الرئيسة \
تقارير \ بين دمشق ونيويورك والتوازن المستحيل.. سوريا إلى أين؟
بين دمشق ونيويورك والتوازن المستحيل.. سوريا إلى أين؟
15.09.2025
أنيس المهنا
بين دمشق ونيويورك والتوازن المستحيل.. سوريا إلى أين؟
أنيس المهنا
المدن
الاحد 14/9/2025
الشرق الأوسط يعجّ بالتناقضات، وفي المشهد المعقد اليوم يبرز حدثان متشابكان قد يعيدان رسم خريطة التوازنات في المنطقة: الزيارة التاريخية للرئيس السوري أحمد الشرع إلى نيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، والحديث عن اتفاقية أمنية محتملة بين دمشق وتل أبيب برعاية أميركية. هذان الحدثان ليسا منفصلين، بل يعكسان تحولات عميقة في السياسات الإقليمية والدولية، ويطرحان سؤالاً مصيرياً: إلى أين تتجه سوريا؟
الشرع في نيويورك والشرعية الجديدة
تمثلّ زيارة الشرع إلى نيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، في أول زيارة لرئيس سوري إلى الولايات المتحدة منذ ستة عقود، نقطة تحوّل في العلاقات السورية-الأميركية، خصوصاً بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر /كانون الأول 2024.
وفقاً لمصادر دبلوماسيّة رسمية، من المتوقع أن يلقي الشرع خطاباً أمام الجمعية العامة في 24 أيلول/سبتمبر، كما سيعقد لقاءات مع مسؤولين أميركيين ودوليين. هذه الخطوة تأتي في إطار مساعي سوريا الجديدة لإعادة الاندماج في المجتمع الدولي بعد سنوات من العزلة، لكن المعضلة تكمن في قدرة الشرع على الموازنة بين البحث عن شرعية ما زالت هشة، والضغوط المتعلقة بالتطبيع مع إسرائيل، التي ما زال السوريون غير معتادين حتى على سماع بعض مصطلحاتها.
وتشير تسريبات إلى مفاوضات مكثفة بين دمشق وتل أبيب حول اتفاقية أمنية محتملة تركز على ترتيبات أمنية محدودة، مثل إعادة تفعيل اتفاق فض الاشتباك لعام 1974 ونزع السلاح في جنوب سوريا. وقد أكد الرئيس الشرع أن هذه المفاوضات تهدف إلى "إعادة إسرائيل إلى ما كانت عليه قبل 8 كانون الأول/ديسمبر" وإعادة الهدوء إلى العلاقات مع دول العالم. لكن هذه المفاوضات تواجه عقبات كبيرة، أبرزها رفض إسرائيل التنازل عن الجولان أو السماح بوجود عسكري سوري قوي في الجنوب. كما تواجه مطالب إسرائيلية بتأمين ممر آمن بين الجولان والسويداء والحفاظ على نفوذها في مناطق محسوبة على الأقليات.
إشكالية الداخل: السويداء نموذجاً
الوضع في محافظة السويداء يظل أحد التحديات الداخلية التي تؤثر على أي اتفاق خارجي. فبعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها المحافظة، والتي تدخلت فيها إسرائيل بشكل مباشر، أكد الشرع أن "السويداء جزء أصيل من البلاد" وأن سوريا "لا تقبل القسمة". وقد واجهت الدولة الجديدة وضعاً معقداً في السويداء، حيث قاد حكمت الهجري، أحد شيوخ الدروز، توجهاً نحو إدارة ذاتية بدعم إسرائيلي، مما منع الجيش السوري من بسط سلطته بشكل كامل. هذا الوضع يزيد من هشاشة الموقف التفاوضي للسوريين، خصوصاً مع عدم ثقة الأقليات بالسلطة الجديدة في دمشق.
في خضم هذه التعقيدات، تسعى سوريا الجديدة إلى تبني سياسة خارجية متوازنة تقوم حسب الشرع على "السيادة المتوازنة" ورفض التبعية لأي محور. كما أكد الشرع أن دمشق "تبحث عن الهدوء التام في العلاقات مع كل دول العالم"، مع الإشارة إلى أن لا قطيعة دائمة مع إيران، وأن العلاقات مع روسيا تاريخية "ورثنا روابط وثيقة يجب الحفاظ عليها". هذا النهج يعكس محاولة سوريا الخروج من دائرة الاستهداف والعزلة، لكنه يضعها في موقف صعب بين الضغوط الأميركية والمصالح الروسية والإيرانية.
في هذا السياق، يبرز سؤال الهوية والإرث السياسي لسوريا. فمن ناحية، هناك حاجة ماسة لإعادة الإعمار واستعادة الاستقرار بعد سنوات من الحرب المدمرة. ومن ناحية أخرى، فإن أي تفاوض مع إسرائيل من دون ضمانات حقيقية بإنهاء الاحتلال، سيعيد إنتاج أزمات عتيقة ومعقدة. هنا يحضر تحذير المفكر د. عزمي بشارة عندما اعتبر أن "الثوري الذي ينفي كل ما هو قائم، وينتهي إلى أيديولوجيا شمولية، يستبدلُ استبداداً بآخر". السوريون اليوم يخشون من أن يكون التطبيع مع إسرائيل بدون ضمانات واضحة، سيرسم وجهاً لدمشق لن يكون أبهى من الاستبداد الأسدي على مدى عقود.
مستقبل غامض وسيناريوهات مفتوحة
سوريا اليوم تواجه منعطفاً وجودياً. السيناريوهات المطروحة متعددة: أحدها يحتمل نجاح المفاوضات الأمنية، ويؤدي إلى هدنة مؤقتة، لكنه يؤجل حلّ القضايا الجوهرية مثل الجولان. أما السيناريو الثاني فيفترض فشل المفاوضات مما يعيد المنطقة إلى المربع الملتهب، خصوصاً مع استمرار التعقيدات الداخلية واستمرار الحرب في غزة. أما السيناريو الثالث فيحوّل سوريا إلى ساحة صراع جديدة بين القوى الإقليمية(تركيا واسرائيل)، إذا لم يحسن الرئيس الشرع إدارة البلاد بين توازنات داخلية وخارجية.
ونختم بالعودة أيضاً إلى مقولة للمفكر د. عزمي بشارة: "لا تتطابق الأكثرية والأقلية في الدولة الديمقراطية مع الهوية الإثنية، بل تبقى مسألة رأي ومصلحة". الدرس المستخلص هو أن الخروج من الأزمة يتطلب أكثر من اتفاقيات أمنية أو زيارة دبلوماسية؛ بل يتطلّب بناء عقد اجتماعي جديد، يعبّر عن مصالح الشعب السوري بمختلف مكوناته، ولا يخضع لشروط القوى الخارجية. فقط حينها يمكن لسوريا أن تجيب عن سؤال صعب: إلى أين؟