الرئيسة \  تقارير  \  خطوات في طريق الوفاق الوطني

خطوات في طريق الوفاق الوطني

18.09.2025
المعتصم السيوفي



خطوات في طريق الوفاق الوطني
المعتصم السيوفي
سوريا تي في
الاربعاء 17/9/2025
لا بدّ لنا من الاعتراف اليوم بأن في بلادنا انقساماً، وهو ليس مقتصراً على الجغرافيا ومناطق السيطرة، ولا بين القوى المسيطرة عسكرياً فحسب، وهو ليس انقساماً طائفياً أو قومياً، بل هو انقسام يمتد إلى النفوس والعقول والضمائر، وهو – في رأيي – أخطر أنواع الانقسام.
إن استبدال لغة الحوار الوطني المستند إلى الإيمان بالتساوي في المواطنة والكرامة الإنسانية والحقوق والواجبات بين السوريات والسوريين جميعهم من دون تمييز، بلغة السلاح والعنف، واللجوء إلى التفاهم مع الخارج قبل الشريك الوطني، هو أساس مشكلاتنا والعائق أمام عبورنا بسلام للمرحلة الانتقالية.
لقد سئمت الأمهات السوريات من مشاهد عودة أبنائهن في الأكفان، ولا بدّ لذلك أن يتوقف.
لقد سئمنا بيوت العزاء المفتوحة من دون سبب، وآن لذلك أن يتوقف.
إن وحدة المؤسسات العسكرية والأمنية هدف محق وصحيح، فالدول السليمة لا تتعدد فيها الجيوش.
إن وحدة الوطن الترابية والسياسية هدف مقدّس لا ريب، ولكن التاريخ علّمنا أنه لا يُحافَظ عليها إلا بالوحدة الوطنية، وأنه لا يحميها إلا مواطنون أحرار متساوون في الكرامة الإنسانية والحقوق والواجبات، وأنها تعيش في القلوب والعقول أولاً، وأنها تتحقق حين يحزن الوطن لإراقة أي دم بريء، وحين يعتبر أن الاعتداء على كرامة أي مواطن أو شريحة وطنية سورية هو اعتداء على كرامة الوطن بأسره، سواء كان ذلك في السويداء أو الساحل أو درعا أو إدلب أو الحسكة أو أي محافظة سورية أخرى. لهذه الغاية نحتاج إلى حوار حقيقي.
منذ عام 2011، وقبل ذلك حتى، شهدت سوريا مظالم كثيرة، وتبلغ أعداد ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة الملايين. ولقد أُسست لجنة للعدالة الانتقالية أتمنى لأعمالها التوفيق، لكنني أدعوها إلى أوسع حوار صادق مع ضحايا الانتهاكات والمجتمع في العموم للوصول إلى برنامج للعدالة الانتقالية ذي مصداقية، يلبي الحاجة السورية ويضع البلد على طريق السلام، بدلاً من أن يشاهد الضحايا متهمين بارتكاب هذه الانتهاكات والجرائم وهم يلعبون أدواراً سياسية ويُعاد تعويمهم بشكل مباشر أو غير مباشر. إن غياب الحوار الوطني الشامل حول هذا البرنامج يضعف من مصداقيته، ومن قدرته على ترسيخ مبادئ سيادة القانون، واحترام مؤسسات الدولة، وكبح جماح نزعات الانتقام الأعمى وخطاب الكراهية.
يعيش 90% من السوريين تحت خط الفقر، وحجم الدمار في البلاد لا يخفى على أحد، ويكتنف الغموض والضبابية الكيفية التي يُدار بها اقتصادنا، وتنتشر أخبار مثيرة للقلق عن الطريقة التي يُدار بها المال العام، وعن هيمنة أصحاب النفوذ السياسي على المؤسسات الاقتصادية للدولة. ألا يحق لنا أن يكون هناك حوار وطني شفاف عن الكيفية التي يُدار بها اقتصاد بلادنا المنهكة؟ وعن الوجهة التي سيتخذها؟ وعن السبل الكفيلة بمحاربة الفساد والمحسوبيات وضمان التوزيع العادل للثروة والنهوض بأوضاع الفئات الأشد فقراً؟
إن وحدة المؤسسات العسكرية والأمنية هدف محق وصحيح، فالدول السليمة لا تتعدد فيها الجيوش. ولكننا في الحالة السورية، وقد انهارت فيها المؤسسة العسكرية والأمنية للنظام البائد وتعددت فيها الفصائل والمجموعات العسكرية، نحتاج إلى الوفاق الوطني حول إعادة بنائها على أسس وطنية تجعل السوريين من جميع المشارب والاتجاهات يشعرون بالانتماء لها، وينظرون إليها بوصفها حامية لهم. دون هذا الوفاق، فإنني أخشى من خطر تكريس الانقسام العسكري، وما ينجم عن ذلك من احتمال تكرار الصدامات الأهلية – لا قدّر الله.
