سوريا: معوقات لجنة التحقيق في أحداث السويداء
04.08.2025
منهل باريش
سوريا: معوقات لجنة التحقيق في أحداث السويداء
منهل باريش
القدس العربي
الاحد 3/8/2025
يحتاج الفاعلون الروحيون والسياسيون والعسكريون في السويداء إلى رؤية نتائج لجنة التحقيق على الأرض وما حل بالمشتبه بهم والمرتكبون، لاستعادة جزء من الثقة مع دمشق.
أصدرت وزارة العدل في الحكومة السورية قرارا الخميس، بتشكيل لجنة للتحقيق في أحداث السويداء الأخيرة، نتيجة للأحداث الأمنية في المحافظة، وأتى القرار بناء على توجيهات من رئاسة الجمهورية بالالتزام بكشف الحقائق وسرعة المسائلة. ويأتي تشكيل اللجنة بعد مقاطع مصورة تداولها ناشطون لعمليات إعدام ميدانية وعشوائية، بحق أشخاص غير مسلحين، على يد قوات تردد أنها حكومية تابعة لوزارتي الدفاع والداخلية وأخرى لعشائر محلية من الجنوب السوري ومناطق متفرقة من البلاد قدمت تحت مسمى الفزعة لـ “بدو السويداء”.
وتألفت اللجنة من القضاة، حاتم النعسان وحسان الحموي وميسون الطويل وجمال الأشقر، والمحاميين طارق الكردي وعمار عز الدين، والعميد المنشق محي الدين هرموش رئيس فرع الأمن السياسي في حماة سابقا والذي شغل منصب وزير الداخلية في الحكومة السورية المؤقتة.
وأفاد وزير العدل، مظهر الويس، بأن تشكيل اللجنة جاء انطلاقًا من التزام الدولة السورية، تجاه كافة مواطنيها، بتوجيه من رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع.
وفي ذات السياق، قالت الأمم المتحدة، الخميس الفائت، إن القتال هدأ إلى حد كبير في السويداء، بينما تفاقم الوضع الإنساني بشكل كبير في المحافظة.
كما أشارت إلى أنه رغم انخفاض العنف، إلا أن البنية التحتية قد انهارت في السويداء، فيما لفت المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إلى أن بلاغات تصل عن بعض الاشتباكات في مناطق ريفية متفرقة بعد ما شهدته محافظة السويداء من عنف بين ميليشيا الدروز، والعشائر الموالية للحكومة.
وتواجه مستشفيات المحافظة نقصًا شديدا في الطواقم والإمدادات الطبية، بالإضافة إلى الماء والكهرباء، كما أن بلدات عدة في المحافظة توقفت فيها الخدمات العامة بشكل مطلق. فيما أفادت وكالة “سانا” الرسمية أن معظم سكان السويداء باتوا يعتمدون على المساعدات الإنسانية.
وفي سياقٍ متصل، انطلقت من العاصمة دمشق، الخميس، القافلة الخامسة من المساعدات الإنسانية بمبادرة من الهلال الأحمر السوري، وإشراف الأمم المتحدة وتسهيلات من حكومة دمشق، وبالتعاون مع عدة منظمات أممية. وحسب مصادر محلية فإن القافلة التي دخلت السويداء من جهة بصرى الحرير تضم 47 شاحنة من المواد الطبية والغذائية واللوجستية، بالإضافة إلى عدة صهاريج من المحروقات، وست شاحنات تابعة لوزارة الكهرباء.
من جهة أخرى أجلى الدفاع المدني، يوم الجمعة، مئات الأشخاص من محافظة السويداء، وأوضح الدفاع المدني، في بيان، حصلت “القدس العربي” على نسخة منه أنه أجلى 77 عائلة عبر معبر بصرى الشام الإنساني، تضم 159 شخصًا، بينهم نساء وأطفال، حيث جرى تأمينهم إلى الوجهات التي اختاروها بأمان.
وأوضح الدفاع المدني أن 55 عائلة، تضم 293 شخصا، عادوا إلى محافظة السويداء عبر المعبر ذاته.
والجدير بالذكر، أنه خرجت عدة دفعات سابقة من المدنيين من محافظة السويداء نحو مراكز الإيواء، وفي وقت سابق، قال الدفاع المدني إن عدد الأفراد الذين وصلوا إلى معبر بصرى الشام الإنساني منذ بداية عمليات الإجلاء والإخلاء، بلغ 3227 شخصا، و20 جريحا، و34 جثمانا. حسب ما جاء على معرفاته الرسمية يوم الأحد الماضي.
وكان مندوبو الدول الأعضاء في مجلس الأمن، قد أكدوا الإثنين في جلسة حول الوضع في سوريا، على دعم عملية انتقال سياسي شامل في البلاد، ودانوا أي تدخلات أجنبية من شأنها تقويض عملية الانتقال السياسي الشامل.
وأفاد المبعوث الخاص بالأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسون، بنزوح ما يقارب 175 ألف شخص من المحافظة، مؤكدا على أن الاحتياجات الإنسانية حادة، وأضاف بيدرسون حسب ما نشره الموقع الرسمي لمجلس الأمن، أن “التهدئة الهشة في السويداء صامدة إلى حد كبير، إلا أن الوضع يظل مشحونًا وغير مستقر”.
