الرئيسة \  تقارير  \  حكومة الشرع ومستقبل مسار التطبيع مع اسرائيل

حكومة الشرع ومستقبل مسار التطبيع مع اسرائيل

08.07.2025
صادق الطائي



حكومة الشرع ومستقبل مسار التطبيع مع اسرائيل
صادق الطائي
القدس العربي
الاثنين 7/7/2025
منذ سقوط نظام بشار الأسد، دخلت سوريا مرحلة سياسية جديدة غير مسبوقة، فقد تمكنت قوى المعارضة الجهادية بقيادة “هيئة تحرير الشام” من فرض سيطرتها على دمشق، وأُعلن عن تشكيل حكومة انتقالية برئاسة أحمد الشرع القيادي البارز في الهيئة. هذا التحول العميق فتح أبواب تساؤلات عديدة، أبرزها: هل تسير سوريا الجديدة نحو تطبيع محتمل مع إسرائيل تحت ضغط أمريكي؟ وما هي فرص وحدود هذا المسار في ظل الخلفية العقائدية للإدارة الجديدة؟
من اللحظة الأولى، كان واضحا أن المجتمع الدولي، وتحديدا الولايات المتحدة، لن يعترف بالحكم الجديد في سوريا دون شروط سياسية واضحة، على رأسها: محاربة الإرهاب وفك الارتباط بتنظيم “القاعدة”، وحماية الأقليات وضمان الحقوق المدنية والدستورية. والاستعداد للدخول في تسوية إقليمية تشمل ملف إسرائيل.
في هذا السياق، لا ينفصل التطبيع مع إسرائيل عن مشروع إعادة تأهيل النظام الجديد دبلوماسيا واقتصاديا، فمن وجهة نظر واشنطن، أن أي حكومة سورية – مهما كان ماضيها – يمكن أن تُقبل في المجتمع الدولي، إذا قدّمت ضمانات أمنية لإسرائيل، وابتعدت عن مشاريع العداء الأيديولوجي. وفي هذا المضمار كتب لازار بيرمان في صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” يوم الاثنين 30 يونيو، أن مسؤولا إسرائيليا رفيعا قال؛ إن إسرائيل وسوريا تجريان “محادثات متقدمة” بشأن اتفاق ثنائي لوقف الأعمال العدائية بين البلدين. وتركّز هذه الاتصالات على التنسيق في المسائل الأمنية، وفقا للمسؤول، الذي رفض التكهّن بموعد إمكانية التوصل إلى اتفاق سلام كامل بين الدولتين. وقال المسؤول: “هل يمكن أن يتطور الأمر إلى شيء يتجاوز الترتيبات الأمنية سنرى؟ حتى الآن، لا يوجد شيء ملموس”. وأضاف: “هناك بالتأكيد طموح لتوسيع اتفاقيات إبراهام، وليس سرا أننا نريد أن نرى سوريا ضمنها، وربما تكون هناك فرصة”.
ظلت سوريا وإسرائيل، على طرفي نقيض في صراعات الشرق الأوسط لعقود، بما في ذلك مواجهات ومعارك ضارية منذ حرب عام 1948 وحتى حرب لبنان الأولى عام 1982. وبعد أن فرّ الرئيس السوري السابق بشار الاسد في ديسمبر 2024 حرص الحكام (الإسلاميون) الجدد في دمشق، على الظهور بمظهر معتدل أمام الغرب. لكن رد فعل إسرائيل في بداية التغيير في سوريا كان متحفزا، إذ وصفت الحكام الجدد في سوريا بأنهم (إرهابيون) بسبب ارتباطهم السابق بـ”القاعدة”، وشنت حملة جوية شرسة ضد ما قالت إنه أهداف عسكرية. لكن ما لبثت الأعمال العدائية أن خفت منذ منتصف مايو السابق، عندما رفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العقوبات عن سوريا، والتقى الرئيس أحمد الشرع في الرياض، في خطوة أنهت عقودا من سياسة واشنطن العدائية والمتعنتة تجاه دمشق. وحسب دبلوماسي أوروبي، صرح بأن مسؤولين سوريين كانوا قد أرسلوا إشارات للتفاوض مع إسرائيل في أبريل الماضي، عبر عدة دول أوروبية، بما في ذلك سويسرا، لكن الولايات المتحدة تولت زمام الوساطة، لذلك يمكننا أن نلاحظ أن حكومة نتنياهو في البداية تبنت موقفا عدائيا تجاه النظام السوري الجديد، لكن في الأسابيع الأخيرة تغيّر الخطاب في ظل الجهود الأمريكية، لإبرام اتفاق بين البلدين.
الضغوط الأمريكية والإقليمية، قد تدفع حكومة أحمد الشرع إلى تبني سياسات مرنة وتفاهمات ضمنية تضمن لها البقاء والشرعية، ولو دون اعتراف رسمي بإسرائيل
