الرئيسة \  تقارير  \  سورية تتعافى وتنتظر المستقبل

سورية تتعافى وتنتظر المستقبل

02.06.2025
فاطمة ياسين



سورية تتعافى وتنتظر المستقبل
فاطمة ياسين
العربي الجديد
الاحد 1/6/2025
لم يتأخّر الاتحاد الأوروبي في رفع العقوبات عن سورية، بعد خطوة الولايات المتحدة التي أزالت معظم القيود المفروضة خلال عهد الأسدين، فمنذ نهاية السبعينيات، بدأت ممارسات النظام السوري تراكم العقوبات فوق كاهل الشعب، حتى تصاعدت بشكل كبير بعد أشهر من بدء الثورة السورية ضد بشّار في مارس/ آذار عام 2011، حتى وصلت إلى تقييد كامل لأي حركة سياسية أو اقتصادية سورية، ووصل الوضع إلى حالة الإنهاك التي نعرفها، وعكستها بوضوح صورة الداخل بعد وصول قوات المعارضة إلى دمشق، ومن حينها دأبت القيادة الجديدة على العمل بشكلٍ جادٍّ لرفع العقوبات بالكامل، أو التخفيف منها، وبدت تعرف الوسيلة جيداً، فأطلقت جميع من في السجون، وفتحت حدودها إيذاناً ببدء عودة اللاجئين، وأبدت استعداداً كاملاً للتخلص من مستودعات الأسلحة الكيميائية التي كان النظام يخفيها إلى حين حاجته إليها.. كانت هذه الإجراءات التي طبّقت بمجرّد وصول السلطة الجديدة، من جملة شروطٍ أخرى نصّ عليها قرار الأمم المتحدة 2254 بخصوص سورية. ولم تتوقف العجلة عند ذلك، فقد بدأت عملية ترتيب البيت الداخلي بسرعة وجدّية عاليتين، فتسارعت القرارات التنظيمية والإدارية لتبدو سورية بمظهر دولة حقيقي، بعد أن فقدت هويتها السياسية والاقتصادية قرابة عقد ونصف العقد.
شكّلت المسألة الأمنية أولوية قصوى، وقد استوعبت وزارة الداخلية ذلك، فأعادت الأسبوع الماضي هيكلية جهازيها الوظيفي والفني، وقسّمت القُطر إلى محافظات، وجعلت قائداً واحداً للأمن في كل منطقة، بعد أن مسحت طريقة النظام القديم الذي كان يقيم أجهزة أمنية متعدّدة ذات مهام متداخلة، تسمح بالدخول في صراعات مباشرة فيما بينها، وقد حدث ذلك مراراً، بغرض زيادة سيطرة رأس النظام بإبقاء حرارة التنافس بين تلك الأجهزة. أما اليوم، فقد أصبح "الأمن الداخلي" الجهة الوحيدة التي يسمح لها بالتعامل المباشر مع المواطن بحسب الهيكلية الجديدة، ما يجعل التعامل أيسر وأسرع.
لم تستطع السلطات الجديدة، قبل إعادة الهيكلة، أن تتجنّب أحداثاً مؤسفة وقعت في الساحل بعد هجماتٍ من فلول النظام، وألقى هذا الحدث الأمني صدّاً دولياً، وتُرجم على شكل عقوبات طاولت شخصين، إلى جانب كيانيْن، كانا قد ذابا عملياً في هيكل الجيش بحسب وزير الدفاع. ولكن اللافت في هذا القرار أن الاتحاد الأوروبي الذي أصدره فرّق بين السلطة القائمة والشخصيات المستهدفة، تصديقاً لرواية الأمن العام الذي أقر بوقوع حوادث ذات طبيعة فردية أو منفلتة، فجاءت العقوبات منسجمةً تماماً مع هذا الإعلان، والآن بتنظيم الأمن ونشره في كل أرجاء سورية نتوقع عدم وقوع حوادث مشابهة، وهو ما على السلطة الحالية أن تحرص عليه وهو ضمن مسؤولياتها، وقد يكون تنظيم الجيش الذي أعلنه وزير الدفاع عاملاً مساعداً بعد إذابة أكثر من 130 كياناً وفصيلاً عسكرياً في جسد الجيش السوري الوليد.
بعد تشكيل جهاز الأمن، ورفع العقوبات، لن يكون هناك أي عائق أمام التخطيط لعملية تنموية شاملة تحتاج إليها سورية بشدّة، لتعيد إقلاعها، وهو تحدٍّ آخر أكثر صعوبة من رفع العقوبات الذي جرى بسرعة قياسية، ونشر الأمن الذي ننتظر اختبار فاعليته، وهناك مساندة ليست مسبوقة من الولايات المتحدة ودول أخرى مؤثرة وأساسية في الإقليم تمتلك الإمكانات والإرادة لدعم سورية.. وعَقْد الاتفاقيات الأربع قبل أيام نقطة مهمة في مسيرة سورية بمجال الطاقة الشمسية ومحطّات التوليد بواسطة الغاز، ضمن استثمار بمليارات الدولارات، وقد جرى توقيعها بالأحرف الأولى في دمشق، وهي فاتحة لمجموعة أخرى من المشاريع يجري التبشير بها في كل القطاعات. وبذلك تكون سورية قد وضعت قدمها على سلّم التعافي، بعد فترة الأسدين التي صبغت سورية بلونها الكالح، وعتمت على حاضرها، وصعّبت المهمة أمام من يرغب في بناء مستقبل مشرق لها.