الرئيسة \  تقارير  \  انتخابات تركيا 2023 : اليوم التالي

انتخابات تركيا 2023 : اليوم التالي

22.05.2023
هنري باركي

انتخابات تركيا 2023 : اليوم التالي
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
‏‏‏هنري جيه. باركي‏‏ – (ذا ناشيونال إنترست) 8/5/2023
الغد الاردنية
الاحد 21-5-2023
لم تحسم الانتخابات التركية التي أجريت يوم الأحد، 14 أيار (مايو)، السباق الحاسم على رئاسة البلاد. وما تزال كل الاحتمالات مفتوحة حتى ظهور نتائج جولة الإعادة المقرر إجراؤها في 28 أيار (مايو) الحالي. وكانت مجلة “ذا ناشيونال إنترست” قد نشرت هذا المقال قبل أيام من موعد الانتخابات، وتأمل كاتبه الاحتمالات في حال خسارة الرئيس رجب طيب أردوغان لصالح المعارضة.
* * *
‏في 14 أيار (مايو)، يتوجه الأتراك إلى صناديق الاقتراع في واحدة من أكثر الانتخابات أهمية لهذا العام. فتركيا بلد مهم، وتعِد التحالفات والقادة المتنافسون بجلب حلول ومقاربات متميزة لمواجهة التحديات التي يشهدها البلد.‏
تحاول هذه المقالة تحليل التداعيات التي ستترتب على النتائج الانتخابية المختلفة الممكنة للانتخابات التركية الحاسمة. وتركز على احتمال أن تنتهي هذه الانتخابات بهزيمة للرئيس الحالي، رجب طيب أردوغان، و”حزب العدالة والتنمية” الذي يتزعمه. ولا يعكس خيار البداية هذا توقعا ولا تفضيلا. ومع ذلك، تبقى الحقيقة أن أياما مضطربة سوف تنتظر تركيا في حال هُزم أردوغان بعد عشرين عاما من وجوده في الحكم. ذلك لأن النظام السياسي التركي منقسم ومستقطب بشدة، ويحتاج إلى خريطة طريق محددة جيدًا لتحقيق انتقال سياسي ناجح. وعلاوة على ذلك، فإن التغييرات السياسية الهيكلية التي تعهد بها ائتلاف المعارضة بقيادة “حزب الشعب الجمهوري” ورئيسه، كمال كيليتشدار أوغلو، تنطوي على إجراء تحويل كامل للنظام.‏
سوف يكون التحول صعبا بشكل خاص لأن الحكومة الجديدة ستكون في مواجهة ثلاث مشاكل فورية: الاقتصاد؛ ووضع مؤسسات الدولة؛ وممارسة الحكم وسط فوضى تلف كل مستويات المجتمع والسياسة. وأكثر هذه المشاكل إلحاحا هي الوضع الاقتصادي المتردي الناجم عن سوء الإدارة، والذي تفاقم بسبب زلزال 6 شباط (فبراير) المدمر. وبذلك، سيترتب على الحكومة أن تقدم بسرعة حزمة مالية تعالج معدل التضخم المرتفع، وأزمة الحساب الجاري المقبضة، وانخفاض قيمة الليرة، ومعالجة الخسارة الدراماتيكية للثقة في الاقتصاد التركي.‏
تقدر تكلفة الزلزال بما يتراوح بين 8 و12 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو مبلغ هائل. وبالنظر إلى مدى ضعف أداء حكومة أردوغان بعد الزلزال، فإن التوقعات بأن تقوم الحكومة الجديدة بإعادة تأهيل ضحاياه وإعادة إعمار البنية التحتية للمحافظات المتضررة لا بد أن تكون عالية. ومع ذلك، فإن مثل هذه النفقات سوف تصطدم باعتماد سياسات اقتصادية أكثر تقليدية، بما في ذلك رفع أسعار الفائدة. وفي مثل هذه البيئة الصعبة، سيترتب على الحكومة الجديدة كسب الدعم المحلي بالتزام الشفافية والصدق بأكبر قد ممكن في شرح سياساتها للجمهور الذي فقد الثقة بالحكومات خلال العقد الأخير من حكم أردوغان.‏
