الرئيسة \  تقارير  \  الواقع الأمني في سوريا الجديدة.. بين الانتهاكات والتحديات

الواقع الأمني في سوريا الجديدة.. بين الانتهاكات والتحديات

09.08.2025
فايز الأسمر



الواقع الأمني في سوريا الجديدة.. بين الانتهاكات والتحديات
فايز الأسمر
سوريا تي في
الخميس 7/8/2025
إن التجاوزات والانتهاكات التي حدثت وارتُكبت في الساحل والسويداء شيء لا يمكننا جميعًا نفيه وإنكاره، أو حتى مجرد التقليل من شأن ارتداداته الداخلية والخارجية.
هذه الانتهاكات، التي عمليًّا ومهما حاولنا، تسيء بمجملها بشكل مباشر أو غير مباشر للدولة، ولسياساتها، واستراتيجياتها، وخطط سيرها الصعبة في هذا الوقت الحرج والاستثنائي.
لا شك أن جهاز الأمن الداخلي في سوريا، إلى جانب الجيش، يُعدّان من أهم الأعمدة الأساسية للحفاظ على الأمن والاستقرار في البلاد، حيث تلعب هاتان المؤسستان السياديتان دورًا هامًّا في ملاحقة فلول ومجرمي النظام السابق، ومكافحة شبكات المخدرات والجريمة المنظمة. إلا أن هذا الدور الإيجابي، حقيقةً، لا يخلو من الجدل، خصوصًا مع تزايد التقارير التي طفت على السطح حول انتهاكات وتجاوزات حصلت في الأسابيع السابقة بمناطق مثل السويداء والساحل.
تحديات الواقع الأمني السوري؟
إن الأعباء والتحديات الأمنية الداخلية والخارجية (إسرائيل، الفلول، قسد، فصائل الهجري) التي تثقل كاهل الدولة السورية وأجهزتها الأمنية، هي تحديات ثقيلة وكبيرة جدًا. وبالتالي، فإن مسؤولية مواجهة هذه التحديات تتطلب من قوات الجيش والأجهزة المختصة اهتمامًا خاصًّا وواعيًا، وإدراكًا حقيقيًّا لعِظَم وثِقَل المهمة الوطنية الأمنية والعسكرية الملقاة على عاتقهم. وهناك مسؤوليات جسام تحتم على هذه الأجهزة، بكافة مسمياتها، العمل ليلًا ونهارًا لمتابعة أعباء الواقع الأمني للدولة والمواطن، وتحديد الأخطار الكثيرة الناجمة عن هذه التحديات، والكيفية الأمنية والميدانية، والأساليب الواجب اتباعها لمعالجتها أو مواجهتها وتطويقها، وكيفية التصرف الجاد والمثالي لاحتوائها، وأفضل الطرق المضمونة لتفكيك شبكاتها وإزالة تأثيراتها بأقل زمن وخسائر ممكنة.
مشاريع وخطط مشبوهة؟!
في الواقع، هناك جرائم دامية ومخزية ارتكبتها عصابات الفلول وميليشيات الهجري المسلحة والخارجة عن القانون ضد عناصر الأمن الداخلي والجيش السوري الجديد، والغدر بهم في مواقف وحالات عدة. وعليه، فلا يخفى علينا أن هذه الأعمال العدوانية والإرهابية، التي قام ولا يزال يقوم بها هؤلاء، هي خطة ممنهجة تستند في مجملها إلى مخططات ومشاريع مشبوهة، يأتي على رأس أهدافها:
زعزعة استقرار البلاد، وتهديد السلم الأهلي، وبث وإشاعة الفتن الطائفية والعرقية بين مكونات الشعب السوري.
خلط وبعثرة الأوراق السياسية والأمنية، والإيحاء بأن الدولة السورية الجديدة غير قادرة على فرض الأمن والاستقرار وحماية الأقليات.
تأليب المجتمع الدولي ومنظماته والرأي العام العالمي على الدولة السورية الجديدة، واتهامها بالإرهاب.
