الرئيسة \  تقارير  \  بعد عقد وعام على هجوم الغوطتين بالأسلحة الكيميائية: حداد في سوريا وشهود يشبهونه بالعدوان على غزة

بعد عقد وعام على هجوم الغوطتين بالأسلحة الكيميائية: حداد في سوريا وشهود يشبهونه بالعدوان على غزة

24.08.2024
هبة محمد



بعد عقد وعام على هجوم الغوطتين بالأسلحة الكيميائية: حداد في سوريا وشهود يشبهونه بالعدوان على غزة
هبة محمد
القدس العربي
الخميس 22/8/2024
دمشق – “القدس العربي” : لا تزل أسر الضحايا التي فقدت أبناءها في أضخم هجوم عرفه العالم بالأسلحة الكيميائية بعد اعتماد اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، تنتظر من المتجمع الدولي رد فعل حاسم على خرق النظام السوري للخطوط الحمر التي رسمتها له عدة دول كبرى في العالم، وإحقاق حقوق الضحايا الذين قتلوا وأصيبوا، في 21 من أغسطس/ آب 2013.
في صباح ذلك اليوم، استهدف النظام السوري بلدات زملكا وكفربطنا وعربين وعين ترما شرق العاصمة، ومعضمية الشام غربها، في غوطتي دمشق الشرقية والغربية، بأكثر من 10 صواريخ تحمل رؤوساً كيميائية، حيث أدت تلك الهجمات إلى مقتل أكثر من 1,144 شخصاً وإصابة 5,935 شخصاً.
ووفقاً لتقرير سابق للشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن النظام السوري شن ليلة الأربعاء 21 آب/ أغسطس 2013 قرابة 4 هجمات بأسلحة كيميائية على مناطق مأهولة بالسكان في الغوطة الشرقية والغوطة الغربية (مدينة معضمية الشام) في محافظة ريف دمشق، استخدم فيها ما لا يقل عن 10 صواريخ محملة بغازات سامة، وتُقدَّر سعة الصاروخ الواحد بـ 20 ليتراً، أي أنَّ المجموع الكلي 200 ليتر، تمَّ إطلاق الصواريخ عبر منصات إطلاق مُخصصة بعد منتصف الليل، واستخدمت كميات كبيرة من غاز السارين، فيما يبدو أنَّه نية مبيَّتة ومقصودة لإبادة أكبر عدد ممكن من الأهالي حين تباغتهم الغازات وهم نيام؛ الأمر الذي يُـخفِّض من فرص النجاة؛ كما أنَّ مؤشرات درجات الحرارة تلك الليلة كانت تُشيرُ إلى انخفاضها بين السَّاعة الثانية والخامسة فجراً؛ ما يؤدي إلى سكون الهواء، وبالتالي عدم تطاير الغازات السَّامة الثقيلة، وبقاؤها قريبة من الأرض، ما يتسبَّب في وقوع أكبر قدر ممكن من الضحايا بين قتلى ومصابين.
إضافةً إلى ما سبق، فقد ساهم الحصار المفروض على الغوطتين الشرقية والغربية من قبل الحكومة السورية منذ نهاية عام 2012، ومنع إدخال الوقود والمحروقات، وعدم توافر الأدوية والمعدات اللازمة لعلاج المصابين في ارتفاع حصيلة الضحايا أيضاً.
جميع الأسباب المذكورة ساهمت في سقوط هذا الكمِّ الهائل من الضحايا بين قتلى ومصابين، سجَّلت الشبكة السورية لحقوق الإنسان بالاسم والتَّفاصيل مقتل 1144 شخصاً اختناقاً، بينهم 1119 مدنياً موزعين على 99 طفلاً و194 سيدة، إضافة إلى 25 من مقاتلي المعارضة المسلحة، وإصابة 5935 شخصاً بأعراض تنفسية وحالات اختناق.