الخبر السار هو أن قاعدة التصنيع التركية صلبة وقادرة؛ وهي في حاجة إلى مضاعفة جهودها لزيادة وتنويع صادراتها، جغرافيًا في المقام الأول، وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر مرة أخرى. ويساعد موقع تركيا المميز في قدوم بعض أنواع الاستثمارات “الداعمة للصديق”. وستحتاج تركيا إلى مساعدات أجنبية كبيرة لتحقيق ذلك والحصول على أموال لإعادة الهيكلة. ومن المرجح أن يأتي هذا الدعم بشكل رئيسي من الولايات المتحدة وأوروبا.‏
التحدي الثاني هو الحاجة إلى تنفيذ عملية انتقال لا مثيل لها في تاريخ تركيا الحديث. ويرجع ذلك إلى أن أردوغان، وهو السياسي الشعبوي والسلطوي البارع، وضع خلال فترة حكمه كل مؤسسة حكومية أو مجتمعية ذات أهمية تحت سيطرته. من النظام القضائي إلى البنك المركزي، إلى الجامعات الحكومية، ومعظم الصحافة، والبرلمان، والجيش، والبيروقراطية، تم تجريدها كل هذه المؤسسات من استقلاليتها.‏
ومع ذلك، لا يمكن لأي شيء أن يمضي قدمًا من دون أن تتم إعادة إرساء سيادة القانون أولاً؛ لا يمكن للمرء أن يتمكن من جذب الاستثمارات في بيئة تُنتهك فيها القواعد والأعراف القانونية باستمرار. وإذن، كيف تتعامل الحكومة الجديدة مع التوقعات المكبوتة للإنصاف والعدالة في بلد سُجن فيه الآلاف من الناس بشكل تعسفي أو فصلوا من وظائفهم ومهنهم؟ كما أنه في حين أن 800 مسؤول حكومي -بمن فيهم المحافظون والسفراء ورؤساء الاستخبارات والشؤون الدينية ومختلف الوكالات- سيفقدون وظائفهم تلقائيًا، سوف يستمر الموالون لأردوغان في إدارة القضاء والمؤسسات الحيوية الأخرى. ولذلك، يتعين على الائتلاف المنتصر أن يضع خطة عمل لإعادة بناء الثقة بالمؤسسات.‏
ستكون المهمة الثالثة هي إنشاء هيكل حكم متماسك من مجموعة متباينة من حلفاء التحالف والشركاء الخارجيين، مع معالجة القضايا الخام المثيرة للانقسام التي تفصل بينهم. ومن المفهوم أن التركيز سينصب على الوعد بالعودة إلى النظام البرلماني والتخلص من النظام الرئاسي مفرط الصلاحيات. وسوف تتطلب هذه المهمة الضخمة تخطيطًا ونقاشًا دقيقين وبضع سنوات لإنجازها.‏
‏يتميز زعيم المعارضة، كيليشدار أوغلو، بأنه شخص حسن النية، وإن كان غير مبدع، ويأتي من خلفية بيروقراطية. ومع ذلك، فاق أداؤه الانتخابي كل التوقعات من خلال إدارة حملة ذكية، وتبني أسلوب هادئ وغير تصادمي. وهذا يتناقض بشكل صارخ مع أردوغان، الذي بذل قصارى جهده لتوظيف خطاب مثير للانقسام، والذي غالبًا ما اعتبرت فيه الانتقادات الموجهة إلى الرئيس خيانة تستحق المحاكمة.‏
‏قدم كيليشدار أوغلو نفسه على أنه الزعيم الانتقالي المثالي؛ وإذا ما نُظر إليها من منظور واسع، فإن لدى المعارضة العديد من النجوم الكاريزمية الصاعدة التي تنتظر جميعا بصبر نافد لعب دور أكثر أهمية. وفي حين أن ذلك قد يكون إشكاليا في حال قدوم بداية لإدارة جديدة، إلا أن تنوعهم من حيث الخلفية والخبرة والنظرة إلى العالم سيجلب الدينامية التي تشتد الحاجة إليها في السياسة التركية. وسوف يحتاج هذا إلى تحسين من جانب الحكومة. ومن المفارقات أنه، عندما وصل إلى سدة السلطة في أوائل العام 2000، جمع أردوغان مجموعة واسعة الأطياف من الشخصيات السياسية المخضرمة وغيرهم من مختلف مشارب الحياة. ولكن، تم لسوء الحظ تجاهلهم جميعًا مع مرور الوقت لصالح “رجال ’نعم‘”.‏
