تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية على سوريا
16.05.2023
آلان رمو
تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية على سوريا
آلان رمو
سوريا تي في
الاثنين 15/5/2023
ألقت الحرب الروسية الأوكرانية بظلالها على سوريا، وأثرت فيها بشكل سلبي للغاية، وعقدت الأمور فيها أكثر مما هي معقدة، فمنذ اليوم الأول لهذه الحرب، وحتى قبل اندلاعها بأسابيع، كان الملف السوري حاضراً فيها بصورة مباشرة وغير مباشرة، وإن وصف مصير سوريا بأنه متشابك مع مصير الحرب الروسية الأوكرانية ليس سوى نقطة بداية، إذ تحولت سوريا من جديد إلى ميدان للمنافسة الدولية.
كانت وما زالت لهذه الحرب المستمرة تداعيات اقتصادية سلبية، بدت آثارها بسرعة على جوانب متعددة من القطاعات الاقتصادية في الدول العربية وعلى رأسها سوريا، ولأن الدول العربية تعتمد في الغالب على الدول الأخرى لاستيراد الاحتياجات الأساسية فإنها تعاني من تبعات الأزمات العالمية مهما كانت بعيدة جغرافياً، وبذلك تزداد معاناة المواطن العربي بؤساً نتيجة غلاء الأسعار وانخفاض المدخول، وتعد سوريا من أكثر البلدان العربية تأثراً بالحرب الروسية على أوكرانيا، لأنها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالاقتصاد الروسي، وتعتاش بجزء لا بأس به من المساعدات الروسية أو السلع الأساسية التي تأتي من هناك بأسعار مخفضة مقارنة بغيرها من الدول، لكن موسكو أضحت ضمن إطار عقوبات دولية ضاربة، مما أدى إلى أن تصبح الأزمة الاقتصادية السورية أشد وطأةً مما كانت عليه.
اعتماد سوريا بشكل كبير على الدعم الاقتصادي الذي يأتي من عدة دول من الخارج وعلى رأسها روسيا لتجاوز الأزمة التي تمر بها، وهو ما يجعل تأثرها بالمتغيرات الخارجية سريعاً وكبيراً ومتوقعاً
ويبدو تأثّر سوريا اقتصادياً بالأزمة في أوكرانيا قدراً لا مفر منه من جراء حالة الانكشاف التي يعيشها الاقتصاد السوري منذ سنوات، والتي تتجلّى ملامحها في النقاط التالية:
1-اضطرار البلاد إلى استيراد سلع ومواد أساسية كانت في ما مضى تحقّق فيها اكتفاءً ذاتياً وتصدّر الفائض منها، كالنفط والقمح.
2- اعتماد سوريا بشكل كبير على الدعم الاقتصادي الذي يأتي من عدة دول من الخارج وعلى رأسها روسيا لتجاوز الأزمة التي تمر بها، وهو ما يجعل تأثرها بالمتغيرات الخارجية سريعاً وكبيراً ومتوقعاً.
3- انخفاض قيمة الدّعم الإنسانيّ الوارد إلى البلاد من الخارج، وتحديداً من المنظمات الأممية والدولية.
أما سياسياً فإن العملية السياسية في سوريا تمر بحالة من الجمود منذ انطلاق مسار الإصلاح الدستوري نهاية عام 2019، وبسبب اندلاع الصراع في أوكرانيا أصبحت "الدبلوماسية البنَّاءة" التي يعتمد عليها المبعوث الأممي غير بيدرسون في دعم جهوده من قبل الدول الفاعلة في سوريا أكثر صعوبة، وكانت الأمم المتحدة قد تبنَّت منذ نهاية عام 2021 مقاربة "خطوة مقابل خطوة" من أجل تطوير العملية السياسية في سوريا، وباتت تعتمد على تضافر الجهود الدولية الدبلوماسية لدعم هذا النهج، الذي يتألف من مجموعة إجراءات متبادلة في عدد من القضايا، مثل: "المعتقلين والمختطفين والمفقودين، والمساعدات الإنسانية والتعافي المبكر، وشروط العودة الآمنة والطوعية للاجئين، وتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية، وترسيخ الهدوء وتحقيق الاستقرار والتعاون في مكافحة الإرهاب، والمسائل الدبلوماسية"، ورغم مخاوف المبعوث الأممي من تأثير الصراع في أوكرانيا على الدعم الدولي لمقاربة خطوة بخطوة إلا أنها حظيت في مارس/آذار 2022، بدعم من المجموعة المصغرة لأجل سوريا، والتي تضم 11 دولة بما فيها الولايات المتحدة ودول أوروبية وعربية، وقد يكون الدعم الغربي مرتبطًا بمحاولة نقل مناطق النزاع في سوريا إلى مرحلة أكثر تقدماً يتمكن فيها السكان واللاجئون من الاعتماد على أنفسهم، وبالتالي تخفيف العبء على المانحين خلال السنوات المقبلة؛ فمؤتمر بروكسل لدعم سوريا والمنطقة، الذي عُقدت النسخة السادسة منه بين 9 و 10 من مايو/أيار 2022، أكد لأول مرة على ضرورة الاهتمام بمسائل التعافي المبكر وليس الإغاثة الإنسانية فحسب.
