الرئيسة \
تقارير \ انتخابات سورية... هل يُصلح العطّار ما أفسده الأسد؟
انتخابات سورية... هل يُصلح العطّار ما أفسده الأسد؟
17.09.2025
أحمد مظهر سعدو
انتخابات سورية... هل يُصلح العطّار ما أفسده الأسد؟
أحمد مظهر سعدو
العربي الجديد
الثلاثاء 16/9/2025
كان لا بد (وحتى تستقيم المرحلة الانتقالية في سورية) من إجراء انتخابات تشريعية، تسدّ الثغرة وتملأ الشواغر، وتصدق أو تشرع، وتعدل القوانين المطلوبة تماشيًا وتساوقًا موضوعيّاً مع حالة التغيير الكبرى التي حدثت إبّان سقوط نظام بشّار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول الفائت. لذلك، فإن الاشتغال حثيثًا اليوم م اللجنة العليا للانتخابات التشريعية، على ضرورة إنتاج العملية الانتخابية غير المباشرة، بين 15 و20 من سبتمبر/ أيلول الحالي ضرورة حقيقة، علها تقوم عمليّاً بسد الثغرة وتعيد إنتاج الواقع السوري الجديد والمرحلي، وفق معطيات تمثيلية نيابية تُمسك بناصية المسألة التشريعية في سورية، ثم تكون عونًا جديًا للحالة الوطنية السورية، وصولًا إلى انتخابات أخرى مقبلو وحقيقية ومباشرة، لتكون في حينها معبّرة بحق عن جملة متغيرات الواقع السوري الجديد، بعد أن جرى كنس نظام آل الأسد والطغيان الأسدي بقضّه وقضيضه.
مع ذلك، تبقى الأسئلة في هذا الصدد كثيرة وعديدة، شعبيّاً ونخبويّاً، داخليّاً وخارجيّاً، وكلها تتمحور حول أهمية هذه الانتخابات وضرورتها، وماهيتها، وإمكانية أن تخرج من عنق الزجاجة، ثم تتجاوز كل الإشكالات الكبرى التي خلفتها أحداث الساحل السوري، وما أتى بعدها من أحداث الجنوب السوري في السويداء، وما خلّفته من جروح غائرة، قد لا تندمل سريعًا، ثم انتظارًا لأحداث قد تكون مشابهة لما جرى في حيز متوتر آخر شمال شرق سورية، حيث تمضي سريعًا تلك المهلة التي أُعطيت لاتفاق 10 مارس (الماضي) بين الرئيس أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وتوابعها، مظلوم عبدي زعيم ، والتي ستنتهي مع نهاية العام.
السؤال الأهم اليوم ضمن الحالة السورية، وعلى مشارف العملية الانتخابية التشريعية الجارية: هل يمكن عمليّاً وواقعيّاً أن نتحرّك في سورية نحو انتخابات ديمقراطية حرّة تعبر ميدانيّأً عن آراء كل الأيديولوجيات والإثنيات وكل الطوائف الكثيرة في سورية وأفكارها، ومن ثم أن نخرج من تخرّصات ما خلفه نظام الاستبداد المشرقي، الذي حكم وخطف سورية إلى ما يزيد عن 54 عاماً خلت، حيث اتّسمت في تلك المراحل بتلك الأجواء المعلبة مما يسمّونها الديمقراطية، التي كان يريدها نظام الأسد تصفيقاً لنظامه وحكمه، وليس معارضة له، فلم يكن في كل مجلس الشعب ذاك في خمسة عقود أي صوت حقيقي معارض، حتى أن العضو منذر موصللي الذي تجرّأ على قرار تعديل الدستور كي يكون عمر بشّار الأسد مناسبًا ليكون رئيسًا للجمهورية، جرى تخوينه، وهو الموالي البعثي وليس المعارض، وهو الذي طلب باقتراحه تخريجاً مقبولاً للمسألة في حينها، وهو لم يعترض أصلا على انتخاب بشّار خليفة في الرئاسة لأبيه حافظ الأسد.