‏سوف يكون أحد التحديات المباشرة أمام الحكومة الجديدة هو إدارة الإحباطات الكامنة لدى المؤيدين الذين يشعرون بأنهم تعرضوا للظلم بسبب أسلوب الحكم المتحزب الذي انتهجته الإدارة الحالية. بالنسبة لأولئك الذين كانوا في معسكر أردوغان، حتى لو أنهم أعدوا أنفسهم لهزيمة محتملة، تبقى الحقيقة أن البساط سوف يُسحَب من تحت أقدامهم. وفي غياب المؤسسات الحزبية التي يمكنهم اللجوء إليها للحصول على الدعم، سيجدون أنفسهم من دون حماية، وهم لذلك خائفون تمامًا من حساب قادم يغير مستقبلهم. وهؤلاء هم رجال الأعمال، وخاصة أولئك الذين يشتغلون في البناء الذين اتهموا بالفساد والمحسوبية؛ وقادة الصحافة الموالية لأردوغان والخانعة؛ والقضاة والمدعون العامون الذين لفقوا، بأوامر من القصر الرئاسي، نظريات مؤامرة بديعة “أضفت الشرعية” على سجن المعارضين؛ وقيادات جامعية غير مؤهلة عاثت فسادًا وقامت بطرد الأساتذة الذين اعتبروا غير موالين بما فيه الكفاية للنظام. وقد اتخذت هذه القيادات الأخيرة خطوات استباقية حين خلق أفرادها وظائف لأنفسهم خلسة في أنظمة الجامعات.‏
‏تطرح الصحافة، المملوكة منها للدولة والخاصة على حد سواء، قضية شائكة بشكل خاص. فقد حاولت حكومة أردوغان تجويع وسائل الإعلام “غير الموالية” من خلال إجبار محطات التلفزة والمواقع الإلكترونية على الإغلاق مؤقتًا، أو منع كيانات الدولة، سواء كانت بنوكًا مملوكة للدولة أو وزارات، من الإعلان في صحف “المعارضة”. وفي الوقت نفسه، أغدقت الحكومة الاهتمام والموارد على أعضاء الصحافة المهيمنة الموالية لأردوغان الذين تعاونوا بنشاط في قمع معارضي النظام من خلال استهدافهم باتهامات ملفقة.‏
هل سيقوم أردوغان، الذي لديه حاشية كبيرة يجب أن يؤمن لها الحماية، بالإضافة إلى عائلته وحلفائه في الصحافة والبيروقراطية والقطاعات الأخرى، بتكرار خبرة تمرد 6 كانون الثاني (يناير) على نتائج الانتخابات في الولايات المتحدة، أم أنه سيحاول نزع الشرعية عنها؟ لقد جرب ذلك ذات مرة عندما خسر حزبه رئاسة بلدية إسطنبول في العام 2019 واختلق ذريعة لإعادة الانتخابات المحلية. وجاء ذلك بنتائج عكسية عليه حيث صوت سكان إسطنبول بأعداد أكبر بكثير لصالح معارضته. ثم لم يكن أمام المجلس الانتخابي الأعلى خيار سوى اتباع رغبات أردوغان غير القانونية لأنه كان يتمتع فعليًا بسلطة هائلة. هذه المرة، قد يكون الأمر مختلفًا لأنه من غير المرجح أن يخاطر أعضاء المجلس بسلامتهم إذا ثبت فشله في العودة إلى السلطة. وهناك مؤشرات مسبقًا على أن بعض أعضاء المحكمة الدستورية على استعداد لتحديه.‏
‏مع ذلك، ومن أجل تحقيق انتقال سلمي، قد ترغب الحكومة القادمة في النظر في التوصل إلى تفاهم مع أردوغان وعائلته، يوفر لهم الحصانة ووعدًا بأنهم سيتركون وشأنهم، شريطة ألا ينخرط في الحيل الانتخابية وأن لا يتدخل في جهود الحكومة القادمة لتشكيل حكومة.‏
‏من المرجح أن تواجه القيادة الجديدة تحديات غير متوقعة؛ من المتوقع أن تتحرك الجماعات المختلفة التي استهدفتها حكومة أردوغان في السابق بسرعة ضد معذبيها السابقين بمجرد إعلان نتائج الانتخابات. ويمكن للمرء أن يتصور، على سبيل المثال، أكاديميين وطلاب جامعة بوغازيتشي، الذين حافظوا على تنظيم احتجاجات نشطة ضد الكوادر التي عينها أردوغان والتي نهبت واحدة من أفضل المؤسسات التعليمية في البلاد، وهم يحاولون الاستيلاء على الجامعة بالقوة. بل إن من المرجح أن تتكرر مثل هذه الأحداث في جميع أنحاء البلاد.‏
