سورية... مطالب الأقليات وبوصلة الأكثرية
01.09.2025
فاطمة ياسين
سورية... مطالب الأقليات وبوصلة الأكثرية
فاطمة ياسين
العربي الجديد
الاحد 31/8/2025
يبدو أن سنوات الثورة التي طالت على السوريين سيكون لها تأثيرات وطنية واجتماعية على مدى السنوات المقبلة، فقد ظهرت بعد سقوط النظام مباشرة أصوات فردية وجماعية اتخذت شكلاً معارضاً تحوّل في أيام قليلة إلى موقف، وهذا طبيعي، وقد يكون مطلوباً، خصوصاً أن الأمر بدأ بانتقادات عامة متشكّكة في طبيعة الحكم الجديد أو معارضة لممارسات أفراده وقرارات مسؤوليه، لكن المقلق أن تلك المعارضات حين قرّرت الإعلان عن نفسها أبرزت في معظمها طابعاً مذهبياً أو قومياً.
تابعنا، قبل أيام، عبر "السوشال ميديا" إعلان تشكيل "المجلس السياسي لغرب ووسط سوريا"، ممثلاً لمناطق الساحل السوري وأجزاء من محافظتي حمص وحماة. وعلى الرغم من أنه لم يذكر المذاهب صراحة، باعتبار وجود اختلاط كبير في الساحل السوري، لكن اللافت أن جميع القائمين على المجلس ينتمون إلى الطائفة العلوية، وقد أعلن الأعضاء الثلاثة عشر، وهم بهذه التركيبة، أنهم يسعون لنظام فيدرالي، ورفعوا سقف مطالباتهم، حتى وجَّه أحد الناطقين باسمهم مجلسَ الأمن إلى اعتقال الرئيس السوري ووزير الداخلية، والتدخل العسكري المباشر في سورية تحت الفصل السابع. ربما كان استعجالهم في رفع السقوف خلال التأسيس، بسبب الحالة الموجودة في جنوب البلاد، حيث يعلن الشيخ الدرزي حكمت الهجري عما يشبه حكماً ذاتياً، ويجمع الفصائل المسلحة في السويداء لتشكيل "حرس وطني" تحت حراسةٍ، وربما دعمٍ، من إسرائيل.
تعلن هذه التجمعات عن نفسها وعينها على الجسم المسلح الكبير في شمال شرق البلاد، قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، رغم أن هذه لم تعلن رسمياً رغبتها بالانفصال أو حتى الحكم الذاتي، لكن ذلك يبدو في كلام مؤيديها وفي ممارساتها العسكرية على الأرض. يحاول القائمون على إدارة "قسد" عدم تأكيد هويتهم القومية الكردية، مستفيدين من انضمام بعض الفصائل العربية إليهم، بعد أن طلبت الولايات المتحدة التي كانت تدعمهم بالمال والسلاح من قياداتهم ضم مجموعات عربية موجودة في المنطقة، حتى يصبح الكيان أكثر تمثيلاً. مع ذلك، لا يخفى طابعهم القومي على أحد، بل يبدو جليّاً من خلال مرجعيات زعمائهم ومواقفهم السياسية ونوع مطالبهم. لم ترفع "قسد" السقف كثيراً، فما زالت تتحدّث عن اندماج مع دمشق، من دون توضيح يبرّر تصرّفات قواتها على الأرض من حفر الأنفاق العسكرية إلى عدم الالتزام بتسليم المناطق للدولة، كما هو منصوص عليه في الاتفاق الذي وقعه قائدها مظلوم عبدي مع الحكومة في دمشق.
تبدو المجاميع المعارضة الثلاثة أكثر انشغالاً بتأكيد هويتها الخاصة من السعي لتكامل وطني، وهي بتمييز نفسها عن بقية الشعب من "العرب السُّنة" تفترض وجود حلف بينها يتمدّد على بقع متباعدة عن بعضها ضمن جغرافيا البلاد، وقد عقدت قبل شهرين مؤتمراً اجتمع فيه ممثلو "قسد" مع شيخين حضرا افتراضياً، قالا إنهما يمثلان طوائفهما، العلوية والدرزية. ورغم التمايز الكبير ما بين قومية كردية تسعى لتمييز نفسها عن العرب وشيخي طائفتين عربيتين يعبّران عن نفسيهما دينيّاً، إلا أن هذه الأطراف تشعر بأنها تقوي بعضها بمجرّد وجودها أو ظهور مقاطع فيديو لشخصياتٍ تدّعي أنها تمثلها، ويجمعها شعورها بالعداوة مع نظام مركزي تدعمه الأكثرية السُّنية الممتدة من جنوب البلاد إلى شمالها. وقد شهدت محافظات الوسط السوري وإدلب زيارة للرئيس أحمد الشرع، استقبله فيها سكان هذه المدن بتجمعات شعبية حاشدة. ولا يمكن فهم هذا التحشد بعد مرور تسعة أشهر على سقوط نظام الأسد وتسلّم الشرع السلطة، إلا باعتباره ردّاً مذهبياً أيضاً، لكن هذه المرّة من الأكثرية التي تشعر أنها مستهدفة بوصفها طائفة. والخطير في الأمر أن يتشكّل لدى هذه "الأكثرية" اعتبار أن عليها التنازل عن الحقوق المواطنية لتدخل ضمن حالة جمعية تدعو إلى التمترس ضد "الغير" على حساب النجاح في بناء دولة حديثة.