وأكد المبعوث الأممي الخاص، على أن الحاجة ماسة إلى تصحيحات جوهرية في الانتقال السياسي والمسار الأمني عقب العنف الذي شهدته السويداء مؤخرًا، والذي أسفر حسب ما ذكره بيدرسون عن “أعداد كبيرة من الضحايا، واستنزاف الثقة، وزيادة مخاطر التفتت”، ولفت إلى أن العنف الحاصل ما كان ينبغي له أن يحدث، وشهد “تدخلاً أجنبيًا غير مقبول”.
كما دان بيدرسون، ما وصفها بـ”الانتهاكات المروعة ضد المدنيين والمقاتلين في السويداء”، معبرًا عن قلقه من التقارير الموثقة التي وصلت إلى مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، والتي تشير إلى تجاوزات وانتهاكات واسعة النطاق، منها قتل تعسفي وإعدامات بإجراءات موجزة، وعمليات خطف، وتدمير ونهب ممتلكات خاصة ومنازل.
من جهته قال مندوب سوريا لدى الأمم المتحدة، قصي الضحاك، خلال الجلسة، إن الحكومة السورية تعهدت بملاحقة ومحاسبة “مرتكبي الانتهاكات التي شهدتها السويداء” منددا بالانتهاكات التي وصفها بـ”الصادمة والجسيمة” التي شهدتها المحافظة.
وأشار الضحاك إلى أن السوريين تابعوا بقلق الأحداث الأليمة التي وقعت بالسويداء، وأكدوا على رفضهم الكامل لـ”خطابات الكراهية والتحريض على العنف”، لافتًا إلى التزام حكومة دمشق بضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المتضررين، موضحا أن الحكومة “نسقت مع وكالات الأمم المتحدة لإجلاء الموظفين والرعايا الأجانب بشكل آمن، وقد نجحت في ذلك”.
إلى ذلك، قالت إديم وسورنو، مديرة قسم العمليات والمناصرة في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، إن من بين مئات الأشخاص الذين أفادت تقارير بمقتلهم يوجد نساء وأطفال وأفراد وطواقم طبية، لافتة إلى أن تقارير منظمة الصحة العالمية أكدت مقتل طبيبين واستهداف وعرقلة سيارات إسعاف، واحتلال مستشفيات بشكل مؤقت.
وأفادت إديم بتضرر بنية المياه التحتية في السويداء بشكل كبير، ما أسفر عن انقطاع امداد المياه في المدينة، بالإضافة إلى بلاغات عن انقطاعات في الكهرباء، واضطرابات خطيرة في إمدادات الغذاء والوقود والمستلزمات الطبية واللوجستية، وغيرها الكثير من مستلزمات الأسواق، مؤكدة على أن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا” على الرغم من أنه منخرط مع كافة الأطراف لضمان السرعة في إيصال المساعدات، إلا أن الوصول لا يزال مقيدًا.
وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، قد وثقت في أحدث تقاريرها عن السويداء، الصادر في 24 من الشهر المنصرم، مقتل ما لا يقل عن 418 شخصا سوريا، بينهم 34 امرأة، و20 طفلا، و6 أشخاص من الطواقم الطبية من بينهم ثلاث نساء، وشخصان من الطواقم الإعلامية، بالإضافة لإصابة حوالي 903 أشخاص بجروح متفاوتة الخطورة من 13 تموز(يوليو) الفائت، إلى تاريخ صدور التقرير من ذات الشهر. وأكد تقرير الشبكة أن الإحصائيات التي ضمها التقرير لا تشمل حالات مقتل المسلحين المنتمين للمجموعات الخارجة عن سيطرة الدولة، باعتبار أن مقتلهم خلال الاشتباكات لا يشكل انتهاكا لحقوق الإنسان.
وأوصت الشبكة في ختام تقريرها، حكومة دمشق بمجموعة توصيات، أبرزها ضبط استخدام القوة بما يتوافق مع المعايير القانونية الدولية، ومنع الاستخدام المفرط والعشوائي للأسلحة ضمن المناطق المأهولة، وفتح تحقيقات شفافة ومستقلة في كافة الانتهاكات المبلغ عنها، والتأكيد على حماية المراكز الحيوية، واحترام مبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان، كما أوصت باقي أطراف الصراع في السويداء بالتوقف الفوري عن استخدام السلاح والتحريض على العنف، والامتناع عن نشر أو ترويج أي خطابات تحريضية وطائفية على وسائل التواصل الاجتماعي.
على الجانب العملي، يتوقع أن تلاقي اللجنة صعوبات كبيرة في طريق عملها وعلى رأسها الدخول إلى مدينة السويداء والاستماع إلى شهادات وإفادات أسر الضحايا. حيث يطالب عدد كبير من الأهالي والقيادات الدرزية بلجنة تحقيق دولية مستقلة، ولا يثقون بالسلطات السورية المؤقتة أساسا. وهذا سيحصر عمل اللجنة ميدانيا في القرى والبلدات الدرزية التي نزح أهلها باتجاه مدينة السويداء، بدون الحصول على شهادات الضحايا. وتعرضت القرى المذكورة إلى عمليات نهب وسرقة شبه منظمة واحرقت عشائر البدو أغلب بيوت القرى حسب الصور والفيديوهات التي بثها المهاجمون وصحافيون دوليون ونشطاء محليون.
على الجانب السياسي، تحتاج السلطة السياسية السورية إلى مراجعة عميقة لأحداث السويداء والبحث عن حلول داخلية ترأب الصدع السياسي والاجتماعي الذي خلفته الأحداث الدامية، والبدء ببناء إجراءات الثقة بين دمشق والسويداء والبدء بشراكة حقيقية ووضع برنامج طويل لإعادة دمج المحافظة في الدولة السورية.