الرئيسة \
تقارير \ حول واجب تحسين القيمة الحقيقية لليرة السورية ورفع مستوى معيشة السوريين
حول واجب تحسين القيمة الحقيقية لليرة السورية ورفع مستوى معيشة السوريين
28.05.2025
د. عبد المنعم حلبي
حول واجب تحسين القيمة الحقيقية لليرة السورية ورفع مستوى معيشة السوريين
د. عبد المنعم حلبي
سوريا تي في
الثلاثاء 27/5/2025
بعد القرارين اللذين وُصِفا بالتاريخيين حول رفع العقوبات الأميركية ثم الأوروبية، ثم صدور الرخصة 25 المتضمنة تعليقا لستة أشهر لعقوبات قيصر عن مجموعة من المؤسسات المصرفية والاقتصادية السورية، بقيت الأنظار تركز على واقع حركة مرنة لسعر صرف الدولار في السوق الموازية، مقابل تثبيته عند مستوى أحد عشر ألفاً وفق نشرة أسعار الصرف الرسمية الصادرة عن مصرف سوريا المركزي، الأمر الذي طرح أسئلة حول مدى رغبة المركزي في التفاعل بصورة إيجابية مع الأثر النفسي الكبير لهذه القرارات المهمة، كباكورة لإطلاق نشاط حكومي دؤوب لتأمين آليات عمل تؤدي إلى ارتفاع القيمة الحقيقية لليرة السورية، وبالتالي العمل على تحسين متناسب مع هذا الارتفاع في حياة المواطنين، أمام استمرار أزمة السيولة.
وهكذا، وبُعيد إعلان ترمب التاريخي في يوم الثلاثاء الثالث عشر من أيار، لاحظنا جميعاً الفارق الكبير في الاستجابة بالانخفاض في سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية بين السوق الموازية (حيث انخفض بمقدار الثُلث عند مستوى ثمانية آلاف ليرة) ونشرة أسعار مصرف سوريا المركزي (التي تضمنت تخفيضاً لسعر صرف الدولار بأقل من عشرة بالمئة عند مستوى أحد عشر ألفاً للدولار).
وبعد أيامٍ من التذبذب بهوامش واسعة بدأ الاستقرار يعود لسعر صرف الدولار الموازي عند مستوى عشرة آلاف ليرة سورية، على وقع تصريحات أدلى بها حاكم مصرف سوريا المركزي ووزير المالية حول موضوعي تلقي عروض لطباعة العملة السورية، ووجود نوايا باستبدالها. قبل أن يتراجع الأول عن تصريحاته ويؤكد على بقاء الاتفاق مع روسيا سارياً، بينما أشار وزير المالية إلى أن استبدال العملة هو تحت الدراسة.
هذه الدولرة شاعت في مختلف المعاملات الجارية في سوق السلع والخدمات الداخلية، حيث يترسَّخ الدولار كعملة تداول في المدن الكبرى المحررة مع سقوط النظام في عقود الإيجار والبيع لمختلف العقارات السكنية والتجارية.
في الأسبوع التالي، ويوم الثلاثاء أيضاً، العشرون من أيار الجاري، قام الاتحاد الأوروبي برفع كامل العقوبات الأوروبية المفروضة على سوريا، في إعلان لا يقل أهمية أو تاريخيةً عن إعلان ترمب، وتحت العنوان نفسه وهو إعطاء الفرصة لسوريا والسوريين ببناء دولة مستقرة وآمنة، ولكن نشرة أسعار المصرف خلال يومي الأربعاء والخميس التاليين لم تتضمن أي جديد. لتكتمل الصورة بالنسبة لرؤية المصرف حول سعر صرف الدولار في نشرته يوم الأحد الخامس والعشرين من أيار، حيث بقي ثابتاً رغم إصدار الرخصة 25 المشار إليها حول تعليق عقوبات قيصر الأهم والأكثر ثفلاً على الاقتصاد السوري، في ظل تذبذبات السوق الموازية دون العشرة آلاف.
كل تلك التطورات وما رافقها من تحليلات وآراء على وسائل الإعلام أشارت بشكل واضح إلى بروز تعارضٍ حادٍ في المصالح بين سعري صرف الدولار الرسمي والموازي، ما لبثت أن سُمعت أصداؤه قوية على وسائل التواصل الاجتماعي بين المؤيدين لأحد السعرين، في مدى قُرب أيٍ منهما من السعر العادل.
وفي تفاصيل تلك التجاذبات تحدث محللون واستشاريون تابعون للحكومة عن سعر السوق الموازية ووصفوه بالوهمي، وأنه ناتج عن مضاربات تستهدف تحقيق أرباح سريعة، كما عبر الكثير من السوريين عن مخاوفهم من تطورات السعر الموازي، وهم في غالبهم مرتبطون بالدولار الأميركي ادخاراً أو استثماراً، أو عبر تلقي المساعدات عبر الحدود، وهي على الترتيب مخاوف من ضياع غير حقيقي لقيمة مدخراتهم أو أرقام أعمالهم، أو انحدار قيمة المساعدات التي يتلقونها عن تأدية المستوى المعيشي الذي كانت تؤمنه لهم. بينما اعتبر بعض المحللين وقطاع واسع من السوريين أن ارتفاع الليرة السورية أمر طبيعي، وأن المستويات العالية لارتفاع قيمتها في السوق الموازية يتضمن جزءاً واقعياً قد يكون مهماً في إطار الثقة المتولدة بمستقبلها، مع وجود مطالبات بأن تقوم الحكومة والمصرف المركزي بالعمل على نقل آثار ذلك التحسن "المفترض" إلى واقع معاش في سوق السلع والخدمات.