‏بالنظر إلى القضايا والتحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المحلية الضخمة التي تنتظر الحكومة الجديدة، يغلب أن تركز هذه الحكومة على تحسين العلاقات مع الغرب الذي تحتاج تركيا بشدة إلى دعمه لتمويل جهود إعادة الإعمار الضخمة بعد الزلزال وتحقيق الاستقرار في الاقتصاد. ولسوء الحظ، في هذه المرحلة المبكرة، سيكون من شأن نزاعات السياسة الخارجية أن تحول الانتباه والطاقة عن المهمة المطروحة.‏
‏يأتي على رأس جدول الأعمال طلب السويد للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي الذي عرقلته حكومة أردوغان لأن ستوكهولم رفضت تسليم من يُسمون بالإرهابيين. وليس الأمر أن لدى المعارضة وجهة نظر مختلفة حول هذه القضية فحسب، ولكن كانت لدى يسار الوسط في تركيا تقليديا وجهة نظر إيجابية عن السويد. وقد أشار الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى رغبته في بيع أنقرة طائرات “أف- 16، خاصة في ظل طرد تركيا من برنامج مقاتلات “أف-35” من الجيل الخامس بعد امتلاكها بطاريات من نظام الدفاع الجوي الروسي (أس- 400). ومع ذلك، من غير المرجح أن يوافق الكونغرس على أي مبيعات أسلحة لتركيا، خاصة طائرات “أف-16، أو أن يقدم دعمًا كبيرًا لتركيا إذا استمرت في استخدام حق النقض (الفيتو) على طلب السويد. أما مشكلة نظام (أس- 400) الشائكة، التي لا يوجد لها حل فوري، فعليها أن تنتظر إجابة مبتكرة. ولذلك، سيتعين على الحكومة التركية الجديدة أن تؤجل التعامل مع هذه القضية إلى المستقبل.
‏لن يتغير كل شيء في السياسة الخارجية التركية في حال خسارة أردوغان؛ ليسار الوسط في تركيا مواقفه القومية. وسيواصل كليتشدار أوغلو، بمجرد وصوله إلى السلطة، تقديم خدمة شفوية شبأن القضايا التقليدية التي كانت السمة المميزة للسياسة الخارجية التركية، مثل قبرص وبحر إيجة، في اختلاف عن أسلوب أردوغان القتالي. وتجدر الإشارة إلى أنه منذ وقوع الزلزال، توقف سلاح الجو التركي عن التحليق فوق الجزر اليونانية خوفًا من استعداء المانحين الغربيين.‏
سوف يضغط كليتشدار أوغلو في اتجاه استعادة العلاقات مع الرئيس السوري بشار الأسد، خاصة إذا كان هذا سيؤدي إلى عودة بعض اللاجئين السوريين إلى ديارهم. وقد يؤدي “التقارب” الأخير بين المملكة العربية السعودية وإيران والجهود الواضحة لإعادة دمج الأسد التي تبذلها دول الخليج إلى محاولة إنهاء الجمود السوري. ومع استمرار الرئيس الأسد في السلطة، يمكن أن تتفق الرياض وطهران على تكريس الوضع الراهن، شريطة أن يقدم النظام بعض التنازلات. ونظرًا لدعمها للمعارضة السورية ووجودها العسكري في شمال سورية، فإن مشاركة تركيا ستساعد في ضمان نجاح هذا الاتفاق.‏
‏من المرجح أن تتوصل واشنطن وأنقرة إلى اتفاق بشأن وجود القوات الأميركية المتمركزة في شمال سورية، والتي تشارك الأكراد المحليين في محاربة تنظيم “داعش”. وكان هذا الموضوع مصدرًا هامًا للتوتر بين البلدين. ‏
وأخيرًا، تريد أوروبا والولايات المتحدة أن ترى تركيا وهي تعكس مسار الاستبداد في عهد أردوغان. وتحقيقًا لهذه الغاية، من مصلحتهم أيضًا أن يكونوا مستعدين لاستيعاب حكومة جديدة لهذا البلد والتكيف معها بأكبر قدر ممكن.‏
‏*هنري ج. باركي Henri J Barkey: أستاذ العلاقات الدولية في جامعة ليهاي وزميل أول مساعد لدراسات الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية.‏
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Turkey’s 2023 Elections: The Day After