الرئيسة \
تقارير \ خطوات أولية للحكومة السورية لتفعيل مقررات اجتماع عمّان بشأن السويداء
خطوات أولية للحكومة السورية لتفعيل مقررات اجتماع عمّان بشأن السويداء
17.08.2025
عبدالله البشير
خطوات أولية للحكومة السورية لتفعيل مقررات اجتماع عمّان بشأن السويداء
عبد الله البشير
العربي الجديد
السبت 16/8/2025
رسم الاجتماع الثلاثي الذي انعقد بعمّان في 12 أغسطس/آب الحالي، وجمع المبعوث الأميركي إلى سورية توم برّاك، ووزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، ونظيره السوري أسعد الشيباني، خريطة طريق لمحاولة احتواء تداعيات الأزمة في محافظة السويداء جنوبي سورية، بهدف إنهاء حالة الصراع ووضع الحكومة السورية على مسار الحوكمة لاحتواء تداعيات المواجهات التي تفجرت في شهر يوليو/تموز الماضي وما تخللها من انتهاكات بحق المدنيين.
وخلص الاجتماع، بحسب بيان مشترك ثلاثي، إلى أن "محافظة السويداء بكل مجتمعاتها المحلية جزء أصيل من الجمهورية العربية السورية، محمية ومحفوظة حقوق أبنائها في مسيرة إعادة بناء سورية الجديدة نحو مستقبل منجز آمن لكل مواطني الدولة السورية، وبما يضمن تمثيلهم وإشراكهم في بناء مستقبل سورية". وبحسب البيان، رحبت المملكة والولايات المتحدة بخطوات الحكومة السورية بما فيها: "إجراء التحقيقات الكاملة ومحاسبة كافة مرتكبي الجرائم والانتهاكات في محافظة السويداء، فضلاً عن استعدادها للتعاون مع هيئات الأمم المتحدة المعنية وإشراكها بمسار التحقيق بالجرائم والانتهاكات التي ارتكبت، زيادة دخول المساعدات الإنسانية إلى جميع المناطق في محافظة السويداء وتعزيز تدفقها، بما يشمل التعاون مع وكالات الأمم المتحدة المعنية، تكثيف عمل المؤسسات الخدمية لاستعادة الخدمات التي تعطلت جراء الأحداث في المحافظة، وبدء عمليات إعادة تأهيل المناطق التي تضررت من الأحداث التي شهدتها المحافظة".
أكد محافظ السويداء التنسيق لإعادة تأهيل 34 قرية في ريف السويداء الغربي، إضافة إلى 17 قرية في الريف الشرقي
كما رحبت واشنطن وعمّان بـ"إسهامات المجتمع الدولي المستهدفة تلك الجهود، وإسناد الحكومة السورية في جهود عودة النازحين إلى مناطقهم"، إلى جانب "الشروع بمسار المصالحات المجتمعية في محافظة السويداء، وتعزيز السلم الأهلي". وبحسب البيان، جدّد الصفدي وبرّاك "وقوف المملكة والولايات المتحدة وتضامنهما الكامل مع سورية وأمنها واستقرارها وسيادتها ووحدة أراضيها وسلامة مواطنيها، داعين المجتمع الدولي إلى الوقوف مع سورية في جهودها لإعادة البناء على الأسس التي تضمن أمنها واستقرارها وسيادتها ووحدتها، وتلبي طموحات شعبها الشقيق وتحفظ حقوق كل السوريين". واتفق الأطراف الثلاثة على "عقد اجتماع آخر خلال الأسابيع المقبلة لاستكمال المداولات، إضافة إلى الاستجابة لطلب الحكومة السورية تشكيل مجموعة عمل ثلاثية (سورية أردنية أميركية) تستهدف إسناد الحكومة السورية في جهودها تثبيت وقف إطلاق النار في محافظة السويداء وإنهاء الأزمة فيها".
وسرعان ما بدأت تداعيات الاجتماع تظهر مع تبدل في لغة مسؤولين سوريين تجاه التعاطي مع الأزمة في السويداء، بموازاة بدء الحكومة بمدّ أول جسر لاستعادة الثقة في المحافظة، بتصريحات صدرت في 13 أغسطس عن محافظ السويداء مصطفى البكور، أكد فيها التنسيق لإعادة تأهيل 34 قرية في ريف المحافظة الغربي، إضافة إلى 17 قرية في الريف الشرقي، وتأمين الخدمات الأساسية فيها، في بادرة حسن نيّة والتزاماً بخطوة من خطوات متفق عليها في لقاء عمّان للخروج من الأزمة.
وأوضحت الإعلامية والناشطة الحقوقية الموجودة في السويداء، إيمان أبو عساف، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الجانب الإنساني بدأ بالتحسن تدريجياً في ما يخصّ الغذاء والبضائع التي كانت مفقودة، إضافة إلى بدء وصول مادة البنزين التي كانت مفقودة أيضاً، مشيرة إلى أن وضع المياه ما زال على حاله كون المضخات لم يتم إصلاحها.
