الرئيسة \
تقارير \ جريمة الدويلعة ... أول عمل إرهابي ضد كنيسة دمشقية منذ 165 سنة
جريمة الدويلعة ... أول عمل إرهابي ضد كنيسة دمشقية منذ 165 سنة
25.06.2025
سامي مبيض
جريمة الدويلعة ... أول عمل إرهابي ضد كنيسة دمشقية منذ 165 سنة
سامي مبيض
المجلة
الثلاثاء 24/6/2025
تعرضت كنيسة مار إلياس في منطقة الدويلعة إلى تفجير إرهابي، هو الأول من نوعه منذ عام 1860. وقد وجه الإعلام السوري أصابع الاتهام إلى تنظيم "داعش"، وأدت العملية الانتحارية إلى مقتل 13 مواطنا سورياً حتى الساعة، في أكبر تحدٍ للرئيس أحمد الشرع منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي.
لا يوجد إحصاء لعدد سكان سوريا منذ عام 2011، بعد تجهير الملايين ومقتل مئات الآلاف في المعارك والسجون، ناهيك عن المفقودين ومكتومي القيد والذين ولدوا في مخيمات اللجوء ولم يسجلوا بعد في السجلات السورية. ولكن عدد المسيحيين قد تراجع من 10 في المئة من إجمالي السكان قبل عام 2011 إلى 2 في المئة اليوم، وقد يؤدي هذا التفجير إلى تراجعهم أكثر فأكثر في الأشهر والسنوات المقبلة، مع أن السلطات السورية كانت حريصة جدا على حمايتهم خلال أعياد عيد الفصح الأخيرة، حيث لم يسجل أي اعتداء ضدهم لا في دمشق ولا في بقية المدن السورية.
فتنة عام 1860
حادثة اليوم تعيد إلى الأذهان ما عرف بفتنة عام 1860، يوم داهم الغوغاء الحي المسيحي داخل مدينة دمشق، ليحرقوه ويدمروه بالكامل. كان ذلك بعد اندلاع الفتنة الأصلية في جبل لبنان ذلك العام، بين المسيحيين الموارنة والدروز. بدأت هذه الأحداث الدامية بدمشق مع دخول فتيان المسلمين إلى منطقة باب توما في 7 يوليو/تموز 1860 ورسمهم الصلبان على الأراضي ودوسها بأقدامهم، ما أدى إلى اعتقالهم وإجبارهم على تكنيس الشوارع التي عبثوا بها. صاح أحد الأهالي: "يا مسلمين، يا أمة محمد، المسلمون يكنسون حارة النصارى". اشتد الصراخ والعويل وردّ الجمع بصوت واحد: "يا غيرة الدين" في هذه الأثناء كان الأشقياء و"الزعران" والمرتزقة يتدفقون على منطقة باب توما من كل حدبٍ وصوب، وقد وصل عددهم إلى عشرين ألفا، بالتزامن مع انسحاب القوات العثمانية النظامية من الحيّ المسيحي. في غضون أسبوع، قتل 5000 مسيحي في دمشق، ما بين وافد من لبنان أو ساكن أصلي. أحرقوا جميع الكنائس وتهجموا على الرهبان وقتلوا ثمانية منهم في الساعات الأولى، ثم تهجموا على القنصليات والبعثات التبشيرية البروتستانتية والكاثوليكية، ودير الرهبان الإسباني ودير العازارية الفرنسي والمدرسة الآسية ومقر "أخوات الرحمة" للراهبات، المؤسس قبل أشهر قليلة في دمشق بدعم ماليّ من الإمبراطور نابليون الثالث. إضافة إلى الكنيسة المريمية، هُدم مصلى حنانيا الشهير، ودُمرت كنيسة سلطانة العالم للأرمن الكاثوليك في باب توما، وكنيسة سيدة النياح للروم الكاثوليك في حارة الزيتون، وكنيسة القديس منصور للآباء العازاريين في باب توما، وكنيسة القديس بولس المجاورة لدير الرهبان الفرانسيسكان، وكاتدرائية القديس أنطونيوس المارونية في باب توما، وكنيسة القديس بولس للسريان الكاثوليك في باب شرقي، وكنيسة القديس سركيس للأرمن الأرثوذكس في باب شرقي أيضا. ووصلت يد الإجرام إلى ريف دمشق، حيث دُمرت ثلاثة بيوت مسيحية في وادي بردى، وقُتل خمسة مسيحيين في بلودان وحُرق 52 منزلا. تكرر المشهد ذاته في دمر والهامة وفي معرة صيدنايا وقرية معرونة التي ذُبح 15 من شبابها المسيحيين. وحدهم مسيحيو سرغايا نجوا من الموت بمساعدة أحد الأعيان المسلمين، كما لم يتعرض أحد، لا إلى المسيحيين ولا إلى الكنائس في حي الميدان، خارج سور دمشق.
