الرئيسة \
تقارير \ خريطة طريق السويداء: التطبيق رهن استجابة المجتمع المحلي
خريطة طريق السويداء: التطبيق رهن استجابة المجتمع المحلي
20.09.2025
عدنان علي
خريطة طريق السويداء: التطبيق رهن استجابة المجتمع المحلي
عدنان علي
العربي الجديد
الخميس 18/9/2025
تتجه سورية ولا سيما جنوبها، نحو تسويات للأوضاع المتطورة فيها منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، والتي تتداخل فيها المعطيات الداخلية مع مصالح أطراف إقليمية ودولية. في صدارة هذا المشهد يأتي الوضع في محافظة السويداء، التي لم تستقر أحوالها منذ الأحداث التي شهدتها في يوليو/تموز الماضي وما أفرزته من تعقيدات، ليأتي التطور الجديد بإعلان خريطة طريق لحل الأزمة في المحافظة، خلال لقاء ثلاثي عُقد في دمشق أمس الأول الثلاثاء بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، ونظيره الأردني أيمن الصفدي، والمبعوث الأميركي الخاص إلى سورية توم برّاك. وفي حين يرسخ هذا الاتفاق حقيقة رفض انفصال السويداء وتقسيم سورية، ويطرح تصوراً لحل أزمة السويداء ومنع تحولها إلى بؤرة توتر مستمرة، يبقى نجاح هذه التفاهمات مرهوناً بالقدرة على تنفيذ ما أُعلن ميدانياً، واستجابة المجتمع المحلي لمسار المصالحة المقترح، مع بروز رفض سريع من الجهات القريبة من الشيخ حكمت الهجري، وفي ظل ترقّب قدرة الولايات المتحدة على إلزام إسرائيل بمنع تخريب الاتفاق ووقف تدخّلها في شؤون المحافظة.
تفاصيل خريطة الطريق لحل أزمة السويداء
وأعلنت وزارتا الخارجية في سورية والأردن تفاصيل خريطة طريق لحل الأزمة في السويداء، أمس الأول الثلاثاء، بعد اجتماع الشيباني والصفدي وبرّاك، والذي جاء استكمالاً لمباحثات سابقة استضافتها عمّان في 19 يوليو و12 أغسطس/آب الماضيين، بهدف تثبيت وقف إطلاق النار في السويداء، والتوصل إلى حل مستدام للتوترات التي شهدتها المحافظة في الشهور الأخيرة. ووفق البيان الصادر عن وزارتي الخارجية في سورية والأردن، فقد اعتمد المجتمعون خريطة طريق تؤكد أن السويداء جزء لا يتجزأ من سورية، وأن أبناءها مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات. وأشار البيان إلى أن تجاوز فجوة الثقة بين الحكومة والسكان يتطلب خطوات متدرجة لإعادة إدماج المحافظة بالكامل بمؤسسات الدولة.
نصت خريطة الطريق على دعوة لجنة التحقيق الدولية المستقلة إلى التحقيق في الأحداث التي شهدتها السويداء ومحاسبة جميع مرتكبي الانتهاكات
ونصت خريطة الطريق على جملة من الإجراءات، أبرزها، دعوة الحكومة السورية لجنة التحقيق الدولية المستقلة إلى التحقيق في الأحداث التي شهدتها السويداء ومحاسبة جميع مرتكبي الانتهاكات وفق القانون السوري، وضمان إيصال المساعدات الإنسانية والطبية للمحافظة بالتعاون مع الأمم المتحدة ودول أخرى، وإعادة الخدمات الأساسية للمحافظة، بدعم من الأردن والولايات المتحدة لتأمين التمويل الدولي، ونشر قوات مدربة من وزارة الداخلية على طريق السويداء ـ دمشق لضمان حرية الحركة، وسحب المقاتلين المدنيين (مقاتلي العشائر) من حدود المحافظة واستبدالهم بقوات نظامية، إضافة إلى دعم جهود الصليب الأحمر للإفراج عن جميع المحتجزين والمخطوفين واستكمال عمليات التبادل. كما نص الاتفاق على أن يدعو الأردن بالتنسيق مع الحكومة السورية، وفداً من المجتمعات المحلية في السويداء (الدروز والمسيحيون والسنّة)، ووفداً آخر من ممثلي العشائر البدوية في محافظة