ورأت أبو عساف أن موافقة الحكومة السورية على إشراك الأمم المتحدة في التحقيقات يعدّ بحدّ ذاته خطوة لإعادة بناء الثقة التي "هُدمت تماماً" مع سكّان المحافظة، مطالبة بتوضيح آليات هذا الإشراك، ومعتبرة أن تشكيل لجنة تحقيق سورية تشرف عليها الأمم المتحدة، لن تكون له نتائج مهمة. ودعت الناشطة إلى إشراك الأمم المتحدة على الأرض لتوخي الدقة وعدم إغفال توثيق أي من الانتهاكات.
وتتطلب عملية استعادة الثقة، برأي أبو عساف، شفافية في القرارات الحكومية و"إعلاماً رسمياً موضوعياً غير منحاز"، إضافة إلى "محاسبة حقيقية وعلنية لمرتكبي الانتهاكات بدءاً من التحريض على وسائل التواصل وصولاً إلى من مارس القتل". واعتبرت أن تراجع الحكومة والطرف المقابل في السويداء وجنوحهما للحلّ، مرهون بـ"عملية سياسية واضحة وشفافة" لا تقوم على الوعود فقط، لأن "الشعب السوري عموماً، وفي السويداء خصوصاً، بات يتوجس من القرارات والوعود الرنّانة التي تبقى دون أي تنفيذ حقيقي على الأرض".
إيمان أبو عساف: الأزمة نتيجة تراكم قرارات خاطئة وضعف تقدير للمواقف
ولا تقتصر الأزمة في سورية على السويداء فقط، بحسب اعتقاد أبو عساف، بل هي "نتيجة تراكم قرارات خاطئة وضعف تقدير للمواقف". ولفتت إلى أن "ما يحتاجه الشعب السوري حالياً هو خطوات حقيقية لبناء ثقة مع الحكومة، التي ارتكبت أخطاء ستكون نتائجها كارثية على المدى القريب والبعيد، إن لم تُظهر حسن النية والقدرة على التقارب مع الشعب وتحقيق أدنى حقوقه التي حرم منها ولا يزال محروماً منها حتى اليوم"، وفق تعبيرها.
من جهته، رأى مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن دخول لجنة تحقيق أممية يفيد الحكومة السورية، لأن لجاناً أو أطرافاً محسوبة عليها قد لا توصل لها الحقيقة كاملة، في ظلّ أجواء التشكيك وعدم الثقة القائمة بين الحكومة والمجتمع المحلي في السويداء. واعتبر أن منح صلاحيات للجنة التحقيق الدولية هو مؤشر على التوجه نحو الاستقرار، لأنها ستُحقق بتجرد في انتهاكات كل الأطراف، بغض النظر عن هويتها أو عن مرتكب الانتهاك، وهذا سيكون أمراً مهماً جداً وخطوة أولى نحو رأب الصدع، وفق تعبيره.
أما الأكاديمي والباحث المتخصص في الحركات الإسلامية عبد الرحمن الحاج، فرجّح أن الترميم الذي كشف عنه محافظ السويداء يعني وجود تمويل. وقال في حديث لـ"العربي الجديد": "هذا يقود إلى الاستنتاج أن أطرافاً إقليمية تسعى إلى مساعدة الحكومة السورية في تجاوز تداعيات أحداث السويداء ودعم مساعيها لحلّ المشكلة ضمن إطار سوري". وأشار إلى أنه "لا توجد أي تصريحات بخصوص تمويل ترميم القرى في السويداء، وهي قرى بدوية ودرزية، ما قد يرجح أنها دولة خليجية، ومن المحتمل أنها كانت في سياق اجتماع الأردن لإنجاحه".
وحذّر الحاج من أن ملف السويداء معقد إلى حد ما، "فهناك إسرائيل التي تعمل
على تفتيت سورية، والإدارة الذاتية التي تحاول الإفادة من أجواء ضعف الإدارة في دمشق، وزعامة دينية طامحة في السويداء لمحاكاة نموذج حزب الله وزعامته في لبنان" وفق رأيه. واعتبر الحاج أن نجاح الحكومة السورية في حلّ هذه المعضلات يعتمد بالدرجة الأولى على طرح موسع للإدارة المحلية، دون أن يقطع مع الإدارة المركزية في دمشق. وأوضح: "بما أن الزعامات الدينية متصدرة للمشهد، فإن تجاوز هذه الزعامات، التي تشكل جزءاً من المشكلة، صار عسيراً بعض الشيء". لكنه من جهة أخرى، رأى أن السعي للتعامل مع مدنيين وسياسيين معتدلين ممن يتمتعون بنفوذ اجتماعي من أبناء السويداء، قد يكون أحد الحلول المناسبة. وفي هذا السياق، شدّد الحاج على أهمية انتقال مركز التحكم في السويداء من الزعامات الدينية إلى السياسيين والزعماء المحليين، لأن ذلك ينزع السمة الطائفية التي تلازم الزعامات الدينية مهما تكلمت وقدّمت خطاباً معتدلاً من جهة، ومن جهة أخرى فإن التفاوض مع مدنيين وسياسيين أكثر إمكانية، لأنه يحول الموضوع إلى نقاش وتفاوض حول النصاب وينزع عنه البعد الديني.