وفي الواقع فإن إبقاء سعر صرف الدولار مرتفعاً، تحت مبرر عدم وجود زيادة حقيقية في الإنتاج، فيه استهانة بالجانب النفسي لفرصة استعادة الليرة السورية الثقة من جديد فيما يتعلق بعودتها إلى خيارات الادخار للمواطن السوري، ويخفف من واقع الدولرة غير المسبوق.
هذه الدولرة شاعت في مختلف المعاملات الجارية في سوق السلع والخدمات الداخلية، حيث يترسَّخ الدولار كعملة تداول في المدن الكبرى المحررة مع سقوط النظام في عقود الإيجار والبيع لمختلف العقارات السكنية والتجارية، والتي يتم تداولها بأسعار مرتفعة وباهظة جداً، كما يتم اعتماد الدولار وفق السعر الأعلى كمُرجّح لتحديد أسعار مختلف السلع بما فيها المحلية المنشأ على مستويي الجملة والتجزئة.
ومع استمرار حركة الاستيراد الكبيرة دون إشارات مؤثرة بوجود ضبط قريب لها، يُلاحظ استمرار غياب الليرة السورية عن أسواق إدلب ومناطق سيطرة حكومة الإنقاذ السابقة، إضافة إلى مناطق إدارة الجيش الوطني والحكومة المؤقتة سابقاً، ولا يُعرف واقع العلاقة بين الدولار والليرة السورية في مناطق سيطرة قسد والإدارة الذاتية، وبالتأكيد فإن استمرار هذا الوضع سيبقى مؤثراً على واقع الليرة السورية في المستقبل.
دعم وتدخل يشمل تطبيق آليات العمل اللازمة لإنجاز مسؤولية تخفيف صعوبات المعيشة على المواطنين السوريين، وضبط الاستيراد لصالح المنتج المحلي وإتاحة الفرصة أمام السوريين لاستعادة مصادر كسبهم المعيشي في إطار مشاريعهم الصناعية بمختلف أحجامها.
وأمام هذا المشهد المعقد، فإن انتقال الليرة السورية لتأدية وظائفها المرتبطة بالثقة المديدة في الادخار واعتمادها في تسوية المدفوعات الآجلة، ودخولها في حسابات التسعير على مستويي الجملة ونصف الجملة، ناهيك عن أسعار التجزئة، سيبقى بعيداً على ما يبدو، الأمر الذي سيشكل عنصر ضغط كبير على الواقع المعيشي في البلاد، في ظل سياسات الاستيراد المنفتحة المعمول بها والمتوقع استمرارها في ظل تدخلات سياسية، وبالتالي وجود حالةٍ من عدم اليقين في القدرة على النهوض بالصناعات المحلية القابلة للمنافسة المحلية أو التصدير، ودعم المنتجات الزراعية الاستراتيجية وإدماجها في الاقتصاد الوطني.
وفي الواقع فإن جمود المصرف المركزي عن التحرك في دعم الليرة السورية قد يُفهم بعدم وجود رغبة أو إمكانية حكومية لاستعادة آليات عمل حماية المستهلك وضبط السوق الداخلية، سواء على مستوى تفعيل فرق المراقبة التموينية أو حتى نشر أسعار استرشادية، أو أي رسائل إعلامية ذات قيمة معنوية أو سلوكية، أو أي إجراءات ملموسة فعلاً لمعالجة فوضى الاستيراد والتي يمكن عبرها المساهمة الفعلية في إطلاق عملية الإنتاج في مدن صناعية بدأ في إحداها الأسبوع الماضي أول حراكٍ مطالبٍ باتخاذ ما يجب لحماية الصناعة الوطنية.
وإذا ما ختمنا بالتذكير بأن قراري ترمب والاتحاد الأوروبي والرخصة 25، كان عنوانها وغايتها المعلنة منح السوريين الفرصة لبدء حياة أفضل في بلادهم، فإنه من البديهي أن ذلك لن يتحقق من دون تدخل وتنسيق نوعي بين أعضاء الفريق الاقتصادي الوزاري والمصرفي دعماً للعملة الوطنية التي كانت ضحية حقيقية لحرب امتدت لاثنتي عشرة سنة، ونزعم أنها لم تتلق حتى الآن الدعم اللازم الموازي للتخفيف المستمر للعقوبات، وبما يؤدي إلى زيادة القيمة الحقيقية لها وفق الإمكانيات المتاحة من أدوات السياسة النقدية، وبالتالي المساهمة بشكل مباشر في حل مشكلة السيولة التي تعاني منها البلاد، دعم وتدخل يشمل تطبيق آليات العمل اللازمة لإنجاز مسؤولية تخفيف صعوبات المعيشة على المواطنين السوريين، وضبط الاستيراد لصالح المنتج المحلي وإتاحة الفرصة أمام السوريين لاستعادة مصادر كسبهم المعيشي في إطار مشاريعهم الصناعية بمختلف أحجامها، والقادرة على إحلال الواردات والقيام بالتصدير، وصولاً إلى المساهمة في تحقيق النمو، الذي ينتظره مسؤولو الحكومة ومستشاروها للوثوق بقيمة الليرة في السوق.