الرئيسة \  تقارير  \  سورية... محاولات القسمة على اثنين

سورية... محاولات القسمة على اثنين

04.08.2025
فاطمة ياسين



سورية... محاولات القسمة على اثنين
فاطمة ياسين
العربي الجديد
الاحد 3/8/2025
جاءت زيارة وزير الخارجية، أسعد الشيباني، موسكو ضروريةً من ناحية التوقيت لتعويم العلاقة بين الطرَفين، السوري والروسي، التي أخذت منعرجاً جديداً منذ اللحظة التي خرج فيها بشّار الأسد من قصره في دمشق قاصداً موسكو، منفى إجبارياً، وملاذاً ما زال شبه آمن. بدا وزير الخارجية الروسي، لافروف، إيجابياً عند الحديث عن إعادة النظر في كلّ الاتفاقيات الروسية السورية، وهي نقطة مهمة، نظراً إلى تعدّد تلك الاتفاقات، وبعضها ممتدّ إلى 50 سنة مقبلة. وباعتباره بروتوكولاً سياسياً لازماً، تحدّث الطرفان عن علاقات تاريخية ممتازة تعود إلى عقود خلت، مع تكتّمهما المفهوم عمّا جرى في أثناء الحرب لتحرير سورية من النظام.
تاريخياً، تربط سورية وروسيا علاقات استراتيجية تعود إلى الحرب الباردة، عندما ساعد الاتحاد السوفييتي دمشق بالأسلحة والمال، ومارس دوراً سياسياً داعماً، ما جعل سورية حليفاً رئيساً له في المنطقة. وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ورثت روسيا دعم نظام الأسد، ورغم الفتور الذي شاب العلاقة بُعيد استلام بشّار السلطة، وجدت روسيا، بمساندته خلال الانتفاضة الشعبية ضدّه، فرصةً ذهبيةً للعودة بقوة إلى المنطقة، وحفر أخدود سهل العبور بين موسكو ومياه البحر الأبيض المتوسّط. ومنذ عام 2015، ساعدت روسيا بقوتها الجوية النظام في استعادة كلّ ما خسره من أراضٍ في الفترة السابقة، فأعادت له حلب وريف دمشق ومناطق الوسط والجنوب، لكن هذا الحضور الجوي الروسي تراجع في ديسمبر/ كانون الأول 2024، عندما شنّت الفصائل المسلّحة المُعارِضة، المدعومة من تركيا، هجوماً خاطفاً أطاح حكم الأسد، إذ أحجمت الطائرات الروسية عن التدخّل، وسط ضغوط اقتصادية وعسكرية كانت تحيط بالرئيس فلاديمير بوتين.
لجأ بشّار إلى قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية صباح 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، ثمّ نقلته روسيا إلى موسكو. ادّعى لاحقاً عبر بيان نشرته صفحة الرئاسة في وسائل التواصل الاجتماعي أنه أراد القتال، لكن الروس أجلوه حفاظاً على سلامته. ومنذ اليوم الأول لها، تبنّت الحكومة السورية الجديدة نهجاً مرناً تجاه روسيا، مع السعي إلى الحفاظ على قنوات دبلوماسية مفتوحة، وتقليص الوجود العسكري الروسي، وأرسلت موسكو في سياق "النيّات الطيّبة" للعلاقات ما كان استكمالاً لدفعات من النفط والعملة السورية المطبوعة في روسيا إلى سورية، وبدأت بالفعل منذ منتصف ديسمبر 2024 بسحب أجزاء من سلاحها ومعدّاتها الموجودة في نقاط تمركزها في سورية، فأكّدت صور أقمار اصطناعية عمليات تفكيك كبيرة لمعدّات عسكرية مهمة شملت طائرات هليكوبتر ومنظومات دفاع جوي (إس 400)، وإخلاءً كلّياً لقواعد في كوباني ومنبج. وأشار تقرير من "سي أن أن عربية" إلى نقل مركبات مدرّعة من مطار القامشلي، مع تحرّكات لنقل معدّات بحرية عبر ميناء طرطوس.
يبدو أن السلطات السورية الجديدة مارست السياسة والضغط الحذر لاستعادة سيادتها على المناطق التي تشغلها القواعد الروسية، مع إدراكها ضرورة تجنّب العداء مع موسكو، وإبقاء الخصومة في حدّها الأدنى حالياً، خصوصاً مع وجود القوات الإسرائيلية المتربّصة في الجنوب. وقد أفاد تقرير من "رويترز" بأن إسرائيل تضغط عبر واشنطن لإبقاء قواعد روسية محدودة حصناً ضدّ توسّع النفوذ التركي المثير للقلق بالنسبة إلى إسرائيل، لكنّ الولايات المتحدة لا تبدو منسجمةً تماماً مع الموقف الإسرائيلي في سورية، فهي مع سعيها إلى تطبيع العلاقات بين الطرَفين وإرساء السلام، لا تُظهر أيّ امتعاض من النفوذ التركي، وقد تجد فيه ضماناً لإبقاء النظام السوري الجديد في معدّلات اعتدال مقبولة. وربّما يأتي التدخّل الإسرائيلي بمفاعيل مضادّة تُخرج كلّ شيء عن السيطرة، وكان الرئيس الأميركي، ترامب، قد رفع العقوبات عن سورية، وأزال هيئة تحرير الشام من قوائم الإرهاب، ممّا يعزّز وجود النظام الجديد، ويُسهّل التعاون مع الحكومة الحالية.
ضمن تضاريس هذه الخريطة المعقّدة يتحرّك الشيباني إلى موسكو في محاولة لإمساك العصا من المنتصف، وليكون خارج لعبة الانضمام إلى محور بعينه، بحسب تصريحاته، رغم أن الواقع السياسي يؤكّد أن ظرف سورية الراهن لا يقبل القسمة على اثنين.