الرئيسة \  تقارير  \  سورية نحو حكومة شاملة قبل نهاية العام؟

سورية نحو حكومة شاملة قبل نهاية العام؟

28.09.2025
عدنان علي



سورية نحو حكومة شاملة قبل نهاية العام؟
عدنان علي
العربي الجديد
السبت 27/9/2025
في ما يبدو أنها إحدى نتائج زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة، توقع المبعوث الأميركي إلى سورية، توم برّاك، "إعادة هندسة" الحكومة السورية الحالية لتكون "مركزية شاملة" قبل نهاية العام الحالي، مؤكداً أن بلاده لا ترى في الفيدرالية حلاً مناسباً في سورية.
شكل الحكومة المقبلة في سورية
وقال برّاك في تصريحات لشبكة "روداو" الكردية، أول من أمس الخميس، إن الحكومة المقبلة ستضمن حقوق جميع المكونات والأقليات، مشدداً على أن الدعم الأميركي يشمل السوريين الأكراد وبقية المكونات من دون فرض أي إملاءات. وأوضح أن الولايات المتحدة تساهم بالتوجيه والمساعدة، لكنها لا تفرض نموذجاً أميركياً أو أوروبياً على السوريين. ووصف برّاك أحداث السويداء بأنها "مؤسفة"، مشدداً على أن واشنطن تعمل على منع تكرارها. كما قال برّاك إن الحكومة السورية ستعترف برغبة كل أقلية في احترام شعائرها الدينية وخصائصها الثقافية، إلا أن هذا الأمر يتطلب "هندسة سياسية" تفضي إلى "تصميم حكومة مركزية لا تتحوّل إلى فيدرالية وتمنح هذه المكونات حقها وفرصتها، وأعتقد أن ذلك يحدث بالفعل".
وتحدث برّاك عن كيفية دمج مختلف الفصائل والأقليات بطريقة آمنة وسليمة، قائلاً إن الحكومة السورية تسعى جاهدة لتحقيق ذلك "وأنا متفائل أنه بمساعدة ما، سيتمكنون من إنجازه". لكن بالمقابل لم يتحدث بشكل مباشر عن تشكيل حكومة جديدة مع نهاية العام الحالي، بل عن نوع من "الهيكلية السياسية" التي تدمج جميع الفصائل والأقليات بطريقة سليمة. وقال إن الحكومة السورية الجديدة "تعترف برغبة الأقليات في امتلاك نظام تعليمي ولغوي خاص بها واحترام شعائرها الدينية"، وإنه "لا أحد يريد لهذه المكونات أن يُنظر إليها كدرجة ثانية".
أما بشأن موقف الولايات المتحدة من مسألة الفيدرالية، فقال برّاك إن واشنطن لا تملي على السوريين شكل النظام السياسي، وإن الرئيس الأميركي دونالد "يريد السلام والازدهار للجميع ويرى أن الإملاءات الاستعمارية فشلت خلال 100 عام الماضية"، مؤكداً أن الولايات المتحدة ستساعد فقط في إنجاز ذلك، وأهم مساعدة هي المضي في رفع العقوبات عن البلاد "كما قرر الرئيس الأميركي". ووصف برّاك اجتماع ترامب مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، في البيت الأبيض، بأنه "أفضل من رائع"، مشيراً إلى أنه تناول قضايا متعددة، من بينها "دعم جهود تشكيل حكومة سورية شاملة". وأكد أن تركيا أبدت تفهماً لدور الولايات المتحدة في دعم عملية السلام وتشكيل حكومة سورية جديدة.
وترفض الحكومة السورية فكرة اللامركزية السياسية والدفاعية والاقتصادية، وتركز على "اللامركزية الإدارية" وفق ما عبر عنه سابقاً مدير الشؤون الأميركية في الخارجية السورية، قتيبة إدلبي، في مقابلة صحافية، خلال يوليو/تموز الماضي. وقال حينها: "لا أعتقد أن هناك نقاشاً أو نقاط خلاف حول موضوع اللامركزية الإدارية. مشكلة المركزية في سورية لم تكن مشكلة قانونية، بل كانت مشكلة سياسية". من جهته، قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، خلال اجتماع مع وزراء خارجية دول عربية وإسلامية مساء الأربعاء الماضي في نيويورك، إن الرئيس السوري التزم "بالعمل مع الشركاء الدوليين". وقال إن ترامب ملتزم "ليس فقط من منظور أحادي للولايات المتحدة، بل بالشراكة مع العديد من الدول، بمنح سورية كل فرصة ممكنة لبناء دولة قوية وموحدة تُحترم فيها تنوعات المجتمع السوري، وتكون أيضاً مكاناً مستقراً"، معتبراً أن استقرار سورية "يحدد، بطرق عديدة، استقرار المنطقة بأسرها". وكان تصدر موضوع استكمال رفع العقوبات الأميركية عن سورية، إضافة إلى توقيع اتفاق أمني مع إسرائيل، محادثات الشرع في الولايات المتحدة خلال مشاركته في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة.
تمثيل جميع الأطراف
