الرئيسة \
تقارير \ سياسة واشنطن بسوريا: "الدمج" لاحتواء النفوذ الإيراني والروسي
سياسة واشنطن بسوريا: "الدمج" لاحتواء النفوذ الإيراني والروسي
07.09.2025
المدن
سياسة واشنطن بسوريا: "الدمج" لاحتواء النفوذ الإيراني والروسي
المدن 6/9/2025
تتجه السياسة الأميركية الحالية في سوريا نحو تقليص التدخل المباشر مع الحفاظ على "حد أدنى من الاستقرار" عبر دعم حكومة دمشق، وتعزيز النفوذ الاقتصادي والدبلوماسي كأدوات ضغط ضد إيران وروسيا.
هذه الاستراتيجية هي مقاربة مجزأة، براغماتية، وليست استراتيجية شاملة، حيث تدفع باتجاه دمج قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ضمن مؤسسات حكومة دمشق، باعتبارها أداة مزدوجة: منع عودة تنظيم "داعش" من جهة، وموازنة النفوذ الإيراني والروسي من جهة أخرى.
مكافحة الإرهاب
منذ سيطرة "داعش" على مساحات واسعة في سوريا والعراق عام 2014، برزت مكافحة الإرهاب كهدف مركزي للولايات المتحدة، وقد تشكّل التحالف الدولي بقيادتها، مستنداً إلى الضربات الجوية ودعم "قسد"، ذات الغالبية الكردية.
تنبع أهمية هذا الهدف من حماية الأمن القومي الأميركي وحلفائه من هجمات عابرة للحدود، استخدمت في سبيل تحقيق ذلك العمليات الخاصة، الطائرات المسيرة، بناء قواعد عسكرية محدودة في شمال شرق سوريا.
لكنها واجهت إشكالية في اعتمادها على قوى محلية (الأكراد) حيث أثار ذلك توتراً مع تركيا، العضو في "الناتو"، التي ترى في "قسد" امتداداً لحزب العمال الكردستاني. ومع تقليص وجودها العسكري، بدأت الإدارة الأميركية تعيد رسم دور "قسد"، فلم تعد واشنطن ترى في "قسد" مجرد قوة محلية شبه مستقلة، بل تسعى لدمجها تدريجياً في هيكل الدولة السورية تحت إشراف حكومة دمشق، مع الاحتفاظ بقدر من الحكم الذاتي في المناطق الكردية والعربية شمال وشرق البلاد.
كم ترى واشنطن أنه لا استقرار في سوريا بدون التعاون مع حكومة دمشق. فيما قلصت عدد القواعد العسكرية من 8 قواعد إلى 3، وتخطط للاحتفاظ بقاعدة مركزية واحدة فقط، مع وجود أقل من 1000 جندي اليوم.
تُظهر هذه الخطوة بقاء مكافحة الإرهاب حجر الأساس في الاستراتيجية الأميركية، حتى مع تصغير دورها العسكري المباشر، ولتحقيق هذه الأهداف الأمنية يجب إضفاء شرعية أكبر على محاربة الإرهاب من خلال دمج "قسد" في مؤسسات الدولة. لكن هذه المقاربة تواجه العديد من التحديات منها مقاومة بعض المكونات الكردية لفكرة الخضوع المباشر لدمشق، ومخاوف عربية – محلية من هيمنة "قسد" على الإدارات الجديدة، وكذلك تعقيدات العلاقة بين دمشق وأنقرة.
تهدئة التوترات
ويرى الباحث في مركز جسور للدراسات محمد سليمان، في حديث لـ "المدن"، أن الولايات المتحدة تركز على بناء خطوط تعاون مع الحكومة السورية، من خلال العمل على تهدئة التوتر مع إسرائيل والتوسط للوصول إلى تفاهم أمني ينهي التوغلات والانتهاكات وربما في نهاية المطاف إلى اتفاق سلام.
ويضيف أن واشنطن تركز أيضاً، على الضغط على "قسد" في شمال شرق سوريا، وعلى المجموعات المسلحة الخارجة عن القانون في السويداء، بهدف دفعها نحو التفاهم مع الدولة السورية والانخراط في عملية الانتقال السياسي، بما يشمل حل الفصائل المسلحة وإصدار إعلان دستوري وتشكيل حكومة وإجراء انتخابات لمجلس الشعب وهي خطوات يتم العمل عليها حالياً ضمن مسار الانتقال السياسي في البلاد.
احتواء النفوذ الإيراني والروسي
تدرك واشنطن أنّ النفوذ الإيراني والروسي في سوريا، يستمد شرعيته من تحالفهما مع مؤسسات الدولة السورية، لذلك تحاول قلب المعادلة من خلال: تشجيع دمشق على استيعاب "قسد" بما يعزز استقلالية الدولة نسبياً عن طهران وموسكو.
