الرئيسة \  تقارير  \  بايدن والكوريتان

بايدن والكوريتان

30.04.2023
ديفيد إي سانجر وتشوي سانغ هون

بايدن والكوريتان
ديفيد إي سانجر وتشوي سانغ هون
خدمة “نيويورك تايمز”
الشرق الاوسط
السبت 29/4/2023
في السنوات الأربع التي انقضت منذ انهيار الدبلوماسية بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، بعد فشل اجتماعهما في هانوي، فيتنام، توسعت ترسانة الأسلحة النووية لبيونغ يانغ بسرعة كبيرة لدرجة أن المسؤولين الأميركيين والكوريين الجنوبيين باتوا يعترفون بأنهم توقفوا عن محاولة الاحتفاظ بإحصاء دقيق لعدد هذه الأسلحة.
كما أن اختبارات الصواريخ في كوريا الشمالية قد أصبحت متكررة لدرجة أنه قد بات يتم تجاهلها في العناوين الرئيسية في سيول، ولذلك فإنه عندما يرحب الرئيس الأميركي جو بايدن بنظيره الكوري الجنوبي يون سوك يول في البيت الأبيض، اليوم (الأربعاء)، وهي الزيارة الثانية فقط له أثناء رئاسة بايدن، فإنه ستكون هناك ادعاءات قليلة بأن نزع سلاح كوريا الشمالية لا يزال هدفاً معقولاً.
ويقول المسؤولون الأميركيون إنه بدلاً من ذلك سيركز التزام بايدن الأكثر وضوحاً تجاه يون على ما يسميه خبراء الحد من الأسلحة “الردع الممتد”، وتجديده التعهد بأنه سيتم استخدام الترسانة النووية الأميركية إذا لزم الأمر لمنع أي هجوم نووي كوري شمالي على الجنوب أو للرد عليه في حال حدوثه.
ولكن التركيز على الردع فقط يمثل اعترافاً صارخاً بأن جميع الجهود الأخرى على مدى العقود الثلاثة الماضية لكبح البرنامج النووي لبيونغ يانغ، بما في ذلك من خلال الإقناع الدبلوماسي ووقف العقوبات والوعود بتقديم المساعدات التنموية، قد فشلت جميعها، كما يهدف الردع إلى كبح جماح الدعوة المتزايدة في كوريا الجنوبية للحصول على ترسانتها المستقلة، في ظل وجود احتمال بعيد للغاية أن تتخذ جارتها الشمالية قراراً انتحارياً باستخدام السلاح النووي.
ولكن ترسانة كوريا الشمالية النووية لن تكون الموضوع الوحيد الذي ستتم مناقشته خلال زيارة يون لواشنطن، إذ سيحتفل هو وبايدن بالذكرى السبعين للتحالف بين بلديهما، وسيتم تناول الالتزامات بمزيد من الاستثمار الكوري الجنوبي في تصنيع أشباه الموصلات وخطط تعزيز علاقة سيول المشحونة دائماً باليابان، ولكن التوسع السريع في قدرات كوريا الشمالية يمثل موضوع اهتمام مشترك دائم لكلا البلدين.
ويبدو أن برنامج كوريا الشمالية النووي الراسخ والمتقدم قد بات لا رَجعة فيه الآن، وذلك في ظل قيام الصين بتوسيع ترسانتها لتشمل 1500 سلاح بحلول عام 2035 تقريباً، وفقاً لتقديرات وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، فضلاً عن تهديد روسيا باستخدام أسلحة تكتيكية في حربها في أوكرانيا.
وفي تكرار للعبارة التي رددتها حكومتها مراراً في الأشهر الأخيرة، قالت وزيرة خارجية كوريا الشمالية تشوي سون هوي، إن وضع كوريا الشمالية “باعتبارها قوة نووية عالمية المستوى قد بات نهائياً ولا رَجعة فيه”.
ويعتقد مجموعة من الخبراء أن التحول في الخطاب أو التهديدات بشأن شن الضربات الأولى يشير إلى استعداد أكبر من قبل كوريا الشمالية لاستخدام أسلحتها النووية، فقد ولَّت الأيام التي اعتقد فيها المسؤولون الأميركيون أن الترسانة الكورية الشمالية تبدو ورقة مساومة، أو شيئاً تمكن مقايضته بالصفقات التجارية، ولكن الرد سيكون مدمراً.
ويقول جوزيف ناي، الذي أشرف على أحد التقييمات الاستخبارية الأولى للحكومة الأميركية بشأن كوريا الشمالية، إن “هناك اعتقاداً خاطئاً أنهم سيحاولون جني الأموال من الشرائح الإلكترونية وإنفاقها على شيء ما، ولكن بدلاً من تطوير البلاد، فإن الهدف الأعلى لكوريا الشمالية هو الحفاظ على الأسرة الحاكمة، وهذا يعني التمسك بالترسانة النووية وتوسيعها”.
