الرئيسة \  تقارير  \  تعثر المفاوضات الأمنية السورية-الإسرائيلية: بين الضغوط الأمريكية والمخاوف السيادية

تعثر المفاوضات الأمنية السورية-الإسرائيلية: بين الضغوط الأمريكية والمخاوف السيادية

29.09.2025
منهل باريش



تعثر المفاوضات الأمنية السورية-الإسرائيلية: بين الضغوط الأمريكية والمخاوف السيادية
منهل باريش
القدس العربي
الاحد 28/9/2025
في تطور يعكس التعقيدات المتشابكة للنزاع السوري-الإسرائيلي، أفادت مصادر مطلعة بأن المفاوضات الأمنية بين دمشق وتل أبيب، تحت رعاية أمريكية مباشرة، تواجه عقبة رئيسية في اللحظات الأخيرة. يأتي هذا التعثر جراء إصرار إسرائيل على فتح “ممر إنساني” يصل إلى محافظة السويداء جنوب سوريا، فيما يرفض الجانب السوري هذا الاقتراح بشدة، معتبراً إياه انتهاكاً صارخاً للسيادة الوطنية ومحاولة لتعزيز النفوذ الإسرائيلي في المنطقة. هذا الخلاف ليس مجرد تفصيل فني، بل يعكس عدم الثقة العميقة بين الطرفين، حيث ترى دمشق في مثل هذه المطالب محاولة لإعادة رسم الخرائط الأمنية لصالح إسرائيل، خاصة في ظل تاريخ طويل من الانتهاكات الجوية والبرية.
ووفقاً لتقرير نشرته وكالة “رويترز”، مساء الجمعة، كان الطرفان قد اقتربا خلال الأسابيع الماضية من الاتفاق على خطوط عريضة لترتيب أمني شامل، يشمل إقامة منطقة منزوعة السلاح في السويداء. يأتي هذا الاقتراح عقب أعمال عنف دامية وعملية أمنية عسكرية أودت بحياة المئات في تموز (يوليو) الماضي، ما أثار مخاوف إنسانية وأمنية على المستويين المحلي والإقليمي.
ومع ذلك، أكد مصدر حكومي سوري تعثر هذه المفاوضات في نيويورك، نافياً أن تكون قضية الممر الإنساني السبب الرئيسي في فشل الجولات المباشرة وغير المباشرة التي يقودها المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، السفير توماس براك. فضل المصدر تجنب التفاصيل حول أسباب الفشل، والتعليق على الترتيبات الأمنية أو آليات مراقبة المنطقة المنزوعة السلاح، أو حتى الممر الجوي الإسرائيلي جنوب البلاد.
وشدد المصدر على أن قضية الممر الإنساني قد انتهى النقاش حولها، ولم تعد مطلباً إسرائيلياً رسمياً، حيث جرى تجاوزها خلال اجتماع لندن الذي جمع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني مع وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، في 17 أيلول (سبتمبر) الجاري.
هذا التجاوز، وفقاً لتحليلات صحافية، قد يكون تكتيكياً للتركيز على قضايا أخرى، لكنه يعكس مرونة مؤقتة قد تختفي مع تغير الظروف الإقليمية، خاصة في ظل الضغوط الداخلية على الحكومة الإسرائيلية.
في مقابل ذلك، أشار مصدران عربيان متابعان للمفاوضات الأمنية السورية الإسرائيلية إلى أن الإدارة السورية فضلت التريث وعدم الاندفاع في المفاوضات، خاصة بعد تطورات الموقف العربي والإقليمي. من بين هذه التطورات، قصف فريق حماس المفاوض في العاصمة القطرية، والموقف السعودي الذي قاد حملة دولية للاعتراف بدولة فلسطين، ما أعاد ترتيب الأولويات الإقليمية وأضعف من حماسة دمشق للتنازلات الأمنية.
يأتي كل ذلك بعد أسابيع قليلة من حديث رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عن تمسكه بحلم “دولة إسرائيل الكبرى”، الذي يثير مخاوف من توسع إسرائيلي طموح يتجاوز الحدود التقليدية، ما يجعل أي اتفاق أمني عرضة للانهيار تحت وطأة الطموحات التوسعية.