ويقود مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي المفاوضات عن الجانب الإسرائيلي، وقد أكد الأسبوع الماضي أن إسرائيل والنظام السوري على تواصل مباشر يومي، ويناقشان مسارات التطبيع المقبلة بين البلدين. وفي مؤتمر صحافي يوم الاثنين 30 يونيو، قال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، إنه في أي اتفاق سلام محتمل مع سوريا “ستبقى هضبة الجولان جزءا من دولة إسرائيل”. وكانت إسرائيل قد احتلت هضبة الجولان الاستراتيجية في عام 1967 وأصدرت قانونا بضمها فعليا عام 1981. وإبان ولايته الرئاسية الأولى بارك هذا الضم واعترف به رسميا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وقد ذكرت قناة (LBCI) اللبنانية، أن سوريا الشرع لا تطالب بعودة الجولان في أي اتفاق محتمل، وإنما تسعى للاعتراف الإسرائيلي بالنظام الجديد، وانسحاب القوات الإسرائيلية من الجنوب السوري، وترتيبات أمنية محددة، وإن كل ذلك يتم بدعم أمريكي، لم تتضح تفاصيله الكاملة بعد. من جانبه أكد مسؤول سوري لتلفزيون (كان) الإسرائيلي، أن قضية الجولان “لم تُطرح بعد على طاولة المفاوضات”، موضحا أن الشاغل الرئيسي الآن هو انسحاب القوات الإسرائيلية من المنطقة العازلة في الجنوب. وأضاف: “الاتصال بين إسرائيل وسوريا قد يكون ذا مغزى كبير، والحكومة الحالية في دمشق تعارض إيران ووكلاءها: حزب الله وحماس”. وهنا يجب أن نسلط الضوء على الدور التركي والدور الخليجي، في معادلة التطبيع المقبلة، فيمكننا القول إن تركيا، التي كانت الداعم الأكبر لفصائل المعارضة السورية، تحتفظ بعلاقات معقدة مع “هيئة تحرير الشام”، رغم تصنيف الأخيرة كجماعة إرهابية. لكنها، في السنوات الأخيرة، لعبت دورا محوريا في احتواء هذه الهيئة، وتحويلها من قوة صِدامية إلى كيان أكثر انضباطا، خاصة في إدلب. ومع صعود نجم حكومة أحمد الشرع، بات من المرجّح أن تقوم تركيا بدور الوسيط في عدة اتجاهات، أهمها الوساطة الأمنية بين سوريا الجديدة وإسرائيل عبر قنوات غير رسمية لضمان الهدوء على الحدود الجنوبية، وضبط أي نشاط يُعد تهديدا لسوريا الشرع. كذلك يمكن لتركيا أن تلعب دور الراعية للتفاهمات الدولية حول إعادة الإعمار، باستخدام نفوذها لدى واشنطن وأوروبا، حيث يمكن لأنقرة أن تقدم نفسها كضامن لتحوّل هيئة تحرير الشام من “جهادية إلى إسلام سياسي براغماتي شبيه بتجربة طالبان، أو حماس في مراحل معينة. ومع ذلك، ستحرص تركيا على ألّا يتم التطبيع بشكل يُضعف أوراقها الإقليمية، خاصة أن علاقتها بإسرائيل في تحسّن تدريجي بعد سنوات من القطيعة.
أما الدور الخليجي في مسار التطبيع بين دمشق وتل أبيب، فقد بدا وكأنه يراوح بين الواقعية الإماراتية والحذر السعودي. فالإمارات تمثل نموذجا لاستراتيجية “التطبيع مقابل النفوذ”، كما فعلت مع إسرائيل منذ 2020. وفي حال رأت أبوظبي فرصة لدمج سوريا في الترتيب الإقليمي الجديد، فقد تدعم مشاريع اقتصادية مشتركة في الجنوب السوري، بشراكة إسرائيلية، لتشجيع الاستقرار. وتستخدم نفوذها المالي للضغط على حكومة الشرع لتقديم تنازلات واقعية، بما فيها التخلي عن الخطاب العدائي لإسرائيل. أما الرياض فتبدو أكثر حذرا، خاصة بسبب حساسية الملف الإسلامي السلفي، وجذور هيئة تحرير الشام، لكنها إن رأت أن حكومة الشرع قادرة على توفير بيئة مستقرة خالية من النفوذ الإيراني، فقد تدعمها “ضمنيا” بشرط وجود مظلة عربية وازنة. ومع تحوّل سياستها الخارجية إلى نهج الدبلوماسية الوقائية، فإن الرياض قد تبارك التطبيع إن كان يضمن مصالح الأمن الإقليمي.
وتظل العلاقة بين سوريا الشرع وإسرائيل مرهونة بجملة عوامل إقليمية معقدة. ورغم الخلفية الأيديولوجية للحكومة الجديدة في دمشق، فإن ضغوط الواقع السياسي، والرغبة في النجاة من العزلة، والوسطاء الإقليميين النشيطين، قد تفتح الباب لتفاهمات غير تقليدية، تبدأ من بوابة الأمن والاقتصاد لا السياسة. عند تقاطع المصالح التركية والخليجية والإسرائيلية، قد تُعاد صياغة “التطبيع” في سوريا، لكن بلغة تختلف تماما عن اتفاقيات إبراهام، وربما تحت تسميات أخرى. ورغم التناقض الظاهري بين أيديولوجيا “هيئة تحرير الشام” الجهادية السلفية ومفهوم التطبيع مع إسرائيل، إلا أن السياسة في الشرق الأوسط لا تعرف الثوابت الصلبة. وإن الضغوط الأمريكية والإقليمية، قد تدفع حكومة أحمد الشرع إلى تبني سياسات مرنة وتفاهمات ضمنية تضمن لها البقاء والشرعية، ولو دون اعتراف رسمي بإسرائيل. وبين البراغماتية الدينية والحسابات الجيوسياسية، سيكون شكل العلاقة بين سوريا الجديدة وإسرائيل جزءا من ترتيبات إقليمية أوسع تتجاوز الأسماء والرايات.