وتحدث الناشط الإعلامي، أبو محمود الحرك، الذي وثق المجزرة قائلاً: “ما زلت أذكر التفاصيل وكأنها تجري الآن. بعد منتصف الليل، دق علينا أحد رفاقنا باب المكتب بطريقة مزعجة. فتحت الباب (…) وأخبرني بأنهم “ضربوا كيماوي، بسرعة ضعوا قماشاً على وجوهكم واخرجوا لتصوير الناس وهي ميتة في الطرقات. شيء لا يصدق”. بدأت التصوير منذ لحظة خروجي من باب المكتب حتى وصلت إلى أول نقطة رأيت فيها شهداء. عندما رأيت الشهداء أكواماً فوق بعضهم، لم أعد قادراً على الكلام وأنا أسجل الفيديو”.
ويضيف: “كيفما وجهت العدسة أجد أناساً قد ماتوا خنقاً، بالفعل لم يكن الأمر يصدق. هنا وجدت أن التصوير لا يفيد شيئاً، وأنه يجب علينا إخلاء المصابين والشهداء من منطقة الاستهداف (زملكا – عين ترما). وفي أول الطريق، وجدنا سيارات الإسعاف إما قد انقلبت أو قد ارتطمت بالحائط، فيما المسعفون صاروا شهداء”.
حاول الحرك الاتصال بعدد من القنوات العربية إلا أنه لم يتمكن من التواصل معهم، وتمكن أخيراً من التواصل مع مسؤول وكالة رويترز بالشرق الأوسط، “أرسلت إليه كل المقاطع التي صورتها دون أن أقول شيئاً إلا أن النظام استهدفنا في الغوطة بالكيماوي، ويجب نقل ذلك إلى الإعلام. ثم توجهت إلى النقطة الأولى لإنقاذ المصابين. صدمت بأن أعداد الشهداء تضاعفت”. وأضاف: “قمت بالتصوير مجدداً وإذ بالصواريخ بدأت تمطر بشدة على جميع أنحاء الغوطة”.
إبراهيم العتيق، الشاهد الوحيد من عائلته، قال في حديث مع “القدس العربي” أذكر عندما شرأبت أعناقنا من النوم في منتصف الليل، لنكون شاهدين على مجزرة بلا دم في زملكا، نهضنا على صراخ أمي وأصوات نساء وبكاء، ثم سمعنا صوت صاروخ غريب يمر من فوقنا. سكتنا برهة. لم ينفجر الصاروخ لكنه أصدر صوتاً غريباً، وأخذت الناس تنادي كيميائي اصعدوا إلى سطوح المنازل، إلى سطوح المباني، وبعد ثوانٍ جاء أبي وصعدنا معه جميعاً إلى بناء عالٍ، وراح ينقذ الجيران”.
وتابع: “تركنا أبي ونحن نسمع أصوات المساجد والأهالي والمسعفين، واستغاثات الجيران، وفجأة جاء صاروخ آخر، لكنه أقرب، وسقط وراء البناء، أصيب ابن اختي وأصبح يخرج من فمه زبد أبيض، أسرعت أمي وأختي الكبيرة لإسعافه، بينما بقيت مع جدتي وإخوتي الصغار، وفجأة تتالت الصواريخ بكل أنواعها على رؤوسنا، فنزلنا من أعلى البناء، وشعرنا داخل البيت بضيق تنفس شديد، ولم أشعر بعدها بشيء، إلى أن استفقت داخل أحد المشافي. ناديت لإخوتي لأمي ولابي، لكن المسعفين أخبروني أنهم وجدوا أبي مستشهداً وهو يسعف الجيران، وأمي وأختي وابنها قد ماتوا على مدخل البيت، كما ماتت جدتي وهي تضم إخوتي وأولاد عمي”. وأضاف: “ماتوا جميعاً وبقيت وحدي. كانت آخر مرة أرى فيها أمي وأبي وإخوتي وباقي عائلتي”.
