الرئيسة \  تقارير  \  فرصة سورية أخرى

فرصة سورية أخرى

28.09.2025
بشير البكر



فرصة سورية أخرى
بشير البكر
العربي الجديد
السبت 27/9/2025
خطاب الرئيس السوري، أحمد الشرع، في الأمم المتحدة لحظة تاريخية مفصلية تأخّرت طويلاً، وجاءت كي تمهد الطريق لعودة سورية، البلد المنكوب، إلى العالم، وتخرجه من موقع الدولة المنبوذة ذات السجلّ السيئ مصنّفةً في لوائح الإرهاب. وأكثر ما لفت الانتباه الحالة العاطفية التي عاشها السوريون وهم يرون رئيس دولتهم يُستقبَل من رؤساء الدول ومسؤوليها، وعلم بلادهم يرفرف في الأمم المتحدة، وفوق سفارتهم في واشنطن، وفي ذلك ما يتجاوز المضامين والرسائل الرمزية إلى استرجاع سورية موقعها بعد تضحيات كبيرة قدّمها أهلها من أجل الحرية والكرامة. وبالتالي، ليس حضور رئيسها إلى جانب زعماء الأمم بعد غياب طويل هديةً من أحد، بل حصيلة أعوام من الكفاح والتفاني في حماية الذات، والدفاع عن صورة الشعب المعروف باحترام العمل والابتكار والتمسّك بالقيم الإنسانية.
هي فرصة حانت في توقيت صعب وحسّاس، بات فيه البلد مدمّراً وممزّقاً، وقرابة نصف شعبه يعيش بعيداً من أرضه، مشرّداً في المخيّمات أو في الخارج. ولذلك هي ذات حدّين، فمن جهة، باتت الأبواب مفتوحةً أمام سورية كي تستعيد عافيتها بإرادة دولية، ومن جهة أخرى، هي مسؤولية كبيرة على عاتق السوريين كافّة، حكّاماً ومحكومين، وعليهم أن يدركوا أنها ليست فرصةً مفتوحةً بلا حدود أو قيود، ولذا عليهم أن يلتقطوها، ويعملوا على استثمارها وتطويرها، ليحولوها برنامجَ عملٍ يبرهنون من خلاله أنهم قادرون على مواجهة التحدّيات التي تقف في طريق انتشال بلدهم من الحال المزرية، وتقديم نموذج جديد للبناء والحكم يتوقّف عليه نجاح سورية في التقدّم إلى الأمام أو المراوحة في المكان، وربّما الفشل، ويتمثّل ذلك في مدى قدرة الدولة على توظيف الخبرات والكفاءات السورية في عملية البناء.
يجب ألا تغطّي النجاحات، والرصيد الذي حققته القيادة الجديدة خارجياً، قضايا سورية الداخلية، التي يجمع بينها أنها معقّدة ومتشابكة، وتحتاج إلى حلول عاجلة ودائمة، وأولها تعزيز السلم الأهلي، وهو مسألة تتطلّب عملاً دؤوباً، وسياسات جادّة من أعلى مستويات الدولة، ولتكن البداية من حيث وصل الانقسام الداخلي بعد أحداث محافظة السويداء، التي تفجّرت في 13 يوليو/ تموز الماضي. لقد اعترف الرئيس الشرع بأنها فخّ مدبّر، وهو يعني بذلك الدور الذي لعبته إسرائيل في إيهام الدولة بأنها ستقف على الحياد، ما ترك للأجهزة الرسمية والعشائر أن ترتكب تجاوزاتٍ تحتاج معالجة عاجلة لإغلاق الباب أمام الرياح الإسرائيلية التي تهبّ من منطقة الجنوب، وتهدّد بأن تعصف بسورية. وهذا يفرض على الدولة أن تتخذ إجراءات صارمة، تترجم توصيات لجنة التحقيق عندما تنجز عملها، بمحاسبة المسؤولين المتورّطين.
ومهما يكن، لن يتحقّق للبلد الاستقرار وأجزاء منه خارج سلطة الدولة. والمقصود هنا منطقة الجزيرة التي تضمّ ثلاث محافظات (الرقة ودير الزور والحسكة)، وتشكّل ثلث مساحة سورية، وفيها قرابة 40% من ثرواتها. ومع عودة سورية إلى العالم يجب أن تتغيّر المقاربة الخاصّة بإنهاء الوضع الشاذ في هذه المنطقة، الذي يتمثّل في خطف "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد) قرار أهل المنطقة من عربٍ وكرد، ونهب ثرواتهم، وتركهم في وضع بائس، حتى باتت المنطقة تفتقر إلى الماء الصالح للشراب.
وفي هذا كلّه، تحتلّ المفاوضات الجارية مع إسرائيل مكانةً محوريةً، وهي قبل كل شيء لا مفرّ منها، لجهة تأمين البلد من الاعتداءات والتوغّلات الإسرائيلية المتواصلة التي تستبيح السيادة السورية في كل يوم، ولكنّها، في الوقت نفسه، إن لم تتم وفق منطق الحقوق المحمي بالقانون الدولي سوف تكون وبالاً على سورية والمنطقة، فإسرائيل قائمة على الاحتلال والتوسّع والاستيطان والتهجير، وهذا ما تمارسه في فلسطين ولبنان وسورية، وخيراً فعل الشرع عندما وضع هذه النقاط على الحروف.