الرئيسة \
تقارير \ تصعيد إسرائيلي واسع في الجنوب السوري: توغلات برية وغارات جوية وعمليات دهم واعتقال
تصعيد إسرائيلي واسع في الجنوب السوري: توغلات برية وغارات جوية وعمليات دهم واعتقال
29.09.2025
هبة محمد
تصعيد إسرائيلي واسع في الجنوب السوري: توغلات برية وغارات جوية وعمليات دهم واعتقال
هبة محمد
القدس العربي
الاحد 28/9/2025
دمشق ـ “القدس العربي”: سجل الجنوب السوري، تصعيدا متزايدا في النشاط العسكري الإسرائيلي، شمل توغلات برية في ريفي درعا والقنيطرة، إلى جانب غارات جوية مكثفة وعمليات هدم وتهجير للسكان، حيث وثقت مصادر ميدانية لـ “القدس العربي” ومنظمات إنسانية وحقوقية انتهاكات صارخة للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، شملت اعتقالات تعسفية ومنع الأهالي من الوصول إلى أراضيهم الزراعية، ما زاد من هشاشة الوضع الأمني جنوب سوريا.
ومنذ سقوط الرئيس المخلوع بشار الأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي أنه اتخذ مواقع جديدة له في المنطقة العازلة (بلغت أكثر من 10 مواقع) في مرتفعات الجولان المحتل، التي تفصل بين المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية والسورية منذ عام 1974، بموجب اتفاق فض الاشتباك، وسرعان ما توغلت قواته لاحقا في عدة مناطق ونقاط بمحيط تلك المنطقة العازلة، حيث وسّع الجيش الإسرائيلي مناطق سيطرته في مرتفعات الجولان، بعد احتلاله الجانب الشرقي من جبل الشيخ والذي يشرف من أعلى قمته على لبنان وفلسطين والأردن وسوريا، كما دخل عدة بلدات في الجنوب السوري على الحدود، ودمر البنى التحتية والمرافق العسكرية، وسط سيطرته الجزئية على مدينة البعث، لتبلغ المساحة التي سيطرت عليها اسرائيل بعد سقوط نظام الأسد المخلوع، حسب مصادر عسكرية لـ “القدس العربي” إلى 600كم2، بنسبة تصل إلى 1 في المئة من مساحة الجمهورية العربية السورية.
بالتوازي مع التصعيد الميداني، تجري دمشق وتل أبيب محادثات أمنية برعاية أطراف دولية، تقودها الولايات المتحدة إلى حد كبير، بهدف الوصول إلى اتفاق “خفض التصعيد” في الجنوب. وتشترط إسرائيل أن يتضمن الاتفاق نزع السلاح من مناطق واسعة في ريف درعا والقنيطرة، وضمان حماية الطائفة الدرزية.
مصادر دبلوماسية أشارت إلى أن الاتفاق المحتمل يتضمن أيضا التزاما إسرائيليا بوقف الغارات الجوية، مقابل تعهد سوري بضبط التحركات العسكرية قرب خط التماس. غير أن استمرار العمليات الميدانية، بحسب مراقبين، يهدد بفشل هذه المفاوضات قبل أن تكتمل.
من جهتها، نقلت “رويترز” عن 4 مصادر لم تسمّها، مساء الجمعة، أن جهود التوصل إلى اتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل تعثرت في اللحظات الأخيرة بسبب مطلب إسرائيل السماح لها بفتح “ممر إنساني” إلى محافظة السويداء بجنوب سوريا.
واقتربت سوريا وإسرائيل في الأسابيع القليلة الماضية من التوافق على الخطوط العريضة للاتفاق بعد محادثات على مدى أشهر في باكو وباريس ولندن توسطت فيها الولايات المتحدة، وتسارعت وتيرتها قبيل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك هذا الأسبوع.
وكان الاتفاق يهدف – وفقا لتسريبات سابقة- إلى إنشاء منطقة منزوعة السلاح جنوبي سوريا تشمل محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية، حيث أدى العنف في تموز/يوليو الماضي إلى مقتل مئات الأشخاص من القوات التابعة للحكومة السورية والبدو بعد اشتباكات مع مقاتلين دروز. حيث تطالب إسرائيل بفتح ما تصفه “بممر إنساني” يصلها مع السويداء السورية رغم عدم وجود تواصل جغرافي بينهما ووجود محافظتين سوريتين – هما درعا والقنيطرة- تفصلان السويداء عن فلسطين المحتلة، لكن سوريا رفضت الطلب بوصفه خرقا لسيادتها.
