الرئيسة \  تقارير  \  سوريا ... هل باتت تتمة للجبهة الأوكرانية؟

سوريا ... هل باتت تتمة للجبهة الأوكرانية؟

07.08.2023
أسعد عبود



سوريا ... هل باتت تتمة للجبهة الأوكرانية؟
النهار العربي
أسعد عبود
الاحد 6/8/2023
الاتجاه الذي تسير نحوه التطورات في سوريا، تنذر بمواجهة قريبة بين الولايات المتحدة وحلفائها في سوريا من جهة وروسيا وحلفائها من جهة ثانية. المناورات البرية والجوية والتعزيزات المتقابلة، وتكرار المضايقات بين سلاح الجو الروسي والمسيّرات الأميركية، تبدو وكأن الجانبين يتحسبان لاحتمال تطور دراماتيكي للموقف.
هل الساحة السورية باتت تشكل تتمة للجبهة الأوكرانية؟ لا يبدو هذا التساؤل مبالغاً فيه، أخذاً في الاعتبار تهيؤ الجانبين عسكرياً كما لو أن الصدام آتٍ لا محالة. يعزز هذا الاعتقاد إصرار أميركي على عدم إتاحة المجال أمام روسيا وإيران لتحقيق أي مكسب على حساب الولايات المتحدة وحلفائها من المعارضة السورية وفي مقدمهم قوات سوريا الديموقراطية.
التعزيزات الأميركية في التنف وفي حقول النفط بدير الزور، هي رسالة حازمة من الولايات المتحدة بأنها لن تترك الساحة السورية لروسيا وإيران. لا بل أن واشنطن تستخدم سوريا ساحة للضغط على موسكو وطهران.
واللافت في الأسابيع الأخيرة تعزيز الوجود الأميركي في الشرق الأوسط بمقاتلات من الجيل الخامس "إف-35" ومن الجيل الرابع "إف-16"، فضلاً عن إرسال فرقاطتين إلى مياه الخليج، بينما حلف شمال الأطلسي يجري مناورات بحرية في المتوسط والبحر الأسود.
وقابل ذلك، مناورات روسية - سورية بحرية وجوية وبرية أيضاً، بينما كانت فصائل موالية لإيران تجري تدريبات على المسيّرات في مناطق مواجهة لمناطق انتشار القوات الأميركية في شرق سوريا.
وتحليق المسيّرات الأميركية المتكرر في شمال غرب سوريا، حيث تعتبر هذه المنطقة أقرب إلى الانتشار الروسي في اللاذقية وطرطوس، قابله اختراق جوي روسي لأجواء قريبة من قاعدة التنف مركز الحضور الأميركي على مثلث الحدود السورية - الأردنية - العراقية.
الاستنتاج الأول الذي يمكن أن يخرج به المراقبون لوتيرة التحديات المتبادلة في سوريا، هو أن الجانبين الأميركي والروسي، عازمان على حماية مصالحهما على الأراضي السورية وربما ليشمل ذلك أيضاً مناطق أخرى في الشرق الأوسط.
الفكرة التي سادت لبعض الوقت عن أن أميركا انسحبت من المنطقة ولم تعد تهتم بنشر قوات عسكرية على الأرض، تبددها الإجراءات الأميركية الأخيرة من سوريا إلى الخليج، وتالياً يفرض هذا الواقع على خصوم الولايات المتحدة، وفي مقدمهم روسيا وإيران إعادة حساباتهما.
في المقابل، يهم روسيا التي أوقفت مسيرة تراجعها الميداني في أوكرانيا واحتوت الموجة الأولى من الهجوم الأوكراني المضاد، أن تظهر بمظهر القوي في سوريا أيضاً، بعد فترة من عدم اليقين تلت الانتكاسات على الجبهة الأوكرانية، وتحديداً في صيف وخريف العام الماضي. اليوم، الخطوط الدفاعية الروسية ثابتة في الجنوب والشرق، حتى باعتراف القادة الأوكرانيين وشركائهم الغربيين.
خلق هذا المعطى على الجبهة الأوكرانية زخماً في المصالح الروسية في الخارج، وفي مقدمها سوريا التي هي محل تنازع بين موسكو وواشنطن، منذ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا عام 2011. ومعلوم أن الحضور العسكري الروسي اعتباراً من عام 2015 كان عاملاً حاسماً في مساندة دمشق.
ومع احتدام الصراع في أوكرانيا، باعتبار أن النتائج التي سيرسو عليها هي التي سترسم معالم نظام عالمي جديد، تزج أميركا وروسيا بكل أوراق القوة التي تمتلكانها في ساحة المواجهة الأوسع، من أوروبا إلى الشرق الأوسط إلى آسيا الوسطى وأفريقيا وأميركا الجنوبية.
ما يجري في سوريا اليوم هو انعكاس لما يجري في أوكرانيا، وتصعيد لحرب الإرادات والنفوذ بين القوى الكبرى. وهي أحداث لم يشهد العالم تسارعاً لها، إلا أيام الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.
الحرب الأوكرانية فجرت النظام العالمي الذي قام بعد سقوط جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفياتي.
وإلى أن يتبلور النظام العالمي الجديد الذي سيقوم على أنقاض الحرب الأوكرانية، فإن التوترات الأميركية - الروسية ستتصاعد ليس في سوريا فحسب، بل في مناطق أخرى من العالم.