خيارات عديدة بين الحرب والاستسلام
23.09.2025
سامح راشد
خيارات عديدة بين الحرب والاستسلام
سامح راشد
العربي الجديد
الاثنين 22/9/2025
يخطئ من يظنّ أن لا دور للعرب في ما يجري من مذابح في المدنيين الفلسطينيين في غزّة؛ ذلك أنّ الامتناع عن القيام بدور، هو في حدِّ ذاته دور. تباشر بعض الدول العربية أدواراً جزئية غير كاملة ولا متكاملة، وإن افتقد بعضها الفعاليّة، لكنّ دولاً أخرى تدّعي قيامها بأدوار وتزعم تقديم تضحيات وتحمّل أعباء وتبعات المشكلات الحاصلة، وتستشهد على ذلك بما تتكبّده من خسائر مادية أو اتصالات دبلوماسية، في حين توجد مجموعة ثالثة من الدول لا تفعل شيئاً ولا تدّعي شيئاً. وتظلّ النتيجة واحدة، أن السكوت عمّا يجري في غزّة، لأهلها وأرضها اشتراك ضمني في الجريمة النكراء، ومن الظلم مساواة من يستطيع التحرّك والقيام بدور في حماية وإنقاذ الفلسطينيين بمن لا يملك شيئاً من ذلك.
تزعم بعض الدول بذل جهود جبّارة لإنقاذ الفلسطينيين ووقف الإبادة الجارية في غزّة، فيما تمنع أي مظهر أو تحرّك ضدّ جرائم إسرائيل، حتّى لو اقتصر على تظاهرة أو مسيرة شعبية. يا لها من مقارنة مخزية، بين الانتفاضة الغاضبة للرأي العام العالمي والتظاهرات التي تجتاح معظم الدول الغربية، والصمت الإجباري الذي تفرضه بعض الدول العربية على شعوبها. والمخجل حقّاً، أن الدول التي تملك بالفعل مصادر وأدوات قوة فعلية بإمكانها مقارعة إسرائيل، أو على الأقلّ إفزاعها، هي تحديداً التي تتجنّب أيَّ تلويح أو إشارة ولو كاذبة باحتمالية استخدام هذه القوة، وتبرّر تقاعسها عن إغاثة الفلسطينيين وعدم اتخاذ موقف قوي ضدّ تل أبيب بتجنّب ما تسمّيها "مؤامرات" لتوريطها في حرب استنزافية مع إسرائيل. ورغم أن العقول المفكّرة وخبراء السياسة والاستراتيجية في تلك الدول هم الأكثر معرفةً وخبرةً بالعقلية الإسرائيلية، وبأمثل السبل للتعامل معها، لكن القرار ليس بأيديهم.
تجبر إسرائيل الفلسطينيين على النزوح جنوباً، والعالم العربي يتابع صامتاً، بما فيه مصر التي تدرك أنها وجهتهم الوحيدة، ولا أحد يطلب من مصر أو غيرها، أن تضحّي بأبنائها أو تخاطر بمواردها وقدراتها المحدودة أصلاً، لكن المدافع عن الحقّ لا يعدم وسيلةً، فكيف بمن يدافع عن أمنه. ومن تردّد في منع الخطر من منبعه؛ سيواجَه به عند بابه.
وما بين الحرب والخنوع مستويات لا نهائية للعمل، وأشكال متنوعة من أدوات التحرّك. لمصر والأردن والإمارات علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل، ولبعض الدول العربية علاقات اقتصادية متبادلة معها. المؤسف أن أيّاً من تلك الدول لم تتّخذ إجراءً دبلوماسياً واحداً ضدّ إسرائيل، لا قطع للعلاقات ولا سحب للسفراء ولا خفض لمستوى التمثيل، ولا حتّى استدعاء السفير الإسرائيلي في هذه الدولة أو تلك وتوبيخه. والاستثناء الوحيد هو عدم قبول القاهرة تسمية سفير إسرائيلي جديد لديها، وإن كانت القاهرة والدوحة تقومان بالوساطة ورعاية التفاوض حول غزّة، ما قد يُفسّر تجنّب أيّ عقاب دبلوماسي لتل أبيب؛ فثمة مسارات أخرى للعلاقات تشمل (في حالة مصر خصوصاً) التجارة والسياحة والتنسيق الأمني، ولا ذريعة لأيّ دولة أخرى في التخاذل عن عقاب إسرائيل، بل إنّ الدول العربية جميعاً (عدا التي لا تملك من أمر نفسها شيئاً، كالصومال وجيبوتي وليبيا) لديها من القدرات والموارد وأوراق الضغط ما يكفل لها (على الأقلّ) توجيه رسالة رفض وغضب إلى الولايات المتحدة، الراعي الأول والرئيس لإسرائيل. فإذا افترضنا عدم امتلاك القوة الكافية لإجبار واشنطن أو ردع إسرائيل، فإنّ ذلك لا يعني الاستسلام لإرادة هذه أو الانصياع لغطرسة تلك. وفي حين قد ينسى بعض العرب (أو يتناسوا) الاتعاظ من يوم "قتل الثور الأبيض"، فإنّ الشعوب لن تنسى أنّ "السكوت علامة الرضا"، وأن الصامت عن جريمة، شريك فيها.