نشطت بعد عام 1860 عمليات إعادة إعمار الكنائس المدمرة في دمشق، تلتها حركة خجولة لبناء كنائس جديدة، بهدف استعادة الهوية المسيحية وتدعيمها
فتح الأمير عبد القادر الجزائري أبواب داره في حي العمارة خلف الجامع الأموي، لاستقبال المسيحيين الهاربين من المجزرة. كان الأمير الجزائري نزيل دمشق منذ خمسينات القرن التاسع عشر وقد سانده في حماية المسيحيين عدد من الوجهاء المسلمين بفتح دورهم أيضا مثل صالح آغا المهايني، وصالح الموصلي، وعبد اللّه العمادي (شقيق جد وزير الاقتصاد محمد العمادي) وسعيد آغا النوري وعمر آغا العابد (الجد الأكبر لأول رئيس جمهورية محمد علي العابد) والمفتي محمود الحمزاوي (جد الشاعر خليل مردم بك)، والتاجر عثمان جبري، والشيخ سليم العطار (مدرس البخاري في جامع سليمان باشا)، والشيخ عبد الله البيطار (جد العلامة الشيخ محمد بهجت البيطار) الذي حذر من نار الفتنة وسفك دماء المسيحيين خلال خطبته على منبر جامع الدقاق في حيّ الميدان. حمل الأمير عبد القادر السلاح وخرج أمام الجموع التي وصلت إلى باب داره في حيّ العمارة، صائحا: "أهكذا ترضون نبيكم محمدا؟ لن تنالوا من مسيحي واحد هنا، فجميعهم إخوتي". أعجب العالم بشجاعة الأمير عبد القادر وحكمته، وبدأت الهدايا تنهمر على داره بصفته "حاميا للمسيحيين"، كان من بينها مسدسان حربيان مطليان بالذهب هدية من الرئيس الأميركي أبراهام لينكولن، وسيف من ملكة بريطانيا، وقلادة من الحبر الأعظم في الفاتيكان، ووسام الشرف الفرنسي من الإمبراطور نابليون. في عام 1915، أطلق اسم الأمير على مدينة في ولاية أيوا الأميركية، ولاحقا سميت إحدى المنح الدراسية باسمه في جامعة فيرجينيا، كذلك أقامت الأمم المتحدة ندوة حول دوره الإنساني في عام 2006، ووضع تمثال له في إحدى قاعاتها، وسُمي كرسيّ حقوق الإنسان في اليونسكو باسمه أيضا.
إعادة إعمار الكنائس
نشطت بعد عام 1860 عمليات إعادة إعمار الكنائس المدمرة في دمشق، تلتها حركة خجولة لبناء كنائس جديدة، بهدف استعادة الهوية المسيحية وتدعيمها. أُنشئت كنيسة يوحنا الدمشقي للروم الأرثوذكس في عام الفتنة، شمال شرق الكاتدرائية المريمية التي أعيد إعمارها عام 1867 وضمت إلى قسمها الشرقي مساحة كنيسة القديسين كبريانوس ويوستينا وكنيسة القديس نيقولاوس. أما في قسمها الغربي، فقد وُسِّع "درب مريم" المارّ من الجهة الغربية والمؤدي إلى حي القيمرية، وما بقي منه تحول إلى مدرسة ابتدائية جديدة عُرفت باسم "القديس نيقولاوس" (مكان قصر النارنج اليوم). أما كنيسة القديس بولس (للسريان الكاثوليك) الواقعة إلى يسار باب شرقي، فقد أعيد بناؤها عام 1863، مع إعادة افتتاح كنيسة سلطانة العالم للأرمن الكاثوليك التي كانت وقتها مقرّ الرهبنة اليسوعية، وأصبحت في أربعينات القرن العشرين مطرانية الأرمن الكاثوليك. تلتهما كاتدرائية القديس أنطونيوس في باب توما عام 1864، وكنيسة القديس سركيس للأرمن الأرثوذكس التي كانت أساسا للسريان وتعود إلى ما قبل عهد الإسلام في دمشق.
آخر الكنائس التي ظهرت في دمشق خلال العهد العثماني كانت كنيسة يوحنا بوسكو الإيطالية للاتين، وتقع خلف المستشفى الإيطالي، قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى بعام
أعيد افتتاح كنيسة سيدة النياح للروم الكاثوليك في حارة الزيتون عام 1865، على مساحة أوسع، وقد زُينت برسومات "الرخمجي" العريق يوسف وردة، وعمل معه لفيف من المهندسين الدمشقيين، مثل نقولا وردة ويوسف العنيد وأنطوان منصور ووهبة بهيت، تحت إشراف المعماري ميخائيل مسدية. كذلك أُعيد بناء كنيسة القديس سركيس للأرمن الكاثوليك وكنيسة منصور للآباء العازاريين عام 1866، وأعيد بناء مزار حنانيا عام 1870. أما عن الكنائس الجديدة التي جاءت بعد عام الفتنة، فكانت هناك الكنيسة الإنجيلية الوطنية في ساحة الدوامنة، التي اشترتها الإرسالية التبشيرية عام 1845، ونظرا لعدم الاعتراف بها طائفة مسيحية مستقلة، سُجل المكان باسم مالك البيت الذي تحول لاحقا إلى كنيسة لهم وبُنيت بعد التدمير، عام 1861. وجاءت كنيسة القديس بولس على السور (داخل باب كيسان)، أي باب بولس، خلف أرض تابعة لبطريركية الروم الكاثوليك، وكانت متصلة بكاتدرائيتهم سيدة النياح في حارة الزيتون. وقد منح الفرنسيون باب بولس للكاثوليك عام 1934 فحوّلوها إلى كنيسة على اسم القديس بولس، وهذا الباب هو الذي هُرِّب بولس الرسول منه عام 35م، بإنزاله ليلا بسلٍّ كبير من فوق الباب من قبل جاورجيوس البواب، هربا من اليهود. وقد هرب بولس الرسول إلى حوران، وكان مصير البواب القتل رجما، وقبره موجود في المقبرة الأرثوذكسية المقابلة في المقام مدفن الكهنة. ومن يومها صار المسيحيون الدمشقيون يدفنون موتاهم حول قبر هذا الشهيد، وصارت مقبرة تعرف باسم القديس جاورجيوس.
