الرئيسة \  تقارير  \  رفع العقوبات عن سوريا بعيون لبنانية

رفع العقوبات عن سوريا بعيون لبنانية

24.05.2025
محمد فواز



رفع العقوبات عن سوريا بعيون لبنانية
محمد فواز
سوريا تي في
الخميس 22/5/2025
بالرغم من توجه سوريا التدريجي نحو استعادة انفتاحها الدولي، جاء إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الرياض عن رفع العقوبات المفروضة عليها مفاجئاً ومتسارعاً، خصوصاً من حيث التوقيت.
دفع هذا القرار القوى والدول الإقليمية إلى إعادة تقييم تداعياته، وكان لبنان، نظراً لارتباطه الجغرافي والتاريخي والاقتصادي والاجتماعي الوثيق بسوريا، من بين أكثر الدول التي يُتوقع أن تتأثر بهذا التطور. لذلك انكبّ الباحثون والمحللون على دراسة انعكاسات القرار المباشرة وغير المباشرة على الأوضاع الاقتصادية والسياسية والإنسانية في لبنان.
فرص رفع العقوبات عن سوريا بالنسبة للبنان
لبنان، المحاط جغرافياً وتاريخياً بسوريا، يأمل في تعظيم فوائد رفع العقوبات، بدءاً من إمكانية تعزيز التبادل التجاري بين البلدين دون عوائق خارجية. فقد يؤدي رفع العقوبات إلى زيادة تدفق السلع والمنتجات عبر الحدود، مما ينعش الاقتصاد اللبناني وينشط الشركات المحلية ويوفر فرص عمل أوسع. وبما أن سوريا تمثل المنفذ البري الوحيد للبنان إلى المنطقة العربية الأوسع، بما في ذلك الأردن والعراق ودول الخليج، فقد توقفت هذه الروابط إلى حد كبير منذ عام 2011.
لذا، يُنظر إلى رفع العقوبات كفرصة لإحياء هذه الطرق الحيوية، ما يعزز صادرات لبنان ويخفف تكاليف وارداته ويخفف من التحديات اللوجستية التي تواجهها.
من جهة أخرى، يمكن للبنان أن يستفيد من المشاركة في عملية إعادة الإعمار السورية، إذ بإمكان الشركات اللبنانية ورأس المال البشري اللبناني أن يلعبا دوراً مباشراً في هذا القطاع المتوقع النمو. كما قد يتحول لبنان إلى نقطة عبور رئيسية وقاعدة لوجستية للشركات الدولية المشاركة في جهود الإعمار.
إن أي انتعاشة في سوريا تنعكس مباشرة على المشهد السياسي اللبناني، حيث تثير مخاوف حزب الله والتيارات التي تدور في فلكه، في حين تبث بارقة أمل في صفوف التيارات المعارضة.
ولا يقتصر الأمر على ذلك، إذ قد يكون رفع العقوبات بوابة لإحياء مشاريع الطاقة الإقليمية التي توقفت بسبب قانون قيصر الأميركي، مثل استيراد الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان عبر سوريا. ويرى المسؤولون أن هذا المشروع، الذي قد يخفف من أزمة الكهرباء اللبنانية، يمكن أن يُستأنف بنجاح، فضلاً عن إمكانية إعادة تفعيل مصفاة طرابلس، مما يعزز دوره في الربط التجاري والنفطي العربي مع أوروبا.
علاوة على ذلك، قد يسهم رفع العقوبات في جذب الاستثمارات الأجنبية إلى المنطقة ككل، ما ينعكس إيجاباً على لبنان عبر تعزيز العلاقات التجارية. كما قد ينعكس تحسن الأوضاع الاقتصادية في سوريا إيجابياً على قطاع السياحة اللبناني، مع احتمال عودة السياح السوريين في حال تحقق الاستقرار والانتعاش.
إضافة، فإن سقوط النظام السوري ورفع العقوبات قد يفتح آفاقاً جديدة لتعزيز الحوار بين السلطات اللبنانية والسورية حول إدارة الحدود المشتركة وعودة اللاجئين.
على المقلب الآخر، فإن أي انتعاشة في سوريا تنعكس مباشرة على المشهد السياسي اللبناني، حيث تثير مخاوف حزب الله والتيارات التي تدور في فلكه، في حين تبث بارقة أمل في صفوف التيارات المعارضة، لا سيما السنية التي ترى في سوريا الجديدة امتداداً طبيعياً لها ودعماً لحضورها الداخلي، كما كان الحال معاكساً في عهد الأسد.
اللاجئون في لبنان