في هذا الصدد، قال الكاتب السوري، حافظ قرقوط، المنحدر من السويداء، لـ"العربي الجديد"، إن برّاك، لم يكن يتوقع ماذا سيحدث في سورية خلال المرحلة المقبلة، بل إن كلامه "يعكس سياق ما تخطط له الولايات المتحدة والتي هي من يدير هذا الملف بشكل واضح، بكل تفاصيله، سواء في أحداث الساحل أم العلاقة مع "قسد" (قوات سوريا الديمقراطية) أم أحداث السويداء". ورأى قرقوط أن هذه الأفكار قد تستجيب لمطالب كل الأطراف، مشيراً إلى أن بعض هذه الأطراف تسعى إلى الفيدرالية، "لكن ذلك برأي آخرين قد يكون مدخلاً إلى التقسيم، والنتيجة أن الشعب السوري، بكل مكوناته هو من يقرر ذلك". وفي رأيه فإن اللامركزية الموسعة هي الحل الذي يسعى إليه الأميركيون، وهو ما قد يرضي الجميع في سورية، "خصوصاً إذا تمتعوا بخصوصية ثقافية، وحماية قانونية". واعتبر أن المشكلة الأساسية حالياً في سورية هي "غياب القانون والعدالة، وأي عنصر في الأمن يتصرف من نفسه، وليس استناداً إلى مرجع قانوني"، معتبراً أن مجمل عناصر الأمن اليوم في سورية غير مؤهلين للتعامل اللائق مع المجتمع، ويستنسخون غالباً أساليب عناصر الأمن في النظام السوري السابق.
حافظ قرقوط: السويداء باتت تحتاج إلى تطمينات قانونية واجتماعية وإدارية
ورأى قرقوط أنه حتى لو قال برّاك إن بلاده لا تفرض رأيها على أحد في سورية، إلا أنها تسوق هذا الرأي بطريقة أو أخرى، معتبراً أن الحكم المركزي على طريقة حزب البعث الذي ساد لعقود خلت، انتهى إلى غير رجعة، ولا يمكن لأي أيديولوجيا معينة، سواء قومية أم يسارية أم دينية أن تفرض رؤيتها على كل المجتمع السوري. وتوقع أن تعطى السويداء بعض المزايا بعد ما جرى فيها، و"باتت تحتاج إلى تطمينات قانونية واجتماعية وإدارية"، مشيراً إلى أن المبعوث الأميركي يحاول إرضاء كل الأطراف، لكن لا أحد يعرف فرص نجاح هذه الخطط. ولفت إلى أن هذا الطرح من جانب برّاك، كان مهد له في تصريحات أخرى الشهر الماضي، قال فيها إن الحكم في سورية، لا ينبغي أن يكون فيدرالياً ولا شديد المركزية، لكن وسط بينهما دون أن تكون هناك محاصصة على الطريقة العراقية أو اللبنانية.
تعثر اتفاق بين سورية وإسرائيل بسبب خلاف حول "ممر إنساني" للسويداء
من جهته رأى الصحافي، أحمد المسالمة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الحكومة السورية الحالية تضم قدراً "لا بأس به من التمثيل، ولكن ربما القيادة السورية لا تمانع في مزيد من المشاركة بما يستجيب لمطالب كل المكونات على نحو أشمل". وقال إن "الظروف التي تشكلت فيها الحكومة الحالية كانت تتطلب تشكيلة سريعة للتعامل مع القضايا الملحّة"، معتبراً أنها "أثبتت جدارة في كثير من الملفات من دون أن ينفي ذلك وقوع بعض الأخطاء". وفي رأيه فإنه "بعد انتخابات مجلس الشعب السوري (الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل)، قد يطرأ تغيير على تشكيلة الحكومة على نحو يحاكي الواقع الجديد، أي حكومة تعكس التمثيل في مجلس الشعب وتستجيب للتطورات المحلية، بالإفادة من تجربة هذه الحكومة التي تشكلت نهاية مارس/آذار الماضي".
أحمد المسالمة: تقسيم البلاد خط أحمر سوري وإقليمي وحتى دولي
وقال المسالمة إن "توسيع صلاحيات الإدارات المحلية في كل المحافظات السورية، ومراعاة الخصائص الثقافية والدينية أمر وارد وهو ما تتبناه القيادة السياسية في سورية". لكن يبقى ذلك، وفق المسالمة، ضمن "إطار الدولة السورية، وبعيداً عن أي طروحات قد تؤدي إلى تقسيم البلاد، وهذا خط أحمر سوري وإقليمي وحتى دولي، ولا يؤيده أحد إلا ربما الكيان الإسرائيلي".
أما الصحافي السوري، غسان المفلح، فقد اعتبر تصريح برّاك مجرد "تمرير وقت لإنجاز تفاهم نهائي مع قسد وجماعة (الرئيس الروحي لطائفة الدروز) حكمت الهجري"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أنه قبل ذلك "لا مجال لتشكيل حكومة موسعة وحكومة تمثيل مواطنة، لا محاصصة". ورأى أن الولايات المتحدة تدرك أن "قسد والهجري لا يريدون دولة من أساسه، ولسان حالهم يقول: أشاركك في حكم دمشق والجزيرة لي والسويداء لي"، معتبراً أن هذا الطرح لا يمكن لأي سلطة في دمشق مهما كانت أيديولوجيتها أن توافق عليه. ولفت إلى أن "التمثيل الفعلي والمشاركة تكون في البرلمان"، من دون أن يستبعد تشكيل حكومة جديدة، لكنها في رأيه لن تضم "قسد" أو الهجري، ما يعني أن الإشكالات القائمة اليوم ستستمر خلال المرحلة المقبلة.