الرئيسة \
تقارير \ حاجات السوريين... أزمة تتجاوز إمكانيات الدولة والمساعدات المحدودة
حاجات السوريين... أزمة تتجاوز إمكانيات الدولة والمساعدات المحدودة
07.09.2025
نور ملحم
حاجات السوريين... أزمة تتجاوز إمكانيات الدولة والمساعدات المحدودة
نور ملحم
العربي الجديد 6/9/2025
لم تعد المساعدات المحدودة مجرد مساندة مؤقتة بالنسبة لمئات آلاف العائلات السورية، بل وسيلة للبقاء، خاصة مع ارتفاع الأسعار والبطالة ونقص الموارد وتقلص الدعم الدولي وتراكم الأزمات.
تحت أشعة الشمس الحارقة تقف فاطمة العزيز (45 سنة) رفقة أطفالها الثلاثة، أمام مدخل جمعية خيرية في ريف دمشق، بانتظار دورها للحصول على سلّة غذائية. تمسح عرق جبينها بيدٍ، وتمسك طفلها بيدها الأخرى كي لا يضيع وسط الزحام.
وتقول فاطمة (أم محمد) لـ"العربي الجديد": "المساعدات التي نتلقاها لا تكفي، لكنها تساعدنا على الصمود. زوجي مريض لا يعمل، وأنا أبحث عن أي فرصة، ولو حتى في تنظيف المنازل، لكن الفرص معدومة. حتى في الصيف لا نملك براداً لحفظ الطعام، وأحياناً يفسد الأكل قبل أن نطبخه، وحتى لو امتلكنا البراد تبقى المشكلة بانقطاع التيار الكهربائي. نعيش على القليل، ونحسب كل لقمة يأكلها أطفالنا".
أما في حلب شمالي سورية، فيعيش بسام عبد المنعم (53 سنة) مع زوجته وأولاده في منزل نصفه مهدّم بلا سقف، يغطّونه بقطع من القماش والبلاستيك للاحتماء من الشمس. وعلى الرغم من حصوله على دعم نقدي بسيط من إحدى الجمعيات المحلية، لكنه بالكاد يغطي تكاليف الخبز والدواء. ويقول بسام (أبو أحمد) لـ"العربي الجديد": "المساعدات تبقينا على قيد الحياة، لكنها لا تغيّر حياتنا. وكل يوم أحسب الأمور ويتكرّر في ذهني السؤال ذاته، هل أشتري الدواء لزوجتي المريضة أم الخبز لأولادنا الجائعين؟ وقد فاقم فصل الصيف من معاناتنا، إذ إنّ الحرّ شديد والمياه محدودة، وحتى شراء الثلج لحفظ الطعام أصبح رفاهية قياساً بقدراتنا المادية".
في أحد المخيّمات قرب إدلب شمال غربي سورية، تجلس أم خالد (37 سنة) مع أطفالها الثلاثة في خيمة مهترئة تزداد حرارتها مع شروق الشمس، وتروي لـ"العربي الجديد" تفاصيل معاناتها، قائلةً: "نستيقظ فجراً قبل أن تشتدّ الحرارة، ننتظر صهريج المياه الذي قد يأتي مرة كل ثلاثة أيام. أطفالي يمرضون من قلة النظافة وشدّة الحرّ، بينما تبقى المساعدات ضئيلة. الصيف عندنا أصعب من الشتاء، لا ظلّ ولا مياه باردة ولا حتى مروحة كهربائية. حتى الاستحمام صار صعباً، كما أن الانقطاع المستمر في التيار الكهربائي يعطّل إمكانية تشغيل أي جهاز تبريد".
قصص المعاناة اليومية ليست استثناءً، إنما تعكس واقع مئات آلاف العائلات السورية التي لم تعد المساعدات مجرد مساندة مؤقتة بالنسبة لها، بل وسيلة أساسية للصمود والبقاء، خصوصاً مع الصيف الحار وارتفاع الأسعار ونقص الموارد الأساسية. وتواصل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في سورية وضع خطط وبرامج تستهدف تحسين الوضع المعيشي للعائلات الأكثر هشاشة في المجتمع السوري، ولا سيّما الأيتام والمسنّين وذوي الاحتياجات الخاصة والأسر الفقيرة التي باتت تشكل الغالبية العظمى من السوريين.
يقول معاون وزير الشؤون الاجتماعية، بهجت حجار، لـ"العربي الجديد": "أكثر من 90% من الشعب السوري يعيش اليوم تحت خط الفقر، ولدينا أكثر من مليون ونصف مليون نازح داخلي لا زالوا يعيشون في المخيّمات، أغلبها في الشمال السوري، أضف إلى مناطق أخرى في البلاد، كما أن حجم الاحتياجات يتجاوز إمكانيات الدولة السورية التي تسخّر كل ما لديها من أجل تأمين المساعدات، لكنّ العبء كبير جداً، وعلى المجتمع الدولي أن يتحمّل مسؤوليته بدعم السوريين".
ويضيف حجار: "نحو 10 ملايين مواطن بحاجة ماسّة إلى المساعدات، ولقد كان ضرورياً الانتقال من مرحلة الاستجابة الطارئة إلى مرحلة المشاريع التنموية التي تركز على تأمين فرص العمل ودعم الخدمات الأساسية، مثل التعليم والصحة والطاقة، إلى جانب برامج مرتبطة بإعادة الإعمار في ظل الدمار الكبير الذي لحق بالبنية التحتية".