تصريحات المسؤولين وآفاق التهدئة
من جانبه، أشار المبعوث الأمريكي توماس براك إلى اقتراب الطرفين من “اتفاق خفض تصعيد” يوقف الهجمات الإسرائيلية مقابل تعهد سوري بعدم نقل معدات عسكرية قرب الحدود، معتبراً ذلك خطوة أولى نحو ترتيب أمني أوسع يشمل آليات مراقبة دولية. غير أن دبلوماسيين ومحللين يرون في هذا الاقتراح تراجعاً أمريكياً عن طموحات الاتفاق الكامل، ربما بسبب الضغوط الداخلية في واشنطن أو التعقيدات الإقليمية المتزايدة.
وأشار براك إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سعى إلى نجاح اتفاق بين الطرفين سيعلن عنه هذا الأسبوع، إلا أنه لم يحرز تقدماً كافياً حتى الآن، لافتاً إلى أن عطلة السنة العبرية الجديدة المتزامنة مع هذه الفترة أبطأت العملية. وأعرب عن اعتقاده بأن “الجميع يتعامل مع الأمر بحسن نية”، وهو تصريح يعكس تفاؤلاً رسمياً قد يكون مبالغاً فيه أمام الواقع الميداني.
في سياق منفصل، عبر الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع عن قلقه الشديد من نوايا إسرائيل، قائلاً خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك: “نحن خائفون من إسرائيل.. الوضع ليس بالعكس”. مشدداً على أن دمشق تدعو للعودة إلى اتفاق فض الاشتباك لعام 1974، الذي أقام منطقة منزوعة السلاح تراقبها الأمم المتحدة، محذراً من عدم التزام تل أبيب بأي اتفاق محتمل. وفي حديث منفصل خلال تواجده في قمة “كونكورديا” في نيويورك مطلع الأسبوع الماضي، أكد الشرع أن إسرائيل لا تزال تحتل الجولان وتتوغل بشكل مستمر داخل الأراضي السورية، كما نفذت اعتداءات كثيرة على سوريا، إلا أن دمشق تسعى لتجنب الحرب، مؤكداً أنها في مرحلة بناء. وأضاف: “نحن في سوريا متجهون نحو التهدئة، وأن تعطى سوريا فرصة للبناء، وفي حال نجحت التهدئة مع التزام من إسرائيل بما يتم التوافق عليه، فربما تتطور المفاوضات بين الجانبين”.
وفي حوار مع مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية السابق ديفيد بتريوس على هامش القمة، قال الشرع إن سوريا لديها مراحل متعددة من المفاوضات مع إسرائيل، وتتمثل المرحلة الأولى في عودة إسرائيل إلى اتفاق خفض التصعيد الموقع عام 1974. مضيفاً أنه في حال نجاح هذه الخطوة، ستستمر دمشق في مناقشة ملفات أبعد، من ضمنها مصير الجولان السوري المحتل، بالإضافة إلى العلاقة بين سوريا وإسرائيل على المدى البعيد، داعياً إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي السورية، ومؤكداً على أن جميع المخاوف تتم معالجتها بالمباحثات والمسار السياسي. وعن احتمالية انضمام دمشق إلى “الاتفاقيات الإبراهيمية”، أجاب الشرع بأن هناك فروقات جوهرية بين سوريا والدول التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل، من ضمنها احتلال الجولان، وأن الدول المطبعة لا تربطها حدود مشتركة مع إسرائيل. مشيراً إلى أن إسرائيل، منذ سقوط نظام الأسد نهاية العام المنصرم، نفذت قرابة 400 توغل عسكري بري داخل الأراضي السورية، وما يقارب 1000 غارة جوية، دمرت فيها الكثير من المؤسسات السورية، مما يجعل أي اتفاق يتطلب ضمانات دولية قوية لمنع تكرار مثل هذه الانتهاكات.