وذكر مسؤولان إسرائيليان ومصدر سوري ومصدر في واشنطن مطلع على المحادثات أن إسرائيل أعادت تقديم الطلب في مرحلة متأخرة من المحادثات.
وقال المصدر السوري والمصدر الآخر في واشنطن إن تجدد الطلب الإسرائيلي عرقل خطط إعلان اتفاق هذا الأسبوع. ولم تشر أي تقارير سابقة إلى نقطة الخلاف الجديدة.
وبشأن ملامح الاتفاق أو النقاط الشائكة، كشف مدير إدارة الشؤون الأمريكية في وزارة الخارجية السورية، قتيبة إدلبي، لـ”القدس العربي” أن الجهود التي قادها الرئيس السوري أحمد الشرع بشأن الاتفاق مع إسرائيل، تتعلق “بإرساء تفاهمات أولية تهدف إلى تثبيت الاستقرار وتفادي التصعيد” ولفت إلى أن “أي اتفاق محتمل سيكون قائما على احترام السيادة السورية ووحدة الأراضي، ويتضمن خطوات واضحة لوقف الأعمال العدائية وتهيئة بيئة تسمح بالوصول إلى تسويات أوسع على المدى البعيد”.
وحول الجدول الزمني قال المسؤول في زيارة الخارجية السورية لـ “القدس العربي”: “لا يوجد حتى اللحظة جدول زمني محدد، لكن النقاشات مستمرة عبر قنوات متعددة”.
البعد القانوني والحقوقي
وتعتبر منظمات حقوقية دولية أن السياسات الإسرائيلية في الجنوب السوري تمثل خرقا واضحا لاتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر تهجير السكان وهدم الممتلكات في الأراضي المحتلة. وأكدت أن عدم تدخل المجتمع الدولي بحزم سيفتح الباب أمام تصعيد أوسع قد يشمل موجات نزوح جديدة في منطقة تعاني أصلا من هشاشة إنسانية.
ونقلت صحيفة “إسرائيل هيوم” عن مسؤولين إسرائيليين، بمن فيهم وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، 25 من أيلول/سبتمبر أن توسيع اتفاقيات إبراهيم والعلاقات مع الدول العربية الأخرى، تراجعت من قائمة الأولويات، لكن العنصر الأكثر إثارة للاهتمام، في اللقاء مع ترامب هو المحادثات مع سوريا.
وذكرت الصحيفة أن ترامب، يضغط على الرئيس السوري، أحمد الشرع، لإبداء المرونة والتوصل إلى اتفاق مع إسرائيل في الأيام المقبلة.
فجوات كبيرة
ويقر المسؤولون الأمريكيون، وفقا لـ “إسرائيل هيوم”، بأن الفجوات لا تزال كبيرة، لا سيما فيما يتعلق بالسيطرة الإسرائيلية على جبل الشيخ وعلى طول مرتفعات الجولان، بالإضافة إلى “الضمانات الأمنية للأقلية الدرزية المتحالفة مع إسرائيل”.
ومن نقاط الخلاف الأخرى، “مطالبة إسرائيل باستمرار حرية التحرك في الأجواء السورية”، بما في ذلك توجيه ضربات ضد ما وصفتها الصحيفة بـ “أهداف إرهابية”.
مكتب نتنياهو، قال في تغريدة على حسابه بمنصة “إكس”، الأربعاء 24 من أيلول/سبتمبر، إن المفاوضات مع سوريا هدفها ضمان مصالح إسرائيل، مشيرا إلى أن انتهاء المفاوضات مشروط بضمان مصالح إسرائيل التي تشمل جملة أمور، أبرزها “نزع السلاح من جنوب غربي سوريا، والحفاظ على سلامة الدروز وأمنهم”.
ومنذ أحداث السويداء في تموز/يوليو الماضي، أعلنت إسرائيل تدخلها بشكل مباشر، حيث قصفت القوات الحكومية في محيط السويداء، ومبنى رئاسة الأركان التابع لوزارة الدفاع السورية في دمشق، بحجة “حماية الدروز”.
