الرئيسة \
تقارير \ خلاف الشرع مع قسد: اتفاق 10 آذار يترنح وتركيا تعيد حساباتها
خلاف الشرع مع قسد: اتفاق 10 آذار يترنح وتركيا تعيد حساباتها
10.09.2025
المدن
خلاف الشرع مع قسد: اتفاق 10 آذار يترنح وتركيا تعيد حساباتها
خاص - المدن
الثلاثاء 9/9/2025
بين اجتماعات متواصلة في دمشق وصمت تركي لافت، تتكشف ملامح مرحلة جديدة في سوريا، حيث تواجه محادثات "قسد" مع حكومة أحمد الشرع صعوبات متزايدة في تنفيذ اتفاق آذار، وسط خلافات عسكرية وإدارية واقتصادية، وتقاطعات إقليمية تفتح الباب أمام تحولات غير محسوبة.
عقدة الدمج العسكري
وكشفت مصادر مطلعة لـ"المدن"، أن الرئيسة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية إلهام أحمد تعقد منذ أيام لقاءات مع وزير الخارجية السورية أسعد الشيباني في دمشق، لبحث آليات تنفيذ اتفاق آذار الذي وُقّع بين الشرع وقائد "قسد" مظلوم عبدي. لكن المعضلة الأساسية التي تواجه المباحثات تكمن في مسألة دمج القوات العسكرية.
فمن جهة، ترى "قسد" أن وزارة الدفاع السورية لا تزال تفتقر إلى هيكلية عسكرية علمية واحترافية، وتغلب عليها عقلية "الفصائلية"، إذ جرى التعامل سابقاً مع الفصائل المسلحة عبر ضمّها شكلياً للوزارة من دون إعادة هيكلتها ودمجها ضمن منظومة متماسكة. ومن جهة أخرى، تتمسك الوزارة برفض التعامل مع "قسد" ككتلة واحدة، معتبرة أن حجمها وعدد مقاتليها وتسليحها يفوق قدرات الجيش الرسمي نفسه، ما يجعل أي اندماج مباشر تهديداً لتوازن المؤسسة العسكرية.
وتزداد العقدة تعقيداً مع وجود نحو 30 ألف مقاتلة نسوية في صفوف "قسد"، وهو رقم غير مسبوق في التجارب العسكرية السورية، ويصطدم مع رؤية وزارة الدفاع التي لا تعترف بمشاركة النساء في الخطوط القتالية.
الخلاف لا يقتصر على الجوانب التنظيمية، بل يمتد إلى طبيعة العقيدة العسكرية. فـ"قسد" تطالب بتأسيس جيش وطني يعكس التعددية الدينية والقومية في سوريا، بما يضمن مشاركة مختلف المكونات في صناعة القرار العسكري والأمني. في المقابل، تتمسك وزارة الدفاع ببناء جيش قائم على العقيدة الإسلامية، يربط بين الانتماء العسكري والهوية الدينية، وهو ما تعتبره "قسد" تهديداً لطبيعة المجتمع السوري المتعدد، وعائقاً أمام بناء مؤسسة وطنية جامعة.
مركزية الدولة أم لامركزية الإدارة؟
على المستوى الإداري، تدفع "قسد" باتجاه ترسيخ مبدأ اللامركزية، معتبرة أنه الضمانة الوحيدة لحماية مكتسباتها السياسية والعسكرية في مناطق سيطرتها. أما حكومة الشرع، فتؤكد أن مركزية الدولة هي السبيل الوحيد لإعادة بناء مؤسساتها ومنع تفككها.
اقتصادياً، يبرز الخلاف بحدة أكبر حول موارد النفط والغاز والزراعة. وتطالب دمشق بالسيطرة الكاملة على هذه الموارد وإدارة الاتفاقيات المتعلقة بها، في حين تصر "قسد" على أن تحصل المحافظات على نصيبها المباشر من هذه الثروات، كجزء من صيغة شراكة اقتصادية جديدة تعزز حضورها على الأرض.
الموقف الرسمي لدمشق
في مقابل ما تكشفه مصادر "قسد" عن عراقيل في التطبيق، عبّرت الحكومة السورية عن تشكيكها في جدية الطرف الكردي. فقد أكدت مصادر رسمية أن اتفاق آذار لن يُنفذ إذا استمرت "قسد" في إرسال إشارات متناقضة بين خطابها العلني وممارساتها على الأرض. الرئيس الشرع أشار في تصريحات نقلتها وكالة "رويترز" في وقت سابق، إلى أنه "يأمل أن يسهم الاتفاق في منع اندلاع صراع جديد، لكنه لا يخفي القلق من ازدواجية مواقف قسد"، مؤكداً أن أي مسار تفاوضي يجب أن ينطلق من وحدة سوريا ورفض النزعات الانفصالية.
