النقاش السوري بين الصواب والخطأ
14.09.2025
بشير البكر
النقاش السوري بين الصواب والخطأ
بشير البكر
العربي الجديد
السبت 13/9/2025
الشأن الداخلي هو موضوع النقاش الوحيد في سورية. سال حبرٌ بلا حساب، وعلت أصواتٌ كثيرة، منذ سقوط نظام بشّار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول الماضي. راياتٌ وشعاراتٌ ومشاريعُ ومطالبُ من الاتجاهات كافة، الكلّ يبحث عن دور وحصّة في الوطن الجديد، وبدلاً من أن يتراجع منسوب الاصطفاف، فإنه في تفاقم مستمرّ، يتغذّى من المصاعب الكثيرة التي تواجه العهد الجديد، من جرّاء التركة الثقيلة، التي خلفها نظام عائلة الأسد لجهة التفريط بسيادة البلد، وتفكيك أواصر وحدته الداخلية، وإغراقه في فوضى عارمة، وفقر، وتدهور شامل.
نقاش بعضُه محقٌّ ينطلق من أساسياتٍ لا خلاف عليها، ويصدُر من موقع بناء ناصح، غير هدّام، والبعض الآخر انتقائي متخندق، لا يرى من الواقع غير الصفحة السوداء. لا مانع أن يتحدّث السوريون عن آرائهم بصراحة، بعد نصف قرنٍ من كمّ الأفواه، ومصادرة حقّ الكلام. ولحسن الحظ أن الإدارة الجديدة تركت المجال مفتوحاً، ولم تتدخّل، أو تمنع، وتعتقل أحداً، مع أن كلاماً كثيراً خرج عن حدود اللياقة.
ورغم أن عملية النقاش ضرورية، وتعكس حيوية كبيرة، يتمتّع بها المجتمع السوري، الذي ينهض من تحت الركام، إلا أنها، في قسطٍ منها، ليست ديمقراطية على الإطلاق، حتى أن بعض المسائل استغرقت في الجدل والتنظير كل الوقت، وحجبت حقّ الإضاءة والنقاش عن قضايا أخرى لا تقلّ أهمية، ومنها ما يتقدّم في الأولويات، لأنه يتعلق بالأمن الوطني، والسيادة، والدفاع عن الحدود، ووحدة البلد، بوجه الاعتداءات الإسرائيلية التي تهدف إلى تحويل سورية إلى دولةٍ فاشلةٍ مشلولةٍ مجزّأة، تلعب بها كما تشاء. ومؤسفٌ أن التدخّلات الإسرائيلية في الشأن الداخلي السوري لم تحظ بأي قدر جادٍّ من النقاش، بل يسود صمتٌ يبلغ حدود التواطؤ، الأقلام والحناجر التي ترتفع للدفاع عن السويداء بوجه هجوم الجيش والأمن الرسميين وقوات العشائر، لا تنظر بعين الخطورة إلى استدراج التدخّل الإسرائيلي، وطلب مساعدة الخارج لإقامة كيانٍ درزيٍّ مستقل، وترى هذا النوع من رد الفعل، الذي لا وصف له سوى الخيانة الوطنية، نتيجة للأول. وكي يصدق التضامن مع السويداء بوجه ما تعرّضت له، يجب ألا يمر التدخّل الإسرائيلي وكأنه تفصيل عادي، وأن تبقى المسألة داخل البيت السوري، وتحريم الاستعانة بالأجنبي لتسوية خلاف داخلي مهما بلغ حدّةً.
كان الأوْلى بأصحاب هذا الموقف، أن يصرفوا قسما من وقتهم في صناعة رأي عام ضد الاعتداءات والتدخّلات الإسرائيلية، يتناول الضغط على السلطة من أجل تصليب موقفها، وعدم الدخول في مفاوضاتٍ عبثيةٍ مع حكومة إبادة الشعب الفلسطيني، وتخصيص جزءٍ من جهدهم للاتصال بالقوى الأجنبية، الولايات المتحدة وأوروبا، من أجل الضغط على إسرائيل، كي توقف اعتداءاتها، وتحترم السيادة السورية. واللافت أن بعض هؤلاء لا يخجل من أن يعتبر إضعاف السلطة الحالية يساعد في إجبارها على تقديم تنازلاتٍ في القضايا الداخلية، وهو بذلك لا يتورّع عن الاستنجاد بإسرائيل وإيران، تحت ذريعة حماية الذات، وكأن الأطراف الخارجية منظمات مجتمع مدني، تقدّم مساعداتها بلا مقابل، واستجابة لحاجات إنسانية.
وهناك مثال فاضح على نفاق كتّاب وسياسيين وناشطين، حينما يتعلق الأمر بطروحات المؤتمرات التي تعقدها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في الحسكة والرقّة، ومن بين هؤلاء من يمنحها الحقّ في المطالبة بحكم فيدرالي في الجزيرة، من دون تسليط الضوء على تجربتها الفاشلة في الإدارة الذاتية للمنطقة، على جميع المستويات. ويكفي تسليط الضوء على انعدام الحد الأدنى من الخدمات الأساسية، حتى يتكشف حجم الفساد، ونهب ثروات المنطقة إلى خارج الحدود، وترك الأهالي يعانون من تدهور قطاعات الصحة والتعليم، وحتى توفير الماء الصالح للشراب.