السيناريوهات المحتملة
بناء على التطورات الأخيرة، تواجه السيناريوهات المحتملة لمستقبل هذه المفاوضات تحديات عدة، وفق ورقة بحثية حديثة أصدرها “مركز قاسيون للدراسات الاستراتيجية” الجمعة، إذ يبدو أن السيناريو الأكثر ترجيحا، هو اتفاق أمني محدود “خفض التصعيد”.
ويبدو هذا السيناريو بحسب المصدر “الأكثر واقعية في المدى القصير، حيث تركز الوساطة الأمريكية الحثيثة على تحقيق اتفاق سريع يوقف التصعيد العسكري”.
أما عن ملامح هذا السيناريو، فقد يتخذ الاتفاق شكل “اتفاق خفض تصعيد” ويقضي بتوقف إسرائيل عن الهجمات الجوية والتوغلات البرية في جنوب سوريا، مقابل التزام سوري بعدم تحريك أو نشر آليات عسكرية ثقيلة قرب الحدود مع الجولان المحتل، بحيث تكون طبيعة هذا الاتفاق “أمنيا بحتا وليس معاهدة سلام، ولن يؤدي إلى تطبيع العلاقات الدبلوماسية أو الاقتصادية في الوقت الراهن”.
بينما يكمن التحدي أمام هذا الاحتمال بالتعقيد في التوصل إلى صيغة مقبولة للجانبين بشأن آليات المراقبة والتحقق من الالتزام، وتحديد العمق الجغرافي الدقيق للمنطقة منزوعة السلاح.
وتدور الفرضية الثانية، حول تأجيل الاتفاق وانهيار المفاوضات، إذ لا يزال هذا السيناريو قائما بسبب وجود عقبات جوهرية، وعدد من العوامل التي قد تؤدي إلى ذلك على رأسها فجوة الثقة والاستغلال، وهو ما برز في حديث الرئيس السوري أحمد الشرع الذي أعرب عن قلقه من أن إسرائيل قد “تعطل المفاوضات عمدا” فضلا عن الخلاف على التفاصيل السيادية، كتقسيم الجنوب السوري إلى مناطق أمنية متعددة مع فرض قيود جوية صارمة غير مقبولة لدمشق. وبحسب المصدر، فإن الضغط الزمني والعجلة من أجل تحقيق إنجاز سياسي قد يتسببان في إغفال معالجة الخلافات العميقة بشكل كاف، ما يقوض متانة الاتفاق على المدى الطويل.
أما في حال توقيع اتفاق خفض التصعيد، فثمة جملة من التحديات الكبرى ستبقى قائمة حسب الورقة البحثية، أهمها الملفات المؤجلة مثل مصير مرتفعات الجولان المحتلة وأي شكل من أشكال التطبيع السياسي، كما أنه قد يؤدي إنشاء منطقة منزوعة السلاح بشكل موسع في جنوب سوريا إلى فراغ أمني يمكن أن تستغله جماعات مسلحة أو فصائل متطرفة، مما يهدد الاستقرار المحلي ويعيد إنتاج أسباب التوتر.
وانتهت الورقة البحثية، بخلاصة تشير إلى أن الاتجاه نحو توقيع اتفاق أمني محدود هو السيناريو المرجح في الظروف الحالية، إلا أن طابعه المؤقت والعقبات السيادية الكبيرة تجعل مستقبله غير مضمون. أما السيناريو البديل لانهيار المفاوضات أو تأجيلها يبقى قائمًا، وستعتمد الاستدامة طويلة المدى لأي اتفاق على القدرة على معالجة قضايا السيادة والثقة بشكل حقيقي، وليس مجرد إدارة الأزمة مؤقتا.
ميدانيا: توغلات برية في درعا والقنيطرة
شهد الجنوب السوري الأسبوع الفائت، تصعيدا ميدانيا جديدا تمثل في سلسلة توغلات نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في أرياف القنيطرة ودرعا، بالتزامن مع تحليق مكثف للطائرات الحربية وطائرات الاستطلاع في أجواء عدة محافظات سورية، بما فيها حمص وحماة.
وبحسب مصادر محلية لـ”القدس العربي” فإن آليات عسكرية إسرائيلية توغلت الجمعة، في تلة أبو قبيس بريف القنيطرة الجنوبي، حيث تمركزت عدة آليات مدرعة ترافقها جرافة عند المدخل الشرقي للتلة، وهو الموقع الذي كان يضم سابقًا نقطة حراسة تابعة لجيش النظام السوري.