كما أوضحت الحكومة أن مؤتمر الحسكة الأخير الذي رعته "قسد" يُمثل ضربة لمسار التفاوض، وأن دمشق انسحبت من اجتماعات باريس احتجاجاً على مشاركة شخصيات وصفتها بـ"الانفصالية"، معتبرة أن ذلك خرق مباشر لاتفاق 10 آذار. وفي الوقت نفسه، شددت بيانات رسمية على أن دمشق ما زالت ترى في الاندماج التدريجي لقوات "قسد" ضمن مؤسسات الدولة خطوة ممكنة، لكن ضمن شروط وطنية صارمة تتعلق بوحدة القرار العسكري والاقتصادي.
الموقف الرسمي لتركيا
في موازاة ذلك، خرجت أنقرة خلال الساعات الأخيرة بموقف أكثر صراحة وحِدّة. فقد أكدت وزارة الدفاع التركية أن "قسد" لم تفِ بالتزاماتها تجاه اتفاق آذار، وأن عليها الاندماج الفوري في الجيش السوري والتخلي عن أي خطاب أو ممارسات تمس بوحدة الأراضي السورية. التصريحات شدّدت على أن أنقرة تعتبر إخلال "قسد" تهديداً لوحدة سوريا ولأمن تركيا الوطني، مؤكدة استعدادها لتقديم "كل أنواع الدعم" لدمشق لتعزيز الاستقرار وحماية الأمن القومي.
كما لوّح مسؤولون أتراك بأن عدم التزام "قسد" قد يفتح الباب أمام تدخل عسكري مباشر، وهو ما يعكس تحولاً من لغة المراقبة والتنسيق المحدود، إلى لغة التهديد العلني والدعم المفتوح لحكومة دمشق في مواجهة الطرف الكردي.
تركيا بين الاستخبارات والاقتصاد
لكن الموقف التركي لا ينفصل عن مسار آخر أكثر هدوءاً، تمثل في اجتماعات سابقة جمعت إلهام أحمد بمدير المخابرات إبراهيم قالن، بالتوازي مع لقاء جمع مظلوم عبدي بمسؤول رفيع في وزارة الخارجية التركية. ورغم الخطاب التركي المتمسك علناً بوحدة الأراضي السورية ورفض اللامركزية، فإن هذه الاجتماعات حملت إشارات إلى اهتمام متزايد بالتنسيق الاقتصادي مع "قسد".
وتوضح المصادر أن التحول التركي تزامن مع إعادة روسيا تمركز جزء من قواتها من مطار حميميم إلى مطار القامشلي، بترتيبات جديدة مع "قسد" وبموافقة أميركية ضمنية. الولايات المتحدة لم تُبدِ اعتراضاً على هذا الوجود الروسي، بخلاف موقفها الصارم من أي تموضع إيراني في سوريا، الأمر الذي فتح المجال أمام ترتيبات جديدة بين موسكو و"قسد"، انعكست بدورها على حسابات أنقرة.
حسابات إقليمية جديدة
التحول في الموقف التركي مرتبط أيضاً برفض إسرائيلي وغربي لاستمرار الوجود العسكري التركي المباشر في سوريا، بالتوازي مع التقارب المتنامي بين حكومة دمشق وبعض العواصم الخليجية. هذه المعطيات دفعت أنقرة إلى إعادة النظر في استراتيجيتها، فباتت ترى الواقع السوري الحالي يوفر لها فرصة للتوسع الاقتصادي وفتح أسواق جديدة، وفق المصادر.
كل هذه العوامل تجعل من اتفاق آذار اختباراً صعباً، ليس فقط على المستوى العسكري، بل أيضاً على المستويات السياسية والإدارية والاقتصادية. فدمشق ترى في الاتفاق وسيلة لفرض مركزيتها وإعادة بناء الدولة وفق رؤيتها، فيما تعتبره "قسد" فرصة لضمان بقاء مكتسباتها وتعزيز حضورها في أي صيغة سياسية مقبلة. أما الأطراف الإقليمية والدولية، فتنظر إلى الاتفاق باعتباره ورقة إضافية في لعبة توازنات معقدة، لا يمكن فصلها عن الصراع على النفوذ في سوريا.
المشهد المفتوح
مع تراكم الخلافات وتعدد الحسابات، يبقى المشهد السوري مفتوحاً على احتمالات متناقضة. فإما أن تنجح المفاوضات في تجاوز العقبات وتحويل الاتفاق إلى خطوة نحو تسوية أوسع، أو أن تتحول هذه الخلافات إلى سبب إضافي لتأجيل الحل وتكريس "اللااستقرار" كأداة استثمار سياسي واقتصادي بيد القوى الإقليمية والدولية.
وفي ظل غياب توافق واضح حول هوية الجيش والدولة والعقيدة، تبقى الأسئلة الكبرى معلّقة: هل يمكن لسوريا أن تعيد إنتاج نفسها كدولة حديثة قادرة على استيعاب التعددية؟ أم أن الصراع على السلطة والموارد سيعيد إنتاج الانقسامات نفسها في قوالب جديدة؟