اليابان والصين .. أوجه الشبه!
30.07.2023
الاتحاد
اليابان والصين .. أوجه الشبه!
الاتحاد
السبت 29/7/2023
في أوائل التسعينيات، كان العديد من الأميركيين -- وخاصة المعلّقين الإعلاميين ولكن أيضا قادة الأعمال وعددا مهما من عامة الناس -- مهووسين بصعود اليابان. وكانت رواية مايكل كريشتون “الشمس المشرقة” حول ما تخيّل أنه التأثير المتنامي للشركات اليابانية، وكتاب ليستر ثورو “وجها لوجه.. المعركة الاقتصادية القادمة بين اليابان وأوروبا وأميركا” اثنين من أكثر الكتب مبيعا في 1992. ومن السهل نسيان ذلك الآن، ولكنني أودُّ أن أذكّر الناس بكيف كانت محلات بيع الكتب والمجلات في المطارات تعجّ بالكتب التي تحمل أغلفتها صور محاربي الساموراي وتَعد بتعليمك أسرار الإدارة اليابانية.
كان توقيت هذا الهوس باليابان مثيرا للاهتمام. ذلك أنه جاء في اللحظة نفسها تقريبا التي أخذ يتحوّل فيها صعود اليابان اللافت إلى تراجع مطرد في القوة الاقتصادية.
هذه الأيام، تحوّل مصدر القلق بشأن المنافسة العالمية من اليابان إلى الصين، التي تُعد قوة اقتصادية عظمى حقيقية ويمكن القول إن اقتصادها بات أكبر من اقتصادنا. لكن يبدو أن الصين أخذت تتعثر مؤخرا، وهو ما حدا بالبعض للتساؤل حول ما إن كان مسار الصين المستقبلي سيشبه مسار اليابان.
وجوابي هو أنه ربما لن يشبهه -- وأن أداء الصين سيكون أسوأ. ولكن لفهم أسباب ذلك، عليك أن تعرف شيئا حول ما حدث لليابان، والذي لم يكن أبدا الكارثة التي أعتقدُ أن الكثير من الناس يتخيلونها.
إليك القصة التي قد تكون سمعتَها من قبل: في أواخر الثمانينيات، شهدت اليابان فقاعة ضخمة في الأسهم والعقارات ما لبثت أن انفجرت في نهاية المطاف. ولكن حينما انفجرت الفقاعة أخيرا، خلّفت وراءها بنوكا متعثرة وكمية هائلة من الديون المتراكمة على الشركات، مما أدى إلى جيل من الركود الاقتصادي.
والحق أن هناك بعض الحقيقة في بعض جوانب هذه القصة، لكنها تغفل أهم عامل في تراجع اليابان النسبي، ألا وهو العامل الديمغرافي. ذلك أنه بسبب انخفاض معدل الخصوبة ورفض استقبال المهاجرين، انخفض عدد السكان الذين في سن العمل بسرعة كبيرة في اليابان منذ منتصف التسعينيات. والحال أن الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تتجنب بها اليابان انخفاضا نسبيا في حجم اقتصادها كانت هي تحقيق نمو أسرع بكثير في حصة الإنتاج لكل عامل مقارنة مع الاقتصادات الكبرى الأخرى، وهو ما لم تحققه.
غير أنه بالنظر إلى العامل الديمغرافي، يمكن القول إن أداء اليابان لم يكن سيئا جدا. إذ حققت اليابان نموا مهما. وشهدت زيادةً بنسبة 45٪ في الدخل الحقيقي للفرد.
مهلاً، فهناك المزيد. فإدارة الاقتصاد تشهد تناقصاً في عدد السكان الذين في سن العمل صعبة، لأن انخفاض النمو السكاني يفضي إلى ضعف الاستثمار. وهذه الملاحظة تمثّل جوهر فرضية الركود طويل الأمد، التي تقول إن الدول ذات النمو السكاني الضعيف تميل إلى أن تواجه صعوبة مستمرة في الحفاظ على تشغيل كامل.
ومع ذلك، فإن اليابان تمكنت في الواقع من تجنب بطالة جماعية، أو معاناة جماعية من أي نوع في الحقيقة. وظل أحد المؤشرات المهمة مرتفعا في اليابان، بل أعلى بشكل مستمر من نظيره في الولايات المتحدة، إنه نسبة الرجال الذين يشتغلون في ذروة سنوات عطائهم.
ماذا عن الشباب؟ الواقع أن اليابان شهدت بالفعل زيادة في بطالة الشباب (الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما) في التسعينيات، لكن تلك الزيادة عُكست منذ ذلك الحين.
ولهذا، فإن أداء اليابان الاقتصادي منذ الأيام التي اعتقد فيها الجميع أنها ستحكم العالم كان جيداً جداً في الواقع. صحيح أن التوظيف استمر جزئيا من خلال إنفاق ضخم بالعجز، والديون اليابانية ارتفعت. ولكن الناس كانوا يتوقعون أزمة ديون يابانية منذ عقود ولم تتحقق. وبالتالي، فإن اليابان تمثّل من بعض النواحي نموذجا يحتذى به، بدلا من قصة تحذيرية -- ومثالا لكيفية إدارة وضع ديمغرافي صعب مع الحفاظ في الوقت نفسه على الرخاء والاستقرار الاجتماعي.
ولئن كان من الصعب تحديد ذلك بالأرقام، فإن الكثير من الأشخاص الذين تحدثتُ إليهم يقولون إن المجتمع الياباني أكثر ديناميكية وإبداعا ثقافيا مما يعتقده الكثير من القادمين من الخارج. وفي هذا الصدد، قال الخبير الاقتصادي والمدوّن نوا سميث، الذي يعرف البلد جيدا، إن طوكيو هي باريس الجديدة. وبالنظر إلى حاجز اللغة، علي أن أصدّق كلامه، وإن كنتُ أستطيع شخصياً أن أؤكد أن المدينة تتمتع بالفعل بالكثير من الحيوية بعد أن أخذني بعض السكان المحليين في جولة عبر طوكيو.
صحيح أن حاجز اللغة نفسه يعني أن طوكيو ربما لن تستطيع أن تلعب الدور نفسه الذي لعبته باريس من قبل في الثقافة العالمية، ولكن من الواضح أن اليابانيين يحققون نجاحاً كبيراً مع العمران المتطور. وعليه، فإذا كنت تفكر في اليابان كمجتمع راكد، فإنك أسأت فهم الوضع.
وهذا ما يقودني إلى السؤال الذي طرحتُه في بداية هذه النشرة: هل ستكون الصين هي اليابان التالية؟
الواقع أن هناك بعض أوجه الشبه الواضحة بين الصين الآن واليابان في 1990. فالصين لديها اقتصاد يتميز بقلة الطلب الاستهلاكي، ولا يحول دون غرقه سوى قطاع عقارات متضخم، كما أن عدد سكانها الذين في سن العمل آخذ في الانخفاض. ولكن خلافا لليابان عام 1990، فإن معظم الاقتصاد الصيني ما زال في طريقه صوب التطور التقني، وبالتالي، يفترض أن تكون لديه فرص واحتمالات أفضل لتحقيق نمو سريع في الإنتاجية. غير أن هناك مخاوف متزايدة من أن الصين قد تكون سقطت في “فخ الدخل المتوسط” الذي يبدو أنه يصيب العديد من الاقتصادات الناشئة، التي تحقق معدلات نمو سريعة ولكن إلى حد معين فقط، ثم سرعان ما تتعثر.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة “نيويورك تايمز”