وقال مسؤولون أميركيون في مقابلات مع “نيويورك تايمز” إن التغيير في علاقة كوريا الشمالية مع الصين قد يفسر جزئياً ثقة بيونغ يانغ بتوسيع ترسانتها، فقد عملت الولايات المتحدة في السابق مع بكين، مورد الطاقة الحيوية والتجارة إلى الشمال، لكبح جماح البلاد، ولكن في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، استضاف الصينيون ما يسمى المحادثات السداسية التي ضمت كوريا الشمالية واليابان وروسيا والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية لحل القضية النووية، وعندما أجرت بيونغ يانغ تجارب نووية، صوّتت بكين في كثير من الأحيان لصالح العقوبات وفرضت القليل منها بالفعل.
والآن، بدلاً من النظر إلى كوريا الشمالية باعتبارها جاراً غاضباً جامحاً، فقد رحبت الصين بها، إلى جانب روسيا وإيران، بوصف ذلك جزءاً مما يسميه مسؤولو البيت الأبيض “تحالف المتضررين”، ففي حين أن المسؤولين الصينيين يخشون أن تنحرف التجارب النووية لكوريا الشمالية عن مسارها، ما قد يؤدي إلى خلق سحابة مشعة، فإنه يبدو أنهم سعداء تماماً لجعل كوريا الشمالية تزعج الولايات المتحدة وحلفاءها من خلال إجراء التجارب الصاروخية بشكل منتظم.
وتشير أحدث الاختبارات التي أجرتها كوريا الشمالية للصواريخ الباليستية العابرة للقارات، بما في ذلك صاروخ يعمل بالوقود الصلب ما يجعله سريعاً في الخروج من المخابئ وكذلك في الإطلاق، إلى أن كوريا الشمالية يمكنها الآن الوصول إلى الأراضي الأميركية بشكل شبه مؤكد، وذلك حتى لو كانت قدرتها على إصابة أهداف محددة غير دقيقة، وكانت بيونغ يانغ قد بدأت تتحدث خلال العام الماضي عن قدرتها على شن الضربة الأولى، وذلك بدلاً من اعتبار ترسانتها دفاعية بحتة.
وفي 27 مارس (آذار) الماضي، نشرت كوريا الشمالية أيضاً صوراً لزعيم البلاد وهو يتفقد “هواسان 31” وهي مجموعة رؤوس حربية نووية صغيرة يمكن تثبيتها على مختلف الصواريخ والطائرات من دون طيار ذات القدرة النووية.
ويقول هونغ مين، وهو خبير في الأسلحة الكورية الشمالية في المعهد الكوري للوحدة الوطنية في سيول، إنه إذا كان هذا السلاح حقيقياً، فإن الصور تعني أن كوريا الشمالية تستعرض قدرتها على إنتاج رؤوس حربية نووية بكميات كبيرة.
وقد دعا كيم إلى إنتاج رؤوس حربية نووية بكميات كبيرة من أجل “زيادة هائلة” في الترسانة النووية للبلاد، كما أمر حكومته، الشهر الماضي، بتكثيف إنتاج المواد النووية الصالحة لصنع الأسلحة.
ويقول مسؤولون من كوريا الجنوبية إن بعض مزاعم بيونغ يانغ، بما في ذلك القدرات المزعومة لمسيراتها تحت الماء وصواريخها الأسرع من الصوت، مُبالغ فيها.
وكان رد الفعل في واشنطن وسيول هو التعهد بتعزيز تحالفهما، الأمر الذي سهله حقيقة أن يون يتبنى وجهة نظر أكثر تشدداً حول كيفية التعامل مع كوريا الشمالية، مما فعل سلفه مون جاي إن، الذي زار بايدن في مايو (أيار) 2021.
ولذلك، فإنه من المتوقع أن يتحدث الزعيمان مطولاً وبشكل علني عن “الردع الممتد”، كما سيقدم بايدن زيارات أكثر انتظاماً وعلنية بشكل أكبر للغواصات والطائرات الأميركية المسلحة نووياً إلى كوريا الجنوبية، مما يعزز التدريبات العسكرية المشتركة التي أعيد ترتيب وضعها مؤخراً وتوسيع نطاقها بعدما كان قد تم تعليقها وتقليصها في عهد ترمب.
ويقول كيم تاي هيو وهو نائب مستشار الأمن القومي لدى يون، إن أحد أهم بنود جدول أعمال القمة هو كيفية تعزيز ثقة كوريا الجنوبية بالتزام واشنطن حمايتها بمظلة نووية، ولكن المسؤولين الكوريين يقولون إن ذلك يعتمد بشكل أكبر على ثقتهم بالرئيس الأميركي الحالي وما إذا كانت واشنطن ستكون على استعداد للمخاطرة بالدخول في معركة نووية، في حال شنت كوريا الشمالية هجوماً على الجنوب باستخدام أسلحة نووية تكتيكية.

* خدمة “نيويورك تايمز”