وتغور وراء كرة تحركها قدم، فيكون وراء تلك الحركة رضا وغضب، وتهديم وتخريب!! وبينما الجوع يعم العالم: لا أحد يريد أن يسأل عن موازنة الأولمبيادات حول خيام الجائعين…!! بالأمس كانوا يتفاخرون علينا بنصر مزيف مهين!!
أذهب بكم أبعد أو أقرب..
منذ أيام في مصر ذكرى مولد السيد البدوي.. وزعموا أنه قد احتشد بمناسبة هذه الذكرى مليون الإنسان، تذكروا صورة الفراش يتقحمن في النار.. على ماذا!! ومن أجل ماذا؟؟
وفي التوقيت نفسه، حتى لا تظنوا الظاهرة البدوية ظاهرة مصرية أو عربية، أو إسلامية، نعيش منذ ثلاثة أيام هنا في لندن، مناسبة تسمى عيد الأنوار عند المجتمع الهندي: الأرواح الهائمة تحتاج في مثل هذا اليوم إلى مصدر للنور لكي تصير إلى مثواك، بالطريقة الجماهيرية نفسها، طريقة الفراش المتقحم في النار، ما زلنا نقضي ليالينا مفعمة بالمفرقعات الليلية، حتى لا نكاد ننام، وتكاد تجزم أن ما يصرف على تلك المهرجانات، وما أجمل اشتقاق المهرجان من الهرج، قد يساعد إلى حد كبير في طي صفحات الجوع في الهند..!! هل حدثك أحد عن الجوع في شبه القارة الهندية؟؟
لا تبعدوا وبعد أيام قليلة في مطلع الشهر الحادي عشر سينهمك المجتمع البريطاني بكليته، بمن فيهم من كيراء وعلماء ومثقفين وأنغلو سكسون.. في لعبة الهيلوين، ودراكولا مصاص الدماء..
واسألوا وتساءلوا عما يبدد من أفكار وعقول.. ليس فقط البابا نويل أو سانتا كروز.. بل وعيد الحب ومذبحة اليقطين..
وقد علم أصحاب القفاطين السود هذا الضعف البشري، فأسرجوا على ابن آدم وركبوا ودندلوا..
ولن يخرجه مما هو فيه غير قلب سليم ودين قويم
يا عباد الله اعقلوا عن الله..
لندن: 29/ ربيع الآخر/ 1447- 22/ 10/ 2025
زهير سالم: مدير مركز الشرق العربي