روسيا وسوريا .. نصف عودة الى المُربع السابق
03.08.2025
ناصر زيدان
روسيا وسوريا .. نصف عودة الى المُربع السابق
ناصر زيدان
المدن
السبت 2/8/2025
كان الاتصال بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المدخل الفعلي لعودة الحرارة الى خطوط التواصل الروسية-السورية الباردة. وتبين أن الحديث بينهما تركَّز على الملف السوري الساخن. وبالفعل، فالعدوان الإسرائيلي على الأراضي السورية تراجع بعد الاتصال الذي جرى في 27 تموز/يولي، بينما أكدت موسكو على ضرورة الحفاظ على وحدة سوريا، ومعالجة الاضطرابات التي تحصل تحت سقف هذه الوحدة، بما في ذلك معالجة ذيول الأحداث الدامية التي حصلت في محافظة السويداء.
الإدارة السورية الجديدة تعمل على تجميع كل عناصر القوة التي تساعد في الاستقرار، ولا تريد مشكلات مع أحد من القوى الاقليمية والدولية المؤثرة، وهي شعرت أن الاعتماد على الغرب وحده لا يكفي لضبضبة التركات الثقيلة الموروثة، وأدركت أن البرغماتية الروسية لا تقف عند الماضي في سياق حسابات المصالح الاستراتيجية، والمصالح المشتركة بين موسكو ودمشق كثيرة ومتعددة، ولا يوجد موانع عربية أو إقليمية أو دولية كبيرة ضد التعأون مع روسيا، ومن الطبيعي أن تتشارك القوى الكبرى المؤثرة في توليف التسويات وتنظيم المماحكات في المنطقة الشرق أوسطية، وهو تقليد موروث من زمن الحرب الباردة.
لا يمكن اعتبار زيارة وزير الخارجية السورية أسعد الشيباني، الى موسكوـ بعد يومين من الاتصال الهاتفي بين بوتين ونتنياهو؛ عادية كما هي عليه زياراته الأخرى الى دول متعددة، وقد تبعه بعد ساعات وزير الدفاع مرهف أبو قصرة، بينما لقاءات الشيباني شملت اجتماعاً طويلاً مع الرئيس بوتين، ووزير الدفاع عقد جلسات عمل مع أرفع القيادات العسكرية الروسية، والمعلومات تؤكد أن ما جرى بحثه؛ ليس مجرد إعادة تنظيم للعلاقات المشلولة بين البلدين منذ ما يزيد عن 7 أشهر، بل شملت المباحثات سلَّة من المواضيع الهامة التي تتعلَّق بمستقبل سوريا، وبالحضور الروسي - العسكري والسياسي - فيها على مدى السنوات المقبلة.
تجاوز الجانب السوري طلب تسليم الرئيس المخلوع بشار الأسد، الذي تستضيفه روسيا، لكن السوريين أدركوا قدرة روسيا على لعب دورٍ مؤثر في الملف الداخلي الضاغط، ولموسكو تأثير واضح على نشطاء الساحل، ومن تبقى من فلول النظام السابق، كما أن التعاون بينها وبين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ما زال قائماً، والمعلومات تؤكد وجود تعأون عسكري ميداني تنامى في الأيام الأخيرة، بعد الإنكفاء الجزئي الأميركي، ويمكن لروسيا أن تلعب دوراً متميزاً في تسوية ملف الموحدين الدروز في الجنوب، نظراً للعلاقات التاريخية التي تربطها معهم، وقيل إن السوريين وافقوا على انشاء مستشفى روسي ميداني في السويداء، لمعالجة الوضع الصحي المتردي بعد الأحداث الأخيرة.
تأكيد روسيا على وحدة سوريا ورفضها لأي عدوان خارجي عليها، أعطى دمشق دفعاً للشروع في العودة الى التعاون معها، بما في ذلك الرغبة في تفعيل الاتفاقات المتعددة الموقعة بين البلدين من أيام النظام السابق، ومراجعة البعض منها، لا سيما التي تتعلق بالشأن العسكري، وتحديداً اتفاقية إنشاء قاعدة حميميم الجوية النافذة حتى العام 2049. ومن المعلوم أن تسليح الجيش السوري وقوات الأمن العام، ما زال يعتمد على النمط الروسي، وهناك مصانع محلية سورية تُنتج هذه الأسلحة وفقاً للمعايير ذاتها. وما تسرَّب عن لقاءات الوفد السوري الرفيع المستوى، يؤكد أن إيجابية متبادلة غلبت على اللقاءات، وتفاهمات هامة حصلت، من دون أن يكون ذلك على حساب الإنفتاح السوري الجديد على الأوساط العربية والدولية المختلفة، وقرار استقبال الرئيس بوتين للوزير الشيباني، ليس تفصيلاً على الاطلاق، بل هو قرار استراتيجي، وسيعقبه لقاء بين الرئيس أحمد الشرع وبوتين، في تشرين الثاني/أكتوبر المقبل، على ما تؤكد المعلومات.
روسيا تريد استعادة حضورها السياسي والعسكري في سوريا، وهي قاعدة لا يمكن الاستغناء عنها لتفعيل دور موسكو في المنطقة، بينما تريد سوريا من روسيا الضغط على إسرائيل لوقف تدخلاتها العدوانية ضدها، كما تطلب منها لعب دور توفيقي في الشأن الداخلي، والتوسُّط مع الدروز ومع الأكراد ومع العلويين، للدخول في تسوية تفضي إلى معالجة ذيول الأحداث الدموية، وإلى التخلي عن الطموحات التقسيمية، والولوج في مسار تفاوضي سياسي يساعد في تنظيم انتخابات تشريعية هادئة، ويشارك فيها الجميع في منتصف أيلول/سبتمبر المقبل. ومن الطبيعي أن لا يكون الدور الروسي المساعد وحيداً في هذا السياق، فمروحة العلاقات الخارجية للإدارة السورية الجديدة واسعة، وهي تحظى بتأييد عربي ودولي وازنين.
الزيارات السورية الرفيعة المستوى الى موسكو، وتجاوب روسيا مع الطلبات السورية، قد يؤدي الى عودة العلاقة بينهما الى مربع التعاون الأول، من دون أن يكون ذلك تحالفاً له طابع التحدي في وجه أحد. لكن النتائج متوقفة على تحسين الآداء الداخلي للإدارة الجديدة، لا سيما لناحية تحصين المشروعية لمؤسسات الحكم، واستعادة الثقة المفقودة مع مكونات سورية مختلفة.