الرئيسة \  تقارير  \  القمة الروسية - الأفريقية الثانية : حشد للتحالفات وسط ضغوط غربية

القمة الروسية - الأفريقية الثانية : حشد للتحالفات وسط ضغوط غربية

04.07.2023
أسامة السعيد



القمة الروسية - الأفريقية الثانية : حشد للتحالفات وسط ضغوط غربية
القاهرة: أسامة السعيد
الشرق الاوسط
الاثنين 3/7/2023
وسط تشابكات سياسية وأمنية، وصعوبات اقتصادية تواجهها القارة الأفريقية، تنعقد نهاية يوليو (تموز) الحالي، القمة الروسية - الأفريقية الثانية، التي تعوّل عليها القيادة الروسية؛ لتعزيز نفوذها في قارة تشهد تنافساً دولياً متصاعداً، بينما تحاول الدول الأفريقية التي أنهكتها تداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية، البحث عن مكتسبات اقتصادية تعوّض ما عانته من أضرار.

وبينما تتوقع موسكو أن تحضر القمة، التي ستستضيفها مدينة سان بطرسبرغ الروسية في الفترة من 27 إلى 28 يوليو (تموز) 2023، غالبية قادة الدول الأفريقية، حيث تتمتع دول أفريقية عدة بعلاقات قوية مع موسكو، فإن دولاً أخرى في المقابل تواجه ضغوطاً غربية لتحجيم علاقاتها مع روسيا.
أجندة واسعة

وأعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الاثنين، في مقابلة مع تلفزيون “روسيا اليوم” أن الاستعدادات الجارية للقمة الروسية - الأفريقية الثانية “تسير على قدم وساق”، بينما توقع أوليغ أوزيروف، رئيس أمانة “منتدى الشراكة الروسية - الأفريقية” حضور معظم الدول الأفريقية البالغ عددها 54 دولة، قائلاً: “ستتجاهل (الدول الأفريقية) التهديدات والابتزاز من الغرب، وتحضر القمة الروسية - الأفريقية الثانية التي تأخرت كثيراً”.

وقال أوزيروف، في تصريحات لوكالة “تاس” الروسية على هامش منتدى دولي عُقد في 14 مارس (آذار) الماضي، إن القمة الروسية - الأفريقية الثانية ستولي اهتماماً أكبر بالقضايا الإنسانية مقارنة بالنسخة السابقة، مشيراً إلى أن جدول أعمال القمة سيتضمن مناقشة قضايا التعاون في مجالات التعليم، والصحة العامة، والعلوم، والثقافة، ووسائل الإعلام، إلى جانب الأمن الغذائي، وأمن الطاقة في الدول الأفريقية. وأضاف أن روسيا ستطرح كذلك موضوع نقل التكنولوجيا والخبرة، بالإضافة إلى تطوير البنية التحتية الحيوية في أفريقيا.

وانعقدت القمة الروسية - الأفريقية الأولى في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2019 في منتجع سوتشي بروسيا، تحت شعار “من أجل السلام والأمن والتنمية” بحضور 45 رئيس دولة، إلى جانب 109وزراء، وقيادات مفوضية الاتحاد الأفريقي، وعدد من التجمعات الاقتصادية الإقليمية.

وكان من المقرر أن تُعقد القمة الروسية - الأفريقية الثانية في أديس أبابا في أكتوبر من العام الماضي، لكن تمّ تأجيلها من قبل الرئيس الروسي في يوليو الماضي، على الأرجح؛ بسبب التعقيدات الناشئة عن الحرب الروسية - الأوكرانية.
تداعيات حرب أوكرانيا

ويعتقد السفير علي الحفني، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق للشؤون الأفريقية، بأن ظروف انعقاد القمة الروسية - الأفريقية الثانية تختلف تماماً عن سابقتها، وأن طرفي القمة يواجهان صعوبات على أكثر من مستوى، فروسيا تخوض حرباً مفتوحة الآفاق في أوكرانيا، والدول الأفريقية “تعاني الأمرّين” اقتصادياً جراء تداعيات جائحة فيروس “كورونا”، ومن بعدها الحرب الروسية - الأوكرانية.