بالمقابل، يشير أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق الدكتور زياد عربش، إلى أن الوضع الاقتصادي الراهن يعكس تراكم أزمات مستمرة منذ سنوات، بدءاً من تراجع الإنتاج المحلي في قطاعَي الزراعة والصناعة، إلى انخفاض قيمة الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية، وارتفاع معدلات التضخم على نحوٍ متسارع. كل ذلك أدّى إلى تآكل القدرة الشرائية للأسر، وأصبح جزءٌ كبير من السكان غير قادر على تلبية أبسط احتياجاته اليومية من طعام ودواء وسكن.
ويرى عربش أن تفاقم الأزمات الاقتصادية أدّى إلى زيادة معدلات البطالة بين الشباب والنساء، مشيراً إلى أن نسبة البطالة تجاوزت 50% في بعض المناطق، بينما يعتمد جزء كبير من السكان على الاقتصاد غير الرسمي والمعاملات اليومية للبقاء على قيد الحياة. ويشير إلى أن غياب السياسات الاقتصادية الداعمة للأسر الفقيرة واستمرار ضعف البنية التحتية للخدمات الأساسية، مثل الكهرباء والماء والنقل، زاد من هشاشة المجتمع، وجعل الملايين عرضة لمستويات أعلى من الفقر.
ويتابع الخبير الاقتصادي: "المساعدات الغذائية والنقدية تحافظ على الحد الأدنى من الحياة اليومية للأسر، لكنّها لا تعيد إنتاج الدخل أو توفّر فرص عمل مستدامة، لذلك فإن أي خطة إنسانية يجب أن تترافق مع برامج تنموية تعيد للأسر قدرتها على الإنتاج والاكتفاء الذاتي. ومن دون معالجة الأبعاد الاقتصادية، ستظلّ الأزمة الإنسانية متكررة ومتفاقمة".
وخلال السنوات الأربع الماضية، تراجع حجم المساعدات المقدّمة إلى سورية على نحوٍ ملحوظ، إذ انخفضت مساهمات المانحين تدريجياً، عاماً بعد عام، نتيجة تغيّر عقلية المانحين والرغبة في تقليص المساعدات التقليدية. ويرى حجار أن "الاعتماد المستمر على السلال الغذائية والدعم المباشر خلق نوعاً من الاتكالية لدى بعض الفئات، في حين أن الشعب السوري منتج، وما يحتاجه اليوم هو فرص عمل ومشاريع صغيرة ومتوسطة تساهم في إعادة تدوير عجلة الاقتصاد".
ويزداد الملف الإنساني في سورية تعقيداً مع الأزمات المتلاحقة، من تراجع قطاعَي الزراعة والصناعة إلى تفاقم حدّة الحرائق التي ألحقت خسائر جسيمة، الأمر الذي ضاعف انعدام الأمن الغذائي. وبحسب تقرير برنامج الأغذية العالمي لعام 2024، فإنّ 12.9 مليون سوري (نحو 13 مليوناً) يعانون من انعدام الأمن الغذائي، أي أكثر من نصف السكان، بما في ذلك 3.1 ملايين شخص يعانون انعدام الأمن الغذائي الشديد، كما وصلت معدلات سوء التغذية لدى الأمهات وسوء التغذية الحاد لدى الأطفال دون سن الخامسة إلى مستويات طوارئ عالمية.
موجة الحر تفاقم معاناة السوريين وسط أزمة مياه وكهرباء
وكانت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أشارت في مارس/ آذار 2025 إلى وجود أكثر من 7.4 ملايين نازح سوري داخل البلاد، يعيش قسم كبير منهم في ظروف صعبة داخل المخيّمات أو المساكن المؤقتة، وإلى أن النازحين السوريين شمال غربي البلاد، وعددهم 3.4 ملايين شخص من أصل 7.4 ملايين نازح في شتى أنحاء سورية، قد تجددت آمالهم بالعودة إلى ديارهم بعد سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، بعد 14 عاماً من الصراع والأزمة. فيما يواجه اللاجئون السوريون خارج البلاد ضغوطاً اقتصادية ومعيشية مشابهة، مع تراجع حجم التمويل المخصّص لخطط الاستجابة الإقليمية.
ورغم الصعوبات السياسية والاقتصادية، تمكّنت وزارة الشؤون الاجتماعية، وفق معاون الوزير، من إيصال مساعدات محدودة، بالتعاون مع الهلال الأحمر العربي السوري وبعض المنظمات الدولية، إلى مناطق مثل السويداء التي تأثرت في الآونة الأخيرة بالأوضاع الأمنية والمعيشية، ويختم حجار بالقول: "المرحلة المقبلة تتطلب شراكة حقيقية بين الدولة السورية والمنظمات الدولية والمجتمع المدني، حتى لا تبقى المساعدات مجرّد حلول مؤقتة، بل تتحول إلى أدوات للتنمية المستدامة ودعم الاقتصاد الوطني".
وعلى الرغم من التراجع الملحوظ في حجم الدعم الدولي، لا زالت منظمات دولية إنسانية، مثل برنامج الأغذية العالمي، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، إلى جانب الهلال الأحمر العربي السوري وجمعيات محلية، تقدم مساعدات أساسية لملايين السوريين داخل البلاد وخارجها. غير أن هذه الجهود تبقى جزئية ومحدودة أمام الاحتياجات الهائلة، في وقت تزداد فيه ضغوط الحياة على السوريين، وسط تكرّر الأزمات والأحداث الأمنية، أضف إلى تبعات الحرب السورية.