محاولة الوصول إلى تقسيم سوريا على أسس طائفية وعرقية، استنادًا إلى توجيهات ودعم خارجيين، وكما تتمنى إسرائيل وترغب.
إشغال الحكومة السورية الجديدة، وتشتيت اهتماماتها وأولوياتها، وصرف أنظارها عن مشاريع إعادة الإعمار، وتحسين الواقع الخدمي والمعيشي للمواطنين.
وضع الحواجز والعقبات أمام عجلة النهوض بسوريا، التي تركها الأسد المجرم ونظامه البائد أنقاضًا وأثرًا بعد عين، وذلك من خلال علاقات التعاون بين دمشق والبلدان الشقيقة والصديقة.
عمليًّا، ومع كل ما تقدم ذكره، إلا أن تدخل الجهات الأمنية والجيش وجهات أخرى (الفزعات، والعشائر) لفرض الأمن والسيطرة على الأوضاع الميدانية في الساحل والسويداء، قد شهد حالات عديدة من الأعمال العنيفة وغير المنضبطة، والتجاوزات والانتهاكات، بل وبعض الجرائم الانتقامية المرتكبة بحق بعض المدنيين وأملاكهم على أسس طائفية ومن كافة الأطراف. وهذا أمر لا يمكن لعاقل إنكاره أو نفيه بالكامل، أو حتى التقليل من شأنه وشأن ارتداداته الداخلية والخارجية الكثيرة والخطيرة التي حدثت، والتي عمليًّا، ومهما حاولنا بواسطة تشكيل لجان حقوقية مختصة للتحقيق في هذه الانتهاكات ورفع تقاريرها لرئيس الجمهورية، فهي تسيء بمجملها بشكل أو بآخر للدولة، ولسياساتها، واستراتيجياتها، وخطط سيرها الصعبة والمرهقة في هذا الوقت الحرج والواقع الاستثنائي المحلي والإقليمي والدولي المعقد.
أسباب ونتائج
أنا هنا، وفي هذا المقام، لست بصدد التبرير أو التخفيف من وقع التجاوزات التي حصلت في الأحداث الدامية، والتي جرى وسُفك فيها الدم السوري الحرام من كافة الأطراف باقتتال داخلي مقيت، والخاسر الوحيد فيه هم السوريون بكافة مسمياتهم وأطيافهم.
ولكن تحليلًا، وهذا برأيي، فإن هذه التجاوزات من مقاتلي الأمن العام والجيش والعشائر كانت على الأرجح بدافع الغيرة الزائدة، والتي أستطيع أن أطلق عليها "غير المنضبطة" من قبل العديد من العناصر الأمنية المنفلتة، بل ونتيجة تراكمية عنفية سببها المباشر هو عدم قبول فلول النظام وميليشيات الهجري بالدولة الجديدة، وإصرار هؤلاء مرات ومرات على محاولات فرض شروطهم التعجيزية وغير المقبولة على الدولة السورية، واستخدامهم السلاح المنفلت لتهديد الأمن والاستقرار في الدولة والمجتمع، في مناطق وحالات عدة (الساحل، جرمانا، صحنايا).
ناهيك عن سبب آخر هام، وهو التوترات البينية السابقة، وكمية الشحن الطائفي والإثني الواضح على مواقع التواصل الاجتماعي، والذي يقوم به غالبًا أشخاص مأجورون من الطابور الخامس، والموجّه وفقًا لتعليمات ودعم خارجي (إسرائيل، إيران، حزب الله) ولأسباب معروفة وواضحة.