ويتوقع الحفني، في حديث لـ”الشرق الأوسط”، أن تؤدي تلك الظروف، بالتزامن مع الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة والدول الغربية على دول أفريقية فيما يتعلق بعلاقاتها مع روسيا، إلى تراجع عدد القادة المشاركين في القمة الثانية. وعلى الرغم من ذلك، فإن مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق يعتقد بأن الحوار بين روسيا وأفريقيا “يمكن أن يقود إلى مكاسب متبادلة”، مشيراً إلى أن روسيا تسعى إلى تعزيز حضورها الدولي عبر الوجود المؤثر في القارة الأفريقية، ودول القارة في المقابل يمكن أن تحصل على مكاسب فيما يتعلق بوارداتها من الحبوب، التي تمثل روسيا مصدراً أساسياً لها.

وبينما يرى الحفني أن ثمة تفهماً أفريقياً لمواقف روسيا على الساحة الدولية، فإن جوزيف سيغل مدير البحوث بمركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية في جامعة ميريلاند الأميركية، يرى أن مكاسب روسيا من علاقاتها مع دول القارة “أكبر مما تقدمه لأفريقيا”، مشيراً في هذا الصدد إلى أن “موسكو تحاول كسب النفوذ في أفريقيا دون الاستثمار فيها”.
استثمارات محدودة

ويوضح سيغل لـ”الشرق الأوسط” أن الاستثمارات الروسية في أفريقيا لا تتجاوز نسبة 1 في المائة من الاستثمار الأجنبي المباشر في القارة، وأن معظم ما تقدمه روسيا للدول الأفريقية يتركز في الحبوب والأسلحة. في المقابل، فإن 9 من أكبر 10 دول تستثمر في أفريقيا، وتشكل 90 في المائة من الاستثمار الأجنبي المباشر، تعدّ جزءاً من النظام المالي الغربي، وهو ما يعكس تفاوت طبيعة المصالح لدول القارة بين الدول الغربية وروسيا.

واتّخذت العديد من الدول الأفريقية موقفاً محايداً بشأن الصراع في أوكرانيا خلال التصويت بالجمعية العامة للأمم المتحدة في 22 مارس 2022، إذ صوّت ما يزيد قليلاً على نصف الأعضاء الأفارقة (28 دولة) لصالح قرار يدين الغزو الروسي، بينما امتنعت 17 دولة عن التصويت، وغابت 8 دول أفريقية عن جلسة التصويت، في حين صوتت إريتريا ضد القرار.

وتعد موسكو أكبر مورّد للأسلحة إلى أفريقيا في اتجاه جنوب الصحراء، وتأتي بعدها الصين وفق إحصاءات معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام حول صادرات الأسلحة عالمياً خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة. وقدّر الرئيس الروسي حجم التبادل التجاري بين روسيا والدول الأفريقية بنحو 18 مليار دولار في 2022، موضحاً أن هذا التبادل “يتزايد سنوياً”، كما كانت أفريقيا وجهة لجولتين موسعتين لوزير الخارجية الروسي خلال العام الماضي.
مبادرة السلام

وفي منتصف الشهر الماضي، زار وفد من القادة الأفارقة، كييف وسان بطرسبرغ؛ لإجراء مشاورات مع قيادتي أوكرانيا وروسيا لدعم المبادرة الأفريقية للسلام، إلا أن الزيارة انتهت دون إعلان نتائج محددة.

وفي الوقت الذي يخلص فيه جوزيف سيغل إلى أن روسيا “تبدو بحاجة أكبر إلى دول أفريقيا في خضم الحرب الروسية على أوكرانيا، وفي محاولة لكسر المساعي الغربية لعزلها دولياً”، يرى السفير علي الحفني أن ثمة احتياجاً أفريقياً لفتح قنوات اتصال مع روسيا ومع غيرها من القوى المؤثرة في الساحة الدولية، ليس فقط للنقاش بشأن الأزمة الاقتصادية التي تعانيها دول القارة فيما يتعلق بأمنَيها الغذائي والطاقي، وارتفاع معدلات التضخم، بل بشأن قضايا أكثر تقدماً مثل تداعيات تغير المناخ، وسبل التعامل مع ديون دول القارة التي تشهد تفاقماً مستمراً، وأدوات تمويل التنمية في دول القارة.

وشطبت روسيا، في وقت سابق، ديوناً بقيمة 20 مليار دولار لدول من القارة السمراء، وهو ما أشار إليه الرئيس بوتين خلال الجلسة العامة للمؤتمر البرلماني الدولي “روسيا وأفريقيا في عالم متعدد الأقطاب” الذي عُقد في مارس من العام الحالي، بمشاركة أكثر من 40 وفداً برلمانياً أفريقياً.