الناشطة الميدانية سلام هاروني، قالت لـ “القدس العربي” إن قوات الاحتلال توغلت الجمعة، بآليات مدرعة ودبابة في المنطقة، كما نفذت دورية إسرائيلية في وقت مبكر الجمعة، توغلا في قريتي عابدين والعارضة بمنطقة حوض اليرموك في ريف درعا الغربي، حيث انتشرت القوات بشكل مكثف داخل الأحياء السكنية.
وشهدت الأجواء فوق المنطقة تحليقا لطائرات مسيّرة إسرائيلية امتد وصولها إلى الريف الشمالي من محافظة درعا، ما يشير إلى مراقبة شاملة للأنشطة الميدانية.
تزامنت هذه التطورات مع استمرار التحليق المكثف للطائرات الحربية وطائرات الاستطلاع الإسرائيلية منذ ساعات الصباح في جنوب البلاد، بما يشمل محافظتي حمص وحماة.
يأتي هذا التصعيد بعد يومين فقط من عملية توغل مماثلة نفذتها قوة إسرائيلية صباح الأربعاء الماضي داخل قرية صيدا الجولان بريف القنيطرة، أعقبها توغل آخر بعدد من سيارات الدفع الرباعي عند مفرق الصمدانية الشرقية القريبة.
وتشهد محافظتا القنيطرة ودرعا عمليات توغل إسرائيلية شبه يومية، تترافق مع اعتقالات طالت مدنيين بينهم مزارعون ورعاة أغنام، إلى جانب عمليات تجريف واسعة للأراضي الزراعية، ما يفاقم معاناة السكان المحليين ويزيد من هشاشة الأمن المدني في المنطقة.
ويعتبر هذا التصعيد بحسب تصريح الناشط الميداني يحيى الكناني لـ “القدس العربي” تكرارا للأنشطة العسكرية الإسرائيلية في الجنوب السوري، ما يخلق تحديات كبيرة أمام استقرار المنطقة وحماية المدنيين.
الغارات الجوية والاستطلاع المكثف
ترافقت التوغلات البرية بحسب كناني مع غارات جوية استهدفت مواقع في جنوب سوريا، تشمل بنى تحتية عسكرية، كما حلقت طائرات استطلاع إسرائيلية بكثافة فوق أجواء ريفي درعا والقنيطرة، وهو ما اعتبره المتحدث جزءا من سياسة “الضغط المستمر” وفرض السيطرة الجوية.
مصادر سورية رسمية تحدثت عن أن إسرائيل نفذت منذ كانون الأول/ديسمبر 2024 أكثر من 400 توغل بري وأطلقت ما يزيد على ألف غارة جوية على مواقع في الجنوب السوري. ما يعكس حجم التوتر المستمر، خصوصا أن وتيرة الاعتداءات الأخيرة جاءت بالتزامن مع حديث عن اقتراب اتفاق أمني بين الطرفين.
هدم منازل وتهجير قسري
منظمة “هيومن رايتس ووتش” وثقت من جانبها، عمليات هدم لمنازل مدنيين في بلدة الحميدية ومحيطها، فضلا عن منع الأهالي من الوصول إلى أراضيهم الزراعية ومصادرة مساحات واسعة لصالح بناء منشآت عسكرية إسرائيلية.
كما أشارت المنظمة إلى أن السكان في قرى مثل جباتا الخشب تعرضوا لعمليات تهجير قسري، وهو ما وصفته بأنه انتهاك للقانون الدولي وقد يرقى إلى “جريمة حرب”. وذكرت شهادات أن بعض الموقوفين نُقلوا إلى داخل إسرائيل للاستجواب.
مخاوف السكان المحليين
يتخوف الأهالي جنوب سوريا من أن يكون التوغل الإسرائيلي احتلالا دائما، وبحسب مصادر عسكرية في تل أبيب، فإن الجيش الإسرائيلي شرع بتحويل المواقع العسكرية السورية، التي احتلتها الكتيبة 101 من وحدة المظليين، إلى مواقع عسكرية إسرائيلية، كما أكدت تقارير عبرية أن الجيش الإسرائيلي عمل خلال حملاته العسكرية في سوريا، على تأسيس بنية تحتية لوجيستية شاملة، تضم حاويات تحتوي على خدمات مثل الحمامات، والمطابخ، وحتى المكاتب الخاصة بالضباط، كما يتوقع أن يشمل هذا التوسع أعمدة اتصالات.