تأهّب تركي ضد "قسد" يقرع الجرس
08.09.2025
فاطمة ياسين
تأهّب تركي ضد "قسد" يقرع الجرس
فاطمة ياسين
العربي الجديد
الاحد 7/9/2025
مضى قرابة ستة أشهر على توقيع اتفاق بين الرئيس أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي، يهدف إلى تنظيم العلاقات بين الطرفين في شمال شرق سورية. ويبدو أنه شجّع الشرع على إصدار إعلان دستوري بعد ثلاثة أيام فقط، يرسم برنامجاً تنظيمياً للدولة السورية الجديدة. ومع ذلك، يبدو أن تنفيذه يعاني من ركود ملحوظ، حيث مرّ ثلثا المهلة المحدّدة فيه من دون التقدم بخطوات ملموسة، ما يثير تساؤلات عن إمكانية إنجاز بنود هذا الاتفاق في مهلة الأشهر الثلاثة المتبقية... يأتي ذلك وسط تصريحاتٍ متفاوتةٍ في الجدّية من مسؤولي "قسد"، حيث يؤكّد عبدي التزامه المضي بالاندماج في الدولة والحكومة والجيش، بينما تخرج الناطقة باسم "قسد"، فوزة اليوسف، بكلامٍ يحيد عن ذلك، حيث رفضت مسار الحكومة المطروح لتنفيذ الاتفاق، ولوّحت بعدم التجاوب. وفي الأثناء، يجري تعتيم على نتائج لقاءات رئيسة المجلس التنفيذي للإدارة الذاتية، إلهام أحمد، مع مسؤولين من الحكومة في دمشق. ويوحي هذا الاختلاف في المواقف الذي تُبديه قيادات "قسد" بعملية توزيع أدوار فيما بينهم، ويعوق بناء أي تقدّم حقيقي على الأرض، بينما ينفد الوقت المتبقي لتحويل الاتفاق إلى واقع.
فشل عقد لقاء كان مقرّراً بين الشرع وعبدي في باريس في يونيو/ حزيران الماضي، بعد مؤتمر "وحدة الصف" الذي أقامته "قسد" من طرفٍ واحد، رغم أهمية فرنسا، التي ترتبط بعلاقات جيدة مع "قسد"، كما أكّد القيادي الكردي صالح مسلم، فقد اشتركا معاً في مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ولا يزال معتقلون تابعون للتنظيم ممن يحملون الجنسية الفرنسية في مخيم الهول الذي تسيطر عليه "قسد". أما الشرع، فقد فتحت له فرنسا أبوابها لتكون في مقدّمة مستقبليه من الدول الغربية. ومع ذلك، ألغي اجتماع باريس الذي كان سيضم المبعوث الأميركي توم برّاك لتأكيد جدّيته.
يبقى العامل الخارجي محصوراً في محركين أساسيين، الولايات المتحدة وتركيا. فالأولى تمتلك وجوداً عسكريا في مناطق "قسد"، وتتردّد أخبار متضاربة بين توسيع هذا الوجود أو تقليصه، وفيما إن كان هذا الوجود معوّقاً أو داعماً عملية دمج القوات الكردية في الجيش الرسمي للدولة، على الرغم من تصريحات برّاك المتكرّرة في دعم الشرع. أما تركيا، فتتبنى موقفاً متصلباً، معتبرة قسد تهديداً لأمنها القومي بسبب قربها من حدودها الجنوبية، وقدرتها على الامتداد داخل أراضيها إن ضعفت الرقابة.
تريد تركيا إنهاء حالة "قسد" لصالح سيادة سورية كاملة، وذوبان المكوّن الكردي داخل الكيان السوري من دون أثر، وقد ورد هذا في تصريحات السياسي التركي، دولت بهتشلي، زعيم الحركة القومية، المتحالفة مع الحزب الحاكم في تركيا. ففي بيان أصدره قبل أيام، هدّد بهتشلي بعملية عسكرية مشتركة بين أنقرة ودمشق ضد "قسد" إن لم تلتزم الاتفاق الموقع في 10 مارس/ آذار الماضي، معتبراً أن "التدخّل يصبح ضرورياً"، إذا فشل الجانبان في تنفيذه، وربط تهديده بجهود إسرائيلية لإشعال حربٍ أهليةٍ جديدةٍ في سورية، وكرّرت التصريحات نفسها وزارة الدفاع التركية التي كانت قد وقعت مذكّرة تفاهم عسكرية مع سورية لتعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب.
تعكس التصريحات حراكاً سياسياً محموماً من جميع الأطراف لرفع السقوف، بينما تسود على الأرض حالة ركود في التنفيذ، قد يحرّكها قرار حاسم بتوافق سوري/ تركي لإنهاء الحالة "القسدية"، كما انتهت الحالة الأسدية سابقاً. وهنا قد لا يكون الثمن المدفوع بخساً كما في حالة الأسد، حيث تمتلك "قسد" قوات كبيرة ومدرّبة. لذلك، لا بد من إعادة النظر في مستوى السقوف المطروحة، والتوافق على تفاصيل أوضح لبنود الاتفاق، حفاظاً على حياة السكان هناك، وتسهيلاً للتعامل اللاحق بين أبناء الوطن على امتداد الجغرافيا السورية.