أما الملف الأكثر حساسية فهو ملف اللاجئين السوريين في لبنان، الذي شكل محور نزاعات سياسية حادة على مدى سنوات. إن رفع العقوبات عن سوريا عزز توجهات لدى بعض التيارات، خاصة اليمينية منها، التي تعتبر أن رفع العقوبات يعزز من تراجع مبررات استمرار وجود أعداد كبيرة من اللاجئين في لبنان. هذا الموقف دفع عدداً من القادة السياسيين اللبنانيين إلى الدعوة لإعادة النظر العاجلة في سياسات اللجوء فيه والتنسيق مع الأمم المتحدة لوضع خطة منظمة لعودة اللاجئين إلى سوريا.
مع ذلك، لا يزال وضع اللاجئين في لبنان معقداً وغير مستقر. فاللاجئون يعبرون غالباً عن أملهم في العودة إلى ديارهم، لكنهم في الوقت نفسه يُظهرون تردداً واضحاً نظراً لحالة عدم اليقين التي تحيط بالأوضاع السورية على المدى القريب والبعيد. تشمل هذه المخاوف أسس الحياة الأساسية مثل الحصول على التعليم، وفرص العمل، وقضايا السكن، وملكية الأراضي، بالإضافة إلى قدرة الدولة والمجتمع على توفير المساعدات الإنسانية.
لذلك، فإن التغيير السياسي في سوريا لا يمحو الصدمات العميقة التي عانى منها اللاجئون، ولا يزيل ترددهم المستمر، خصوصاً وأن إعادة بناء سوريا واستعادة استقرارها تحتاج إلى وقت طويل قبل أن يشعر اللاجئون بالأمان الكافي للعودة.
يتطلب رفع العقوبات عن سوريا من لبنان استعدادًا شاملاً واستراتيجيات لبنانية واضحة عمقها التواصل الفعّال مع سوريا الجديدة لتحقيق الفرص وتجنب التحديات.
تحديات رفع العقوبات
لكن بالمقابل لا يخلو رفع العقوبات من تحديات للبنان في حال لم تعرف القيادة السياسية فيه كيفية إدارة الملف لينتقل حينئذ التعاون واستجلاب الفرص إلى منافسة ومجابهة.
إن أول هذه التحديات تتمثل في المنافسة الاقتصادية المحتملة، حيث قد يؤثر تعافي الاقتصاد السوري على الميزات التنافسية التي يتمتع بها لبنان جغرافيًا واقتصاديًا وتجاريًا. علاوة على ذلك، قد يؤدي انتعاش الاقتصاد السوري إلى أزمة في سوق العمل اللبناني، حيث من الممكن أن يعود عدد كبير من العمال السوريين إلى وطنهم مع تحسن الظروف هناك. وهذا يشكل تحديًا لبيروت في وقت تحتاج فيه إلى تعزيز جهود إعادة الإعمار وتنمية بنيتها التحتية، خاصة أن العمال السوريين يشكلون جزءًا هامًا من القوى العاملة في قطاعات مثل الزراعة والإعمار.
كما تظل قدرة لبنان على استغلال الفرص مرتبطة بشكل وثيق بسرعة تنفيذ سوريا لإصلاحاتها الداخلية وتحقيق الاستقرار السياسي والأمني. فالمكاسب الاقتصادية والاجتماعية الحقيقية لن تبدأ في الظهور إلا بعد أن تتمكن سوريا من تخفيف العقوبات بشكل فعلي واستعادة سيطرة الدولة على كامل أراضيها. تحد آخر داخل الشارع اللبناني وهو سحب فتيل أي إمكانية لتحويل النهوض السوري المحتمل إلى حالة استقطاب لبناني داخلي.
على المستوى الدولي، لا تزال العقوبات الأوروبية المفروضة على سوريا قائمة، مما يجعل العديد من البنوك والشركات العالمية مترددة في العودة إلى السوق السورية، وهو ما يحد من قدرة لبنان على الانفتاح الكامل على الاقتصاد السوري.
وأخيرًا، تعكس العلاقات الثنائية بين لبنان وسوريا تاريخًا معقدًا، لا تزال تعاني من نقص في التعاون الاستخباراتي والحدودي. وتبقى ملفات اللاجئين والرقابة على الحدود مصدرًا للنزاعات والخلافات، مما يزيد من صعوبة تنسيق الجهود والاستفادة المثلى من التغيرات السياسية والاقتصادية الجارية في المنطقة.
في المجمل، يتطلب رفع العقوبات عن سوريا من لبنان استعدادًا شاملاً واستراتيجيات لبنانية واضحة عمقها التواصل الفعّال مع سوريا الجديدة لتحقيق الفرص وتجنب التحديات.