عموماً، فقد ساهم الموقف الغربي الداعم نسبياً لنهج الأمم المتحدة، في عقد جولتين من مباحثات اللجنة الدستورية بين مارس/آذار ويونيو/حزيران 2022، لكن دون تحقيق أي تقدم أو اختراق في صياغة إصلاح دستوري. وعلى غرار الدول الغربية والعربية تدعم كل من تركيا وروسيا استمرار العملية السياسية في إطار الإصلاح الدستوري رغم الجمود الذي تمر به المباحثات، ولا يبدو ذلك مرتبطاً فقط بأهمية المسار من أجل الاستقرار ووقف الأعمال القتالية، إنما لكونه يعكس قدرة كل منهما كوسيط على المساهمة في حل النزاع ويحافظ على استمرار آلية العمل المشترك في سوريا؛ باعتبار المسار أحد مخرجات منصة أستانا الثلاثية، التي حرصت أنقرة وموسكو وطهران على انعقاد جولة جديدة منتصف يونيو/حزيران 2022.
تأثيرات الحرب الروسية تبدو حاضرةً وبقوة على الحالة السورية من باب كون الفواعل الدولية والإقليمية المنخرطة في الأزمة السورية هم أنفسهم المعنيين بالحرب الروسية الأوكرانية
أما عسكرياً فقد كانت سوريا ساحة عسكرية مؤثرة بصورة غير مباشرة في الحرب الروسية الأوكرانية، سواء من حيث مشاركة المقاتلين السوريين في تلك الحرب، أو من حيث التأثير في مجريات العمل الميداني في سوريا والتداعيات الناتجة عن حالة الانشغال العسكري الروسي بالحرب فى أوكرانيا، ويمكن تلخيص ذلك فيما يلي:
2- استفادة إيران عسكرياً على أرض الصراع السوري بسحب روسيا لعدد من مقاتليها في سوريا ودفعهم لساحة الحرب في أوكرانيا.
3- وجود بوادر لتحريك الجبهات في مناطق خفض التصعيد بعد بدء الحرب الروسية الأوكرانية؛ فوفقاً لمتخصصين، فإن تغيير روسيا لمهامها العسكرية في سوريا مع بدء حربها في أوكرانيا من مهام قتالية إلى مهام حفظ الأمن والاستقرار، أغرى الفاعلين الدوليين بتصعيد الوضع في بعض مناطق خفض التصعيد.
وفي الختام فإن تأثيرات الحرب الروسية تبدو حاضرةً وبقوة على الحالة السورية من باب كون الفواعل الدولية والإقليمية المنخرطة في الأزمة السورية هم أنفسهم المعنيين بالحرب الروسية الأوكرانية، وتبدو كذلك الأوضاع المستقرة في سوريا إلى حد ما، قابلة للتصعيد أكثر على وقع التأثيرات السابق ذكرها بأبعادها السياسة والعسكرية والاقتصادية، باعتبارها ارتدادات ناتجة عن تفاعلات القوى المعنية بالأزمتين مع بعضها البعض، لكن اللافت هنا أيضاً أن هذه القوى نفسها تبدو "حريصة" على الإبقاء على حالة الاستقرار التي تم التوصل إليها في سوريا منذ عام 2019 قائمة، حتى مع قناعتها بأنه "استقرار هش" عرضة لأي ارتدادات حادة جديدة تفرضها تفاعلاتها المستقبلية سواء في سوريا أو أوكرانيا، ومن ثم فإن هذا الحرص من شأنه أن يزيد من احتمالات العمل على تعزيز هذا الاستقرار مستقبلاً، بمعنى أن تلك القوى ربما ترغب في تركيز تفاعلاتها لمجريات التغيير الذي تحدثه الحرب في أوكرانيا على اعتبار أن نتائجها ستشكل النظام العالمي الجديد، أما العودة إلى التصعيد على الساحة السورية فباتت محكومة بالعديد من السياقات والمسارات والمباحثات المتعددة بين الفاعلين الإقليميين والدوليين المنخرطين فيها، وكلها أدت إلى تثبيت مواقف أطراف الأزمة عند حالة من التوازن والاستقرار في خريطة المصالح والنفوذ.