خطاب الكراهية المتصاعد في سورية
08.09.2025
عبسي سميسم
خطاب الكراهية المتصاعد في سورية
عبسي سميسم
العربي الجديد
الاحد 7/9/2025
رغم جرعة التفاؤل التي يحياها السوريون منذ سقوط نظام بشار الأسد، إلا أن المجتمع السوري لا يزال يعيش حالة انقسام حاد بين معظم مكوناته الدينية والعرقية وحتى المناطقية، يغذيها خطاب كراهية متصاعد ينذر بكارثة وطنية تهدد الهوية الوطنية السورية في حال لم تتمكن الحكومة الانتقالية السورية من لجمه، أو التخفيف منه من خلال إجراءات جدية تتجاوز حدود الخطابات والمشاريع "الديكورية" التي تتغنى بمحاربة هذا الخطاب. ولعل أبرز المؤشرات على وجود خلل هو إقرار 85% من السوريين من المستجيبين في استطلاع المؤشر العربي 2025 الخاص بسورية أن "خطاب الطائفية" منتشر في البلاد، ويعتقد 84% من المستجيبين أن الناس هذه الأيام يصنفون أنفسهم والآخرين على أساس مذهبي وديني في سورية، بموجب الاستبيان الأول في تاريخ سورية الذي أجراه المركز العربي للدراسات بالتعاون مع المركز العربي لدراسات سورية المعاصرة على السوريين بوصفه جزءاً من المؤشر العربي الذي كان غائباً عن سورية في فترة حكم بشار الأسد.
هذه النتائج المرعبة التي تتجاوز نسبة موثوقيتها 98% تستوجب من صنّاع القرار ومن المؤسسات الإعلامية ومؤسسات المجتمع المدني في سورية التحرك بشكل سريع وجدي. هذا الواقع وما يترافق معه من انتشار لخطاب الكراهية تتعدد أسبابهما، بين أسباب خارجية ومن بينها ما يتعلق بارتباط بعض التنظيمات المسلحة الموجودة خارج إطار الدولة السورية بأجندات خارجية تعتمد على تفتيت المجتمع السوري، تستخدم خطاباً طائفياً شعبوياً للاستمرار في مشاريعها. وهذه التنظيمات تدعمها مجموعات موجودة خارج سورية تعمل على تأجيج الخطاب الطائفي وخطاب الكراهية بين السوريين عبر وسائل التواصل الاجتماعي. طبعاً هذا بالإضافة لأسباب داخلية أبرزها غياب العدالة الانتقالية وإحساس معظم السوريين بعدم الرضا عن أداء الحكومة في هذا المجال. الأمر الذي ينعكس بردات فعل على شكل خطاب طائفي وتحريضي، يصنّف السوريين بناء على انتماءاتهم الدينية والعرقية وحتى المناطقية.
ولعل السبب الداخلي الأهم في تنامي خطاب الكراهية هو عدم جدية الحكومة في محاربة هذا الخطاب، حتى بين مكوناتها من موظفين ومسؤولين حكوميين، وعدم اتخاذها أية خطوات عملية في محاربته، بل على العكس، أعطت الحكومة في عديد من المواقف انطباعاً للسوريين بالرضا عن التعاطي بخطاب لا يميز بين فلول النظام من كل الطوائف والأديان والقوميات وبين خطاب الكراهية الذي يستهدف الأشخاص بحسب انتمائهم، كوصف البعض طائفة بأكملها بأنها فلول للنظام، ووصم طائفة أخرى بالعمالة، واتهام ثالثة بالتخاذل. الأمر الذي ساهم في حدة الانقسام وغياب صوت العقل والمنطق المستند إلى مبدأ المواطنة، فرغم إصدار وزارة الدفاع مدونة سلوك أخلاقية خاصة بمنتسبيها، إلا أن هذه المدونة لم تنعكس على سلوك العديد من أفرادها لسبب بسيط هو أن منتسبي هذه الوزارة يعملون بموجب أوامر عسكرية وليس بموجب مدونات سلوك غير ملزمة.
وعلى صعيد الإعلام، تعكف الوزارة على إصدار مدونة سلوك أخلاقي تتضمن بنوداً تدعو لنبذ خطاب الكراهية، إلا أن هذه المدونة بحاجة لمتابعة من قبل لجان شكاوى، ومن خلال فرض هذه المدونات ضمن المؤسسات الإعلامية أحدَ شروط ترخيصها، بالإضافة لإصدار قانون يجرم التحريض على خطاب الكراهية، وإلا فستبقى كل هذه المشاريع حبراً على ورق.