إضافة إلى أسباب مردها إلى جهل العناصر الأمنية والعسكرية – في الغالب – بالقوانين والأنظمة والتعليمات، والتربية العسكرية والأخلاقية، وعواقبها الوخيمة. وهذا ما أُعزِيه وأُحمّل وزره بالتحديد للقادة المباشرين، دلالة أكيدة على ضعف في قدراتهم وأساليبهم وشخصياتهم القيادية الحازمة والصارمة، وفقدانهم لإمكانيات السيطرة الحقيقية على مرؤوسيهم خلال سير العمليات الحربية، وخاصة العناصر المنفلتة وغير المنضبطة منهم، والذين وللأسف يتواجدون – ربما بكثرة – في سلك الأمن والجيش، ممن يُجرى قبولهم دون تدقيق كافٍ لخلفياتهم الأمنية والنفسية والأخلاقية، وقدرتهم على التكيف مع الحياة والقوانين العسكرية الصارمة.
وأنا أرى هنا أنه من واجب ومسؤوليات القيادة العسكرية والأمنية (وزارة الدفاع والداخلية) على وجه الخصوص، إعادة النظر فورًا في تقييم قدرات عناصرها، ودراسة حقيقية لسلوكهم وتوجهاتهم، والاستغناء السريع والهادف عن غير اللائقين بدنيًّا وأخلاقيًّا وسلوكيًّا ونفسيًّا، بل ووجوب وضع شروط صارمة في الأيام القادمة لقبول المتطوعين الجدد من كافة الرتب في هذه الأجهزة المحترفة، والعمل لاحقًا على تأهيلهم وصقل قدراتهم القتالية والاختصاصية، وتزويدهم بالمعارف والخبرات العسكرية، والأخلاقية، والنفسية، والاعتماد في انتقائهم وقبولهم أولًا وأخيرًا وفق التركيز على مبدأ النوع لا الكم.
إنجازات منقوصة
في المقابل، وهذا شيء لا يمكن لأي أحد إنكاره، فهناك، دون أدنى شك، إنجازات ميدانية وأمنية كثيرة حققتها الأجهزة الأمنية، وهذا واقع الأمر يُحسب لها، من خلال التحري والمتابعة وملاحقة المجرمين الجنائيين، وعصابات وتجار المخدرات، والقبض على كثير منهم، ومن كبار مجرمي الحرب للنظام البائد، وتقديمهم للقضاء العادل للنظر في جرائمهم التي يستحقون عليها أقصى العقوبات الرادعة.
ولكن، للأسف، ومع كل هذه الإيجابيات، فشئنا ذلك أم أبينا، فكل هذا – على ما يبدو – لا يقلل من شأن النظرة الدولية للتجاوزات والانتهاكات والجرائم المرتكبة من كافة الأطراف بدون استثناء، والتي يصفها المجتمع الدولي ومنظماته، بشيء كبير من المبالغة والتضخيم غير المسؤول، بأنها مورست وللأسف من قبل طرف واحد فقط ضد ما يُسمى بالأقليات.
إن الأمن والاستقرار ليس من السهل تحقيقه والوصول إليه، دون وجود التعاون الوثيق والتشاركية التامة ما بين الأجهزة الأمنية بكافة مسمياتها والمواطنين السوريين بجميع انتماءاتهم، وخلق وتعزيز الاحترام والثقة المتبادلة بينهما. والأهم من ذلك كله – وهذا للأسف لا يُطبَّق بالشكل الصحيح والشفافية المطلوبة – هو الحاجة الماسّة جدًّا لوجود قيادات أمنية وعسكرية أكاديمية مؤهلة ومختصة (المنشقين)، وكوادر وعناصر انضباطية وأخلاقية مدرّبة جيدًا ومنتقاة بحرص، دون النظر إلى المحسوبيات، والوساطة، والمعرفة، وصلات القرابة في تعييناتهم وتسمياتهم الوظيفية في جميع دوائر الدولة، مع تطبيق القوانين والعقوبات الصارمة والرادعة بحق كل من يسيء للعلاقة التي يجب أن تكون مقدسة ودائمة ما بين الدولة والشعب بكافة أطيافه وطوائفه، والتصرف الحازم والفوري تجاه كل من تسوّل له نفسه الآثمة التعدي على أرواح الناس وأملاكهم، أو المساس بأي شكل من الأشكال بمعتقداتهم وكراماتهم الإنسانية التي حباها الله لبني البشر.