سورية: تحالف الأقليات بين الضرر والفشل
17.08.2025
بشير البكر
سورية: تحالف الأقليات بين الضرر والفشل
بشير البكر
العربي الجديد
السبت 16/8/2025
يشكّل مؤتمر الحسكة بداية حراك متعدّد الأطراف ضدّ السلطة السورية. وما أن اختتم أعماله، حتى بدأ المشاركون فيه (قوات سوريا الديمقراطية، ومشايخ العقل في السويداء، ومجموعات الفلول في الساحل)، تحرّكات سياسية وإعلامية صريحة، وتنظيم فعّاليات دولية مشتركة، وحملة واسعة في وسائل التواصل الاجتماعي، ولدى المنظّمات الدولية، هدفها هزّ صورة النظام الذي حاز على قبول دولي جيّد، واعتُرف فيه دبلوماسياً وسياسياً، وجرى تتويج ذلك بلقاء الرئيس أحمد الشرع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الرياض، وزيارته إلى باريس، بوابة أوروبا.
تراهن الأطراف الثلاثة، التي أشهرت تحالفها في مؤتمر الحسكة، على تأمين ضغط عالمي يسحب الاعتراف الدولي بالإدارة السورية. وليس مصادفةً صدور بيان مجلس الأمن في العاشر من أغسطس/ آب الحالي، الذي أحيا قرار مجلس الأمن 2254، بعدما انتهى مفعوله بسقوط نظام بشّار الأسد. والمغزى من ذلك إعادة تفصيل المرحلة الانتقالية على نحو مختلف عن توجّهات الإدارة الجديدة، ويعني هذا إعادة النظر في تركيبة السلطة الحالية بكل تشكيلاتها ومسمّياتها، من الرئاسة إلى الحكومة إلى جهازها الدبلوماسي وأسلوب الحكم الذي تعمل بموجبه، ولذلك وصف إدارة الرئيس أحمد الشرع بـ"السلطات السورية المؤقتة"، بدلاً من "الحكومة السورية" أو "الحكومة السورية الانتقالية"، كما كلّف المجلس المبعوث الأممي غير بيدرسون تقديم إحاطة في 21 أغسطس/ آب الجاري، قد ترفع سقف الطلبات من الإدارة السورية.
من المؤشّرات المهمّة رفض مشايخ العقل في السويداء لجنة التحقيق التي شكّلتها السلطات الرسمية، ومطالبتهم بتشكيل محكمة دولية للتحقيق، لإحالة المتورّطين إلى المحكمة الجنائية الدولية، وفق ما جاء في البيان الذي صدر عن الشيخ حكمت الهجري، الذي اعتبر ما حصل في السويداء "جرائم حرب"، و"إبادة ممنهجة"، ووجّه اتهامات للحكومة السورية بارتكاب مجازر وتطهير عرقي بحقّ المدنيين. وإذا استُجيب لهذه الدعوة، فإنها ستشكّل سابقةً تتجاوز الجانب القانوني، إلى التدخّل في الشؤون الداخلية السورية، وانتهاك السيادة، لا سيّما أنها ستتولّى التحقيق مع مسؤولين أمنيين وعسكريين، وتصدر مذكّرات توقيف.
واضحٌ أن الحراك المشترك بين الأطراف الثلاثة دبلوماسي وسياسي وإعلامي، ومن دون إطار رسمي مُعلَن. ومن غير المُستبعَد أن يتطوّر في المستقبل القريب إعلان لجان أو هيئات عمل مشترك، تنشط داخلياً وعربياً ودولياً ضدّ السلطة، وسينعكس ذلك في توتّر أمني وعسكري حسب الظروف والإمكانات، ووفق ما هو ظاهر، فإن جبهة شرقي سورية مرشّحة أكثر من غيرها لذلك، إذ تشهد المحاور حشوداً عسكريةً متبادلةً بعد فشل مساعي باريس في استضافة وفدَين، حكومي وآخر من قوات سوريا الديمقراطية (قسد). وقد أعلنت السلطة عدم مشاركتها بعد انعقاد مؤتمر الحسكة.
أضرار هذا الحراك على سورية كبيرة، لكن حظوظ نجاحه في إسقاط النظام معدومة، وذلك لعدّة أسباب. الأول تقديم الأطراف نفسها بوصفها تحالف أقليات عرقية وطائفية، الأمر الذي سيؤدّي إلى نتائج معاكسة، أهمها استنفار حسّ وطني سوري جامع للوقوف ضدّ تقسيم وتفكيك سورية. والثاني، الاستعانة المُعلَنة بإسرائيل، وقد شكرها الشيخ الهجري صراحةً في بيانه أخيراً، ما أدّى إلى حالة غضب وإدانة داخلية عامّة. والثالث، هناك جهات عربية وإقليمية تدعم السلطة السورية، ومنها السعودية وقطر والأردن وتركيا، وترى أن من واجبها الوقوف إلى جانبها في هذه المرحلة كي تجتازها بأقلّ الخسائر، غير أن ذلك لن يتم على بياض كما حصل خلال الأشهر الماضية، وقد تقدّم بعض هؤلاء بنصائح صريحة كي تغيّر أسلوب إدارتها للملفّات الداخلية، وتشكّل بديلاً مقنعاً لمشاريع الإدارة الذاتية والانفصال، التي تتبنّاها بعض الأطراف الداخلية، بدعم من إسرائيل.