نصّ الإعلان الدستوري في المادة 52 منه على أن الفترة الانتقالية تنتهي بتبني دستور دائم للبلاد وتنظيم انتخابات عامة وفقاً له. إن الدستور الدائم للبلاد هو التعبير عن عقدها الاجتماعي والوطني الجديد، وتوافق أبنائها على نظام الحكم والإدارة فيها. فهل يمكن تحقيق هذه الغاية دون حوار وطني شامل وواسع وعميق؟ إن غياب حوار كهذا يعني أن مشروع الدستور الدائم لن يشعر السوريين بملكيته وبأنه يستجيب لاحتياجاتهم وتطلعاتهم وحقوقهم، ولن يسهم في حلّ مشاكلهم، وسيكرّس الانقسام بينهم، ولن يؤمن الاستقرار لهذا البلد.
ينصب عمل الهيئة على وضع رؤية وطنية جامعة وبناء وفاق وطني على الترتيبات الحوكمية والأمنية خلال المرحلة الانتقالية، وأسس العقد الاجتماعي الجديد، ولائحة الحقوق والحريات، وشكل النظام السياسي الجديد واللامركزية، وآليات صياغة الدستور الدائم ومضامينه، وأسس العدالة الانتقالية، والنموذج الاقتصادي لسوريا.
إنني، وبدافع الحرص الوطني، أقترح الخطوات التالية لرأب التصدعات الوطنية الحاصلة، واستبدال لغة العنف والسلاح بلغة الحوار الوطني المسؤول:
1- أن يُعلَن في سوريا يوم حداد وطني على الضحايا الأبرياء الذين سقطوا خلال سنوات الثورة وفي الأحداث الدامية التي تلت سقوط نظام الأسد.
2- أن تقود الدولة جهوداً وطنية لمكافحة وتجريم خطاب الكراهية والتحريض ضد أي شريحة وطنية سورية، وأن نجعل من كلمة سماحة مفتي الجمهورية بأن الدم السوري على السوري حرام، وبأن السوريين والسوريات متساوون في المواطنة والكرامة الإنسانية والحقوق والواجبات ضمن وحدة الوطن، شعارين ثابتين للالتزام الوطني، وأن يقود القادة الدينيون والسياسيون في كل المحافظات السورية جهوداً مماثلة.
3- أن تبادر الدولة وجميع الأطراف المسلحة في محافظة السويداء إلى حلّ قضايا المختطفات والمختطفين من المدنيين وعمال الإغاثة الإنسانيين بالسرعة الكلية، واستعادة الحركة الطبيعية لمواد الإغاثة الإنسانية والبضائع التجارية وحركة السكان.
4- لقد أقرت الدولة السورية بوقوع انتهاكات جسيمة واسعة النطاق لحقوق الإنسان في أحداث الساحل والسويداء الأليمة، ووثقت ذلك أيضاً مؤسسات أممية ومنظمات حقوقية دولية. يجب أن تُعالج آثار هذه الانتهاكات وفق آليات العدالة الانتقالية، بما يتضمن كشف الحقيقة، ومحاسبة المنتهكين، والتعويض المعنوي والمادي للضحايا، وضمان عدم التكرار، وأن يكون ذلك بالشراكة مع المؤسسات الأممية المختصة وبما يعزز مصداقية وحيادية هذه اللجان.
5- تقدمتُ برفقة مجموعة من أعضاء مؤتمر الحوار الوطني بمقترح إلى رئيس الجمهورية ينطلق من بيانه الختامي لتشكيل هيئة وطنية رسمية للحوار الوطني السوري، تضم شخصيات سورية مستقلة من خلفيات فكرية وسياسية ودينية وقومية متنوعة، ويُراعى فيها التمثيل الوازن للنساء والشباب. تقود هذه الهيئة سلسلة حوارات مجتمعية داخل وخارج سوريا، ضمن إطار زمني مناسب، وبالشراكة مع مختلف المكونات الاجتماعية والسياسية والدينية والقومية والحزبية وفعاليات المجتمع المدني، وبدعم إعلامي ومؤسسات بحثية وطنية، ودعوة شخصيات وطنية وازنة لضمان شمولية وعدالة تمثيل كافة السوريين. ينصب عمل الهيئة على وضع رؤية وطنية جامعة وبناء وفاق وطني على الترتيبات الحوكمية والأمنية خلال المرحلة الانتقالية، وأسس العقد الاجتماعي الجديد، ولائحة الحقوق والحريات، وشكل النظام السياسي الجديد واللامركزية، وآليات صياغة الدستور الدائم ومضامينه، وأسس العدالة الانتقالية، والنموذج الاقتصادي لسوريا.
يحتاج الحوار الوطني إلى اعترافات وتنازلات متبادلة، وأستعير ما قاله محمود درويش يوماً:
"سنصير شعباً إن أردنا حين نعلم أننا لسنا ملائكة ومحقين دوماً، وأن الشر ليس من اختصاص الآخرين".