السويداء لاجتماعات هدفها تحقيق المصالحة، مع إعلان خطط لإعادة إعمار القرى والممتلكات المتضررة، بمساعدة أردنية وأميركية. كما تضمّن إنشاء قوة شرطية محلية تضم كل مكونات المجتمع في السويداء، على أن تكون بقيادة شخصية من أبناء المحافظة تعيّنها وزارة الداخلية السورية، إضافة إلى تشكيل مجلس محافظة يمثل مختلف المكونات، يتولى التفاعل مع الحكومة وقيادة جهود المصالحة الوطنية. وأكد البيان ضرورة إنهاء التدخل الخارجي في محافظة السويداء، وحثّ على تسهيل الوصول إلى كل الأدلة التي تدعم عمل لجنة التحقيق، بما في ذلك الجثث وشهادات الشهود وكاميرات المراقبة في المناطق التي شهدت عمليات اقتتال، والتعاون مع الحكومة السورية ولجنة التحقيق المستقلة الدولية بشأن سورية بشكل كامل، مع الاتفاق على إنشاء آلية مشتركة لمراقبة تطبيق خريطة الطريق، في إطار احترام السيادة السورية. وفي ما يخص إسرائيل، قال البيان إن الولايات المتحدة ستعمل بالتشاور مع الحكومة السورية على التوصل إلى تفاهمات أمنية مع إسرائيل بشأن الجنوب السوري، تراعي "الشواغل الأمنية المشروعة للطرفين" مع الحفاظ على سيادة سورية ووحدة أراضيها.
بالتوازي، أعلن قائد الأمن الداخلي في محافظة السويداء، العميد حسام الطحان، مساء الثلاثاء، أنّه "تم اتخاذ قرار بإعادة هيكلة الأمن العام في السويداء وتعيين معاونين"، مؤكداً أنّ المحافظة "تشهد بداية انطلاقة جديدة لحل ملفها". وأوضح الطحان، في تصريح نقلته قناة "الإخبارية السورية"، أنّ "مشاركة أبناء السويداء في مواقع القيادة تسهم في إعادة السكان إلى القرى التي نزحوا منها". كما استقبل وزير الداخلية السوري أنس خطاب أعضاء لجنة التحقيق الخاصة بأحداث السويداء في مبنى الوزارة بدمشق، وبحث معهم المعوقات التي تعترض عمل اللجنة في السويداء واستعراض السبل الكفيلة بتجاوزها.
لجنة الهجري ترفض "خريطة الطريق" في السويداء وتلوّح بحق تقرير المصير
وقوبلت خريطة الطريق المعلنة بترحيب عربي وإقليمي كبير. فقد رحبت وزارة الخارجية القطرية في بيان بالخريطة، وعدتها "خطوة مهمة تترجم الإرادة الجماعية لبناء مستقبل سورية الجديدة، وتوطيد الأمن والسلام في المنطقة". كما أكدت دعم قطر الكامل لكافة الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى تعزيز الاستقرار في سورية، بما في ذلك ترسيخ السلم الأهلي والمصالحة الوطنية، وتحقيق المساءلة والعدالة، وحماية المدنيين، وبناء دولة المؤسسات والقانون، وضمان مشاركة كافة أطياف الشعب السوري في رسم مستقبل البلاد. وفي السياق، رحبت الخارجية السعودية بخريطة الطريق المعلنة، وجددت دعم المملكة "لكافة الخطوات التي تتخذها سورية بما يحقق أمنها واستقرارها، ويحافظ على مقدراتها ووحدة أراضيها، ويساهم في بناء مؤسسات الدولة وتطبيق القانون". كما قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، في بيان، "إن خريطة الطريق تمثل خطوة مهمة على طريق استقرار الأوضاع في الجنوب السوري"، منوّهاً بما نصت عليه من أن محافظة السويداء جزء أصيل من سورية ولا مستقبل لها خارجها، وأن أبناء المحافظة مواطنون سوريون متساوون في الحقوق والواجبات. وأعربت وزارة الخارجية التركية، في بيان لها، عن ترحيبها بخريطة الطريق، مؤكدة أن تركيا ستواصل دعم الجهود الرامية إلى ضمان عيش جميع مكونات الشعب السوري في سلام وأمن واستقرار، وذلك على أساس مبادئ احترام سلامة الأراضي، والوحدة، والسيادة.