وقال الحاج إن "معالجة الانتهاكات وتقديم تحقيق متوازن ودقيق وموثوق في أحداث السويداء، أمر ضروري لوضع المسؤولية على جميع الأطراف المتورطة، بما في ذلك عناصر من القوات الحكومية والمليشيات المرتبطة بـ(الزعيم الروحي لمشيخة عقل الطائفة الدرزية حكمت) الهجري والمقاتلين البدو". وتابع: "إظهار جدّية في تقاسم السلطة مع مختلف الأطراف، بما في ذلك أطراف من السويداء، أمر ملّح، ويمكن أن يتم تعيين ليث البلعوس (القيادي في حركة رجال الكرامة) على سبيل المثال في قوات الجيش بصفة قائد رفيع لإحدى وحدات الجيش، ويمكن أن يتم القبول بتعيين محافظ من السويداء"، مشيراً إلى أن تطبيق الاتفاق الحكومي السابق (مايو/أيار الماضي وتضمن بنوداً عدة بينها تفعيل قوى الأمن الداخلي من أبناء المحافظة، وتأمين طريق دمشق السويداء، وإنهاء التوترات في ريف دمشق) مع محافظ السويداء الذي عرقله الهجري، يمثل مدخلاً أيضاً لالتزام الحكومة.
لكن يبقى أن الاستناد إلى إسرائيل في السويداء هو العقبة الرئيسية، كما أشار الحاج، لأنها برأيه مثّلت أساساً للتصلب والاستقواء ضد الحكومة المركزية، لافتاً إلى أن الحد من التصرفات الإسرائيلية وتقليل تأثيرها على الملف يقتضي تدخل أطراف مختلفة وهي: الولايات المتحدة، والأردن، وتركيا، ودول الخليج العربي. واعتبر أن اجتماع الأردن مثّل خطوة رسمية في هذا الاتجاه، والأطراف مؤثرة على حرية إسرائيل بالتصرف وانتهاك السيادة السورية.
ورغم خريطة الحل التي أُعلن عنها في لقاء عمّان، فإن هناك معوقات عدة تتصدر المشهد من منظور الحاج، وهي إضافة إلى استمرار الدعم الإسرائيلي المباشر للهجري والتدخل الميداني، بقاء قضية "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في شرق الفرات دون حلّ، وبقاء الوضع الاقتصادي في وضع هش وضعيف مع استمرار قلة الموارد، فضلاً عن استمرار وجود تصعيد طائفي يعمّق الشروخ ويبقي التوتر، وعدم قبول جميع الأطراف بالتفاوض بشكل حقيقي كأساس للوصول إلى الحل.
وتسببت التراكمات وغياب الخريطة الواضحة للحل لدى الحكومة السورية بوصول السويداء إلى وضعها الراهن، كما بيّن الباحث السياسي أنس الخطيب في حديث لـ"العربي الجديد"، وذلك لأسباب أهمها فشل الخطة الحكومية السابقة في التعامل مع الحالة الدرزية وما نتج عنها من مواجهات، بداية من جرمانا ثم صحنايا بريف دمشق وصولاً إلى المواجهة العسكرية الواسعة في يوليو/تموز الماضي، والتي كانت ساحتها السويداء، وتعامل الحكومة بمبدأ ردات الفعل.
وأربكت التدخلات الخارجية صانع القرار في الحكومة السورية، وفق الخطيب، في ظل عدم وجود خطة واضحة لديها، إضافة إلى غياب الخبرة في التعاطي مع مثل هذه الملفات المعقدة ذات الأبعاد الطائفية والأمنية والاجتماعية والسياسية المرّكبة.
ولفت الخطيب إلى أن لقاء عمّان مهم لإنهاء التشنج، لكنه يتطلب من الحكومة إعادة تقييم للمسار السياسي العام لديها، بداية من مؤتمر الحوار الوطني (فبراير/شباط 2025) الذي أثبت قصوره، ولم يحمل تطمينات لكل المكونات، بمن فيهم المكون السُنّي الأكثر خشية من عودة حكم الأقليات، والذي يذهب نحو التصعيد عند أي أزمة.
ومن أهم ما يجب إعادة النظر فيه لحلّ أزمة السويداء، وفق الخطيب، هو حالة إغلاق الفضاء العام وتجميد الحياة السياسية، الأمر الذي يؤثر سلباً على التحرك المجتمعي وتحرك القوى السياسية التي يجب أن تُسهم في إيجاد الحلول وتلعب دوراً في تقريب وجهات النظر عبر المبادرات السياسية والمجتمعية، وربما تسهم في إجراءات بناء الثقة.