ولإحياء هذه الذكرى، نظم الدفاع المدني السوري “الخوذ البيضاء”، وقفة في مدينة إدلب، بعنوان “لا تخنقوا الحقيقة” رفع المشاركون لافتات كتبوا عليها عبارات مثل “الضحايا ينتظرون العدالة منذ 11 عاماً”، و”نريد العدالة الفورية لضحايا الغوطة الشرقية”.
المتطوع في الدفاع المدني حمدي قطيني، قال: “اليوم نعلن مرة أخرى وقوفنا مع أهالي الضحايا، ونواصل مناشدة ننشد المجتمع الدولي للمطالبة بالعدالة للمدنيين الأبرياء في كل عام من ذكرى هذه المجزرة”.
“القدس العربي” رصدت تفاعل السوريين مع حالة الحداد العام بمناسبة هذه الذكرى الأليمة، حيث كتبت رئيس مكتب المرأى لدى المجلس المحلي لمدينة دوما، بيان ريحان، تقول: “الروزنامة التي نملكها نحن السوريين مليئة بالمجازر والدم والفقد، يومنا هذا ليس كمثله يوم. اعتقدنا أن شمس يوم هذه المجزرة لن تغيب قبل اتخاذ قرار دولي بحق مجرم الحرب الأسد، وعندما غابت شمسنا تأكدنا أن بقاء الأسد هو قرار دولي وأن إبادة السوريين لم تزعج أحداً في هذا العالم المتواطئ. لن ننسى ما حيينا تلك الأجساد التي ارتقت خنقاً وقتلت على عين العالم الأخرس وإلى الآن ما زال القاتل حراً طليقاً، بل ويعاد تدويله.
كما عقبت إسراء تقول: “أحد عشر عاماً مرّوا على تلك الليلة التي أمطر فيها النظامُ الغوطةَ الشرقية ومعضمية الشام بقذائف محمّلة بالسلاح الكيماوي حصدت أرواح حوالي 1400 ضحية من الأهالي والنازحين”، مضيفة: “وسط المياه المسكوبة على الوجوه والأجساد، وكمامات الأوكسجين، وحُقن الأتروبين، وغيرها من الأدوات القليلة الممكنة بسبب الحصار، فعل الناجون والمُسعفون ما بوسعهم لإنقاذ ما أمكن من حيوات، في أكبر مجزرة كيماوية حصلت في سوريا، وضمن مقتلةٍ فظيعة ومعمّمة شنّها النظام الأسدي وحلفاؤه على السوريات والسوريين حفاظاً على السلطة واستملاك البلد”.
بينما استذكر عزام أمين، يقول: “هل تذكرون تلك الطفلة من الغوطة التي استيقظت بعد ساعات من الغيبوبة لتصرخ أنا عايشة…أنا عايشة؟ لن أنسى صراخ تلك الطفلة التي صرخت: “أنا عايشة…أنا عايشة عمو” هذا الصباح رائحة السارين تُزكمُ الأنوف. إحدى عشرة سنة على مجزرة الكيماوي في الغوطة، والقاتل ابن أبيه ما زال طليقاً”.
بينما ربط ناشط الأحداث، وقارن بين ما يجري في غزة اليوم، مع سوريا منذ أكثر من 13 عاماً، حيث كتب يقول: “تلك الغُصة المخبئة حين تصفح الذكريات، لا يدركها إلَّا من عُجنت روحُه بهموم أمَّته، ما بينَ العدوان على قطاع غزة وذكرى مجزرة الكيماوي في الغُوطة الشرقية بدمشق، أكتُم آه تحرقُ الذاكرة! هذا المَوت المُتعاظم، هذا السيل المتدفِّق من المَوت، هذه المشاهد المخلُوطة بدخان أسود، وآخر أبيَض”. وتابع: “أطفالٌ نيَام في الشام، وأطفال أشلاء في غزة، أبناء اليَاسمين ارتقَوا لخالقهِم مُختنقين بروَائح السم الصامت، وأبنَـاء غزَّة يختنقُون بدخَان الخُذلان الَّذي عبَق بين خيَامهم فأحَالها رماداً وأورثهُم عنَاد الصمود!”.