ويشير رئيس المجلس السوري الأميركي فاروق بلال، في حديث لـ "المدن"، إلى أن سياسة الرئيس دونالد ترامب بالنسبة للشرق الأوسط هي إنهاء الحروب، وإحلال السلام، والانسحاب الأميركي.
ويوضح فاروق أن ترامب يرى ترامب في سوريا أمرين أساسيين، الأول، الذي ينعكس على وزارة الخارجية والكونغرس سواء من الجمهوريين أو الديمقراطيين الذين زاروا سوريا، وهم يرون أن سوريا هي حجر أساس في شرق أوسط مستقر وآمن، بمعنى أن استقرار سوريا هو مطلوب لاستقرار المنطقة.
الأمر الثاني، بحسب فاروق، هو محاربة الوجود الإيراني وطرد روسيا من المياه الدافئة في الشرق الأوسط، مستغلين انشغال إيران بالضربات الاسرائيلية الموجعة، وانشغال روسيا بالحرب مع أوكرانيا. ويضيف أن "واشنطن تجد نافذة مهمة في سوريا لضرب التواجد الإيراني والروسي إضافة لمحاربة داعش، لذلك نلاحظ أن الولايات المتحدة تركز حالياً على تمكين الحكومة السورية وتقويتها، كي تكون قادرة على محاربة الوجود الإيراني، وإجبار الروس على الخروج من سوريا، وبالتأكيد محاربة داعش في المنطقة".
تجاه إيران
منذ سقوط نظام بشار الأسد، تراجعت قدرة طهران على استخدام سوريا كجسر إقليمي نحو المتوسط، لكن إيران لا تزال تحاول الحفاظ على نفوذها عبر المليشيات المحلية، من خلال تمويل وتسليح فصائل صغيرة في دير الزور ومحيط دمشق لضمان استمرار حضورها، وعبر الممرات اللوجستية باستخدام الأراضي السورية كنقطة عبور لإيصال الدعم العسكري إلى حزب الله.
ويرى محمد سليمان أن الولايات المتحدة تسعى إلى القضاء على النفوذ الإيراني في المنطقة، ومنع عودة طهران إلى المشهد السوري، بهدف قطع الطريق أمام استخدام سوريا لتكون ممر لتهريب الأسلحة إلى حزب الله.
وبدمج "قسد"، يتم تقليص حاجة دمشق إلى المليشيات المدعومة من إيران التي كانت تملأ الفراغ الأمني في الشرق السوري، كما يتيح ذلك إعادة توزيع القوة داخل الجيش والأجهزة الأمنية.
تجاه روسيا
منذ دخولها الحرب السورية، تجنبت واشنطن مواجهة مباشرة مع موسكو، واعتمدت "خطوط منع الاشتباك" لتفادي الاصطدام، لكن مع تصاعد التوترات في أوكرانيا، بات الوجود الروسي في سوريا يُنظر إليه كجزء من صراع أوسع بين موسكو والغرب.
تركز روسيا اليوم على حماية قواعدها ومناطق نفوذها الساحلية، وتسعى للحفاظ على وجودها في مطار حميميم وميناء طرطوس، مقابل تقديم مساعدات اقتصادية للحكومة المؤقتة، لكنها تجد نفسها أقل قدرة على التأثير في الشرق والشمال الشرقي مع دخول "قسد" في مؤسسات الدولة.
بالمقابل تراهن واشنطن على أن توسيع قاعدة دمشق نحو قسد سيجعلها أقل ارتهاناً للحماية الروسية، ويفتح باباً للتوازن بين علاقاتها مع موسكو والغرب.
عملياً، هذا يعني أن واشنطن تستخدم "قسد" كورقة ضغط ناعمة لإضعاف دور روسيا في الملف السوري.
ويقول محمد سليمان إن الاستراتيجية الأميركية تجاه روسيا، تقوم على التعاون معها، انسجاماً مع توجهات إدارة ترامب وذلك بهدف مشترك يتمثل في تحقيق الاستقرار في سوريا، مستفيدة من العلاقة الجيدة بين موسكو وأنقرة والتي يمكن أن تسهم في دعم المسار السوري.
التحول السياسي الأميركي في سوريا ينقل دورها من لاعب ميداني مباشر إلى مهندس للتوازنات السياسية – الأمنية داخل البلاد، مستفيدة من أوراق الضغط الاقتصادية والدبلوماسية، ومستخدمة "قسد" كأداة انتقالية نحو إعادة تموضع الدولة بعيداً عن النفوذ الإيراني – الروسي الكامل.
باختصار، ترى واشنطن أن الحد من الإرهاب في سوريا، لم يعد يتطلب وجوداً ضخماً، بل شبكة مرنة من العمليات المحدودة والشركاء المحليين، بما يضمن تقليل التكاليف مع الحفاظ على الفعالية