اعتراض محلي
غير أن "اللجنة القانونية العليا في السويداء"، التي شكّلها أخيراً الشيخ حكمت الهجري، أحد مشايخ عقل الموحدين الدروز في السويداء، رفضت هذا الاتفاق، واعتبرت أن "خريطة الطريق" المعلَنة هي "محاولة لفرض وصاية جديدة على المحافظة، وتجاهل لجرائم موثقة ارتكبتها القوات الحكومية بحق المدنيين". ووفق اللجنة، فإن الخريطة تحتوي "تناقضاً صارخاً"، إذ دعت إلى تحقيق دولي في الانتهاكات، ثم عادت لتؤكد أن المحاسبة ستتم وفق القانون السوري، وهو ما اعتبرته اللجنة "إفراغاً للتحقيق الدولي من مضمونه، لأن المتهم لا يمكن أن يكون القاضي". كما اتهمت اللجنة الحكومة السورية بالتنصل من مسؤوليتها عن "المجازر والانتهاكات التي طاولت آلاف المدنيين بين قتلى ومفقودين ومختطفين"، مشيرة إلى أن "إنكار المسؤولية يكرّس سياسة الإفلات من العقاب ولا يفتح طريقاً للمصالحة". كما شددت على انعدام الثقة بالقضاء الوطني الذي وصفته بأنه "مسيّس وتابع للسلطة التنفيذية". واعتبرت اللجنة أن الحديث عن تشكيل مجالس محلية وقوات شرطية مشتركة "محاولة لزرع الفتنة بين أبناء السويداء"، مؤكدة أن مثل هذه الإجراءات "لن تفضي إلا إلى تعميق الانقسام الداخلي". ورأت أن "الجرائم المرتكبة في السويداء، إلى جانب عقود من التهميش والحرمان، تمنح أبناء المحافظة الحق القانوني والأخلاقي في تقرير مصيرهم بحرية واستقلال، سواء عبر الإدارة الذاتية أو حتى الانفصال كخيار أخير لضمان أمنهم وكرامتهم". ودعت المجتمع الدولي إلى عدم الاعتراف بأي ترتيبات تُفرض قسراً على أهالي السويداء.
اعتبرت "اللجنة القانونية العليا في السويداء" أن "خريطة الطريق" المعلَنة هي "محاولة لفرض وصاية جديدة على المحافظة، وتجاهل لجرائم موثقة ارتكبتها القوات الحكومية بحق المدنيين"
وتعليقاً على ذلك، قال الكاتب المنحدر من محافظة السويداء حافظ قرقوط، في حديث مع "العربي الجديد"، إن بعض النقاط الواردة في الاتفاق جيدة ومهمة، واستندت إلى الوقائع في سورية. وحول اعتراض "اللجنة القانونية" في السويداء على خريطة الحل، قال قرقوط إن هذه اللجنة مكونة من قضاة يعرفون تفاصيل تنفيذ الاتفاق، ويجب أخذ ملاحظاتهم بالاعتبار. وأضاف "على سبيل المثال، إذا أدانت لجنة تحقيق دولية أشخاصاً بارتكاب جرائم وانتهاكات في السويداء، فإن نتائج تحقيقاتها ستقدم إلى الحكومة السورية التي ستكون هي القاضي والمتهم في الوقت نفسه. لذلك فإن اللجنة القانونية في السويداء تطالب بقضاء دولي، أو محكمة خاصة بهذه الجرائم، خاصة أن أمامنا التحقيقات التي جرت في أحداث الساحل السوري، وما تزال حتى الآن مجرد مواد إعلامية، لم تترجم على الأرض عبر محاكمات وإجراءات قانونية بحق المرتكبين".