على الجانب الأمريكي، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية مايكل ميتشل في حديث تلفزيوني، إن سوريا قد دخلت في حوار مباشر مع إسرائيل، معتبراً ذلك أمراً له أهمية كبيرة للولايات المتحدة كوسيط ومستشار مهم لكلا الطرفين. وأشار إلى أن الإدارة الأمريكية تتفهم مخاوف إسرائيل الأمنية، وفي الوقت ذاته تفهم أن أي نزاعات في المنطقة من شأنها أن تؤثر على نمو الاقتصاد في سوريا، حاثاً الطرفين على السعي لحل دبلوماسي في أقرب وقت. وفيما يخص العلاقات السورية-الأمريكية، أكد ميتشل على تحسنها، مع وجود اتصالات مباشرة بين الإدارة الأمريكية ودمشق. وأضاف أن التعاون الأمريكي-السوري مستمر ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، مؤكداً عمل واشنطن لمنع عودة أي تنظيم إرهابي في سوريا.
وحول المفاوضات الخاصة بالاتفاق الأمني، قال المندوب السوري في الأمم المتحدة إبراهيم علبي في تصريح صحافي الخميس الماضي إن “الكرة في ملعب إسرائيل فيما يخص الاتفاق الأمني بين الطرفين”، ووصف المحادثات بأنها مستمرة وفي مراحل متقدمة، كما أكد على استمرار النقاشات مع أمريكا حول ذات المفاوضات، لافتاً إلى أن “ملف السويداء” ضمن أجندة النقاشات المشتركة بين سوريا وأمريكا. إلى ذلك، أصدر مكتب بنيامين نتنياهو بياناً أشار إلى استمرارية المفاوضات، إلا أن نتائجها ستعتمد على ضمان مصالح إسرائيل، بما في ذلك نزع السلاح من منطقة جنوب غرب سوريا وضمان أمن الطائفة الدرزية.
انتقادات ومخاوف من الاتفاق: تنازل أم ضرورة؟
تعرضت المفاوضات السورية-الإسرائيلية لحملة انتقادات واسعة من أوساط سياسية ومعارضة سابقة لنظام الأسد، بالإضافة إلى ناشطين وحقوقيين، كما رصدتها “القدس العربي”.
واعتبر المحامي الفلسطيني السوري أيمن أبو هاشم المتخصص بالقانون الدولي أن المبدأ في الاتفاقيات الأمنية يقوم على ضمان الحقوق السيادية للأطراف، ومنع الاعتداءات على المجال الإقليمي، وتثبيت حالة الهدنة نحو سلام مستدام. وحذر في اتصال مع “القدس العربي” من أمثلة دولية تكشف أنه مع غياب معادلة الردع المتبادل واختلال موازين القوى، يفرض الطرف الأقوى شروطه، مما يؤدي إلى خسائر سيادية كبيرة للطرف الأضعف.
إلى ذلك، انتقد الدبلوماسي السوري المنشق عن نظام الأسد، حسام حافظ الاتفاق الأمني، مشيراً إلى أن الإدارة السورية الانتقالية بحاجة إلى تفويض قانوني صريح، وأنها لا تملك شرعية للتوقيع على اتفاقيات مع إسرائيل، مذكراً باتفاقية ثلاثية سابقة. ورفض في منشور على فيسبوك القبول بأي مسار يقصي الشعب السوري، مؤكداً أن المسألة تتعلق بالتمثيل والخبرة والشرعية، وأن أي انزلاق يعني إخراج سوريا من دائرة التأثير الإقليمي لفترة طويلة، مما يمثل خطأ تاريخياً لا يمكن تبريره.
في سياق المفاوضات الأمنية السورية-الإسرائيلية الجارية تحت الوساطة الأمريكية الضاغطة، يطرح تساؤل أساسي حول مدى ضرورة مثل هذا الاتفاق، خاصة مع التوترات الإقليمية المتفاقمة. فالوضع الحالي يعكس توازناً هشاً، حيث تستمر إسرائيل في شن ضربات “وقائية” تعتبرها رسائل سياسية قوية، بينما تتعامل السلطة السورية الانتقالية بحذر كبير بسبب تدهور قدراتها العسكرية وضعف سيطرتها على الأراضي، إلى جانب نقص الخبرة في التفاوض الأمني متعدد الأطراف. ورغم الدفع الأمريكي والأمل الكبير لإدارة الرئيس الشرع لمنع تصعيد شامل من حكومة نتنياهو، إلا أنه لا يحل الجذور العميقة للصراع، مثل احتلال الجولان منذ 1967.