هناك عطش حقيقي لدى الشارع السوري نحو قوننة حقيقة للأحزاب وسيادة منطقية للقانون أولا وآخرا
كان واقع الحال يقول: لم يتعوّد السوريون، طوال عقود خمسة، على إنتاج حالاتٍ معارضةٍ داخل البرلمان، ولم يكن أصلاً حال السوريين داخل البرلمان ولا خارجه يسمح لهم بوجود أي صوت ينتج وضعاً يلامس أي معطى ديمقراطي، وإلا يكون مصيره السجن والمعتقلات الكثيرة جدًا. أما اليوم فيُنتظر من المجلس القادم في دمشق سلوك آخر، ولا يمكن أن يقبل السوريون بأي مجلس تشريعي أو برلماني يكون نسخة مصغّرة عن الذي تعوّدوا على أن يكون مصفقاً للسلطات طوال فترته البرلمانية. ولكن هل تسمح الأجواء الحالية في سورية بوجود معارضة داخل المجلس الجديد؟ وهل آليات الانتخاب غير المباشرة بشكلها الحالي، وأيضاً بوجود الثلث المعين من الرئاسة، تسمح أو تعطي مجالاً من أجل سماع أصوات معارضة جديدة تكون بمثابة جائزة كبرى للسوريين على تضحياتهم خلال 14 عاماً من الثورة؟
أمام مجلس الشعب القادم الكثير الكثير من حالات تجديد القوانين وتشريعها، وملء الفراغات الفاقعة، ومنها العمل على إنتاج قانون عصري للإعلام السوري، يكون سقفه عالياً، ويتساوق مع أجواء الحرية التي يبتغيها السوريون. قانون للإعلام والمطبوعات، وقانون عصري حداثي للإدارة المحلية، أشبه ما يكون باللامركزية الإدارية، حسمًا لإشكالات "قسد" ومناداتها باللامركزية شرطاً ضرورياً للانخراط بالعملية السياسية.
ينتظر الشعب السوري مراحله المقبلة ليتم تجاوز المؤقت، لأن المؤقت لا يمكن أن يكون دائمًاً
على عاتق المجلس القادم البتّ في جملة قوانين مرتبطة بتسهيل إجراءات، كانت معوّقة للاستثمار وتحديث الاقتصاد. تشريعات تعدل تلك القوانين العتيقة التي عفا عليها الزمن، وتجاوزتها الأيام، ثم قانون للأحزاب وقوننتها، وإعطاء مجال رحب للحياة السياسية في سورية، التي كان نظام الأسد يمنعها ويحظرها نظام الأسد ويسمح بالحركة فقط للمطبّلين والموالين والتابعين.
لا يحتاج السوريون اليوم قوانين أحزاب تكون مرجعيتها دوائر المخابرات أو وزرارة الداخلية. هناك عطش حقيقي لدى الشارع السوري نحو قوننة حقيقة للأحزاب وسيادة منطقية للقانون أولاً وآخراً. فهل يتسع صدر الحكم الجديد في دمشق لإقامة أجواء من الحرية والعدالة والقوننة، تسمح بوجود أحزاب سورية منافسة؟ أم ما زالت المسألة محكومة بإجراءات هي أشبه ما تكون بأمراض المرحلة السابقة ذات الطابع التبعي والمحدد والموجه.
الأنظار موجّهة اليوم إلى هذه التجربة الجديدة الانتخابية الانتقالية التي لن تكون كافيةً من أجل مستقبل سورية، بل يمكن أن يقبلها السوريون مرحلة مؤقتة وتجربة جديدة، تؤسّس للمرحلة الدائمة دستوريّاً ومؤسّساتيّاً وإجرائيّاً، بحيث ينتظر الشعب السوري مراحله المقبلة ليتم تجاوز المؤقّت، لأن المؤقّت لا يمكن أن يكون دائماً، والنقد المزدوج سيبقى طريقاً مهمّاً للاستيعاب، وهذا ما يتطلع إليه السوريون، ويأملون بأجواء تعينهم للعبور نحو مرحلة أخرى، يحلمون فيها بدولة المواطنة الديمقراطية، فهل ذلك بات ممكناً؟