في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، فُتحت كنيسة القديسة تيريزا لطائفة الكلدان الكاثوليك في حارة بولاد بباب توما عام 1895. آخر الكنائس التي ظهرت في دمشق خلال العهد العثماني كانت كنيسة يوحنا بوسكو الإيطالية للاتين، وتقع خلف المستشفى الإيطالي، قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى بعام. الغريب أن فترة الانتداب الفرنسي لم تشهد بناء الكثير من الكنائس الجديدة، علما أن الفرنسيين حاولوا تبني المسيحيين الدمشقيين كما فعلوا مع موارنة لبنان، وحاولوا أيضا إثارة الفتنة مجددا بينهم وبين المسلمين، خلال الثورة السورية الكبرى عام 1925، عندما أمروا جنودهم بالانسحاب من الأحياء المسيحية، أملا في أن يدخلها ثوار الغوطة لنهبها وتكرار مجازر 1860، ولكن هذا الأمر لم يحدث.
بعد وصول حافظ الأسد إلى السلطة عام 1970، افتُتحت كنيسة القديس إغناطيوس أو كنيسة الممثلية الروسية لبطريركية موسكو في منطقة البزم (غرب المالكي) عام 1973
في زمن الفرنسيين، شُيدت كنيسة أنطوان البادوي لطائفة اللاتين في الصالحية وفي عام 1930 بُنيت كنيسة القديس كيرلس للروم الكاثوليك في حي القصاع. وفي عام 1932 بُنيت كنيسة الصليب المقدس للروم الأرثوذكس في بستان الصليب، وهو موقع دير الصليب المقدس الذي كان رهبانيا منذ مطلع القرن الخامس إلى تيمورلنك لتدميره وذبح رهبانه. وفي زمن الاستقلال، ظهرت كنيسة جديدة واحدة فقط عام 1951، هي كنيسة القديس جرجس للسريان الأرثوذكس في باب توما، دُشنت في عهد الرئيس هاشم الأتاسي، وبدأ العمل على بناء كنيسة يوحنا الدمشقي للروم الكاثوليك في شارع الأمير شكيب أرسلان، ولكنها لم تكتمل حتى عام 1963. أما في عهد الوحدة مع مصر، فلم يُفتتح إلا كنيسة واحدة، وهي كنيسة السيدة العذراء للسريان الأرثوذكس في شارع حلب عام 1961. ونشطت حركة العمران الكنائسي في الستينات، فكانت كنيسة القديس نيقولاس للروم الأرثوذكس في منطقة المزة عام 1965، وكنيسة السيدة فاطمة للسريان الكاثوليك في شارع حلب، وخلفها كنيسة يسوع نور العالم لطائفة الاتحاد المسيحي الإنجيلية في منتصف الثمانينات. وكانت كنيسة القديس ديمتريوس مقابل حديقة السبكي بالقرب من رابطة المحاربين القدماء، وهي للروم الأرثوذكس، اشترتها البطريركية الأرثوذكسية من عائلة أرثوذكسية وحولتها إلى كنيسة عام 1990.
بعد وصول حافظ الأسد إلى السلطة عام 1970، افتُتحت كنيسة القديس إغناطيوس أو كنيسة الممثلية الروسية لبطريركية موسكو في منطقة البزم (غرب المالكي) عام 1973. وفي يوم 7 أبريل/نيسان 1975، افتتحت كنيسة سيدة دمشق للروم الكاثوليك بالقرب من ساحة العباسيين. وفي عام 1980، وخلال المواجهات الدامية بين الأسد والإخوان المسلمين، شُيدت كنيسة ميخائيل للروم الأرثوذكس في كورنيش التجارة، وفي مايو/أيار عام 1992، بُنيت كنيسة القديس جاورجيوس للروم الكاثوليك شرق التجارة. آخر الكنائس كانت باسم بولس الرسول في منطقة دُمَّر، وأُسست بهدف استيعاب جميع الطوائف المسيحية، دون أي تفريق بينهم.