ولفت قرقوط إلى أنه بالتوازي مع المؤتمر الصحافي الثلاثي، أوقفت حافلة على طريق السويداء وجرى إهانة الركاب على حاجز أمني تابع للدولة. كما أشار إلى أن قائد الأمن في السويداء حسام الطحان اصطحب معه الشيخين ليث البلعوس وسليمان عبد الباقي (شخصيتان درزيتان مقربتان من الحكومة السورية) في جولته على المحتجزين من أبناء السويداء. وقال "كثير من الأهالي في السويداء يعتبرون وجود الشيخ البلعوس استفزازاً مفاده أن هؤلاء من سنعيّنهم مسؤولين عليكم، خصوصاً أن هناك فيديو قبل ذلك بيوم، أعلن فيه البلعوس بشكل هزيل أنه تم تعيينه كمسؤول للأمن في السويداء". ورأى قرقوط أن الاتفاق جاء لإرضاء أطراف خارجية، وليس لتنظيم الأمور داخلياً، مشيراً إلى أنه لا توجد ثقة حتى الآن بهذا الاتفاق الذي لم يتم أخذ رأي الفاعليات في السويداء به، و"عليه فإن الرأي السائد في السويداء أن الاتفاق يتضمن مخادعة، بانتظار توضيح بعض التفاصيل أو تعديلها".
سقوط فكرة الانفصال
من جهته، لاحظ المحلل السياسي أحمد المسالمة أن الاتفاق يعكس توافقاً ثلاثياً على مقاربة متعددة الأبعاد، إنسانية عبر استمرار المساعدات، وخدمية وأمنية عبر إعادة الخدمات ونشر قوات محلية، وسياسية عبر إطلاق مسار للمصالحة. ورأى في حديث مع "العربي الجديد" أن الأردن ينظر إلى الملف من زاوية أمنية مرتبطة مباشرة بحدوده، فيما تكتفي واشنطن بدور الداعم والمراقب، في حين تسعى دمشق لإعادة تثبيت حضورها في السويداء "عبر ترتيبات محلية أقل حساسية". وقال المسالمة إن الاتفاقات المعلنة تمثل "محاولة لتطويق تداعيات أحداث السويداء ومنع تحولها إلى بؤرة توتر مستمرة. غير أن نجاح هذه التفاهمات سيبقى مرهوناً بقدرة الأطراف الثلاثة على تنفيذ ما أُعلن ميدانياً، واستجابة المجتمع المحلي في السويداء لمسار المصالحة المقترح".
بسام أبو عدنان: الاتفاق مهم لأنه يرسخ حقيقة أن انفصال السويداء وتقسيم سورية، فكرة مرفوضة محلياً وإقليمياً ودولياً
أما المحلل السياسي بسام أبو عدنان فقد اعتبر أن الاتفاق مهم لأنه يرسخ حقيقة أن "انفصال السويداء وتقسيم سورية، فكرة مرفوضة محلياً وإقليمياً ودولياً". ولفت في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن الاتفاق ينفي مزاعم (حكمت) الهجري في أوقات سابقة بأن الولايات المتحدة تدعم انفصال السويداء عن سورية، و"هو ما يجب أن يطرح تساؤلات أمام أهلنا في السويداء حول مصداقية الهجري"، وفق قوله. كما أن الاتفاق يؤكد، بحسب أبو عدنان، أن "المجتمع الدولي، ما عدا إسرائيل، يرى أن الدولة السورية هي الإطار الجامع لحل جميع القضايا الداخلية"، معتبراً أن إسرائيل "كانت تتلاعب بالشيخ الهجري، وتستخدمه كورقة ضغط على الحكومة السورية لانتزاع تنازلات في ملفات أخرى".
من جهته، لاحظ الصحافي عمار تباب أن الاتفاق لم يتطرق إلى وجود "عناصر استعانت بدول خارجية للتدخّل" ولم يوضح كيفية التعامل معها "سواء بالتجاوز والصفح أو بالمعاقبة وفق القانون السوري". كما لفت في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أن الاتفاق يثبت أن الحكومة السورية هي "الراعية للقوى المدنية المقاتلة، باعتبار أنها تلتزم بسحبها وإعادة نشر قوى بديلة، وبذلك تكون الحكومة قد أقرت قبيل التحقيقات بضلوعها بهذه الجرائم المدروسة". ورأى أن الحكومة السورية "ما زالت تفتقر لخبراء قانونيين دوليين" يلفتون نظرها إلى مثل هذه الثغرات، معتبراً أن إقصاء الخبرات ربما يدعم جهود البعض بتوجيه أصابع الاتهام إليها في بعض الجرائم.