القانون للتعامل مع هذا الشذوذ في السويداء
19.08.2025
معن البياري
القانون للتعامل مع هذا الشذوذ في السويداء
معن البياري
العربي الجديد
الاثنين 18/8/2025
لم تعلن السلطة في سورية اسم مواطنها حكمت الهجري مُحالاً إلى المدّعي العام للتحقيق معه، بتهمة الاتصال بإسرائيل. تهاوَنت في أمر هذا الرجل الذي أشهر جُرمَه هذا عندما طلب في 16 الشهر الماضي (يوليو/ تموز) من رئيس حكومة دولة الاحتلال، نتنياهو، "التدخّل العاجل" من أجل "إنقاذ السويداء"، ولم تتصرّف السلطة معه وفق المادة 276 في قانون العقوبات السوري. وعندما يرفع، أول من أمس السبت، سوريون من هذه المدينة في إحدى ساحاتها علم إسرائيل، مطالِبين بالاستقلال والانفصال الصريحيْن، نكون أمام خيانة مُعلنة، لا يحسُن، في أيِّ حال، التفتيش عن أيِّ مبرّر لها، أو حتى تفسير لهذا السلوك المُجرَّم في القوانين السورية التي لا تُجيز أي عفوٍ بشأنه بعد إنفاذ العقوبة. ومن بالغ البؤس أن نُطالع لمعلّقين وناشطين إن سلوك السلطة تجاه السويداء وأبنائها سببُ هذا الشذوذ، ليفترض هؤلاء بنا التسليم بعاديّته والتطبيع معه. وهذا شديدُ الخطورة في سورية (وغيرِها)، ويذكّر بجنوح انعزاليين في أحزابٍ لبنانية معلومة، في طوْرٍ من منعطفات الصراع السياسي والعسكري الحادّ في بلدها، إلى الاستقواء بإسرائيل، والتزوّد بالسلاح منها. وفيما لا شكّ في عروبيّة الغالبيّة الأعرض من أهل السويداء المواطنين السوريين الدروز (وهذه صفاتُهم بالتتالي)، ولا في انتسابهم لبلدهم، ولا في رفضهم كل أشكال الاتصال بعدوّهم الأول، إسرائيل، فإن التعامل مع القلّة التي أظهرت هناك خروجَها الشائن عن إجماع الأمّة، واستقواءَها بمجرمي الحرب إيّاهم، يلزم أن يكون بمنطق الدولة وشروطها، وبمنطق القانون والعدالة، فلا يتّصف بأيِّ تسامحٍ أو تهاون. وإذ ليس في مقدور صاحب هذه السطور أن يتعالَم بطرح الكيفيّات التي يجب أن تسلكها السلطاتُ المختصّة في دمشق مع هذه الحالة، فإنه يكتفي بدعوة هذه السلطات إلى إشهار موقفٍ أقوى من الرفض اللفظي، من قبيل إعمال القانون الصريح مع كل من تثبُت عليه جريمة طلب الحماية من إسرائيل، ورفع علمها في أرضٍ سورية، وإعلان الانفصال عن الدولة (شوهدت لافتةٌ بين يدي شابّة من هؤلاء تطلب انضماماً لإسرائيل).
قلناها وكتبناها مرّات، ونكرّرها هنا، إن عناصر من الجيش والأمن ارتكبوا شنائع مرذولة، في أحداث الأسبوع الثاني من الشهر الماضي في السويداء، ولا سبيل لتطويق التداعيات التي تدحرجت إليها الأوضاع هناك سوى بالتحقيق الجدّي والجادّ والعاجل في كل الانتهاكات، وتقديم كل مرتكبٍ إلى المساءلة والمحاكمة، غير أننا نقولها ونكتُبها، ونكرّرها هنا، إن هذا ليس المشهد كله، فثمّة تفاصيلُ وسردياتٌ أخرى في متن الوقائع نفسها لا يجوز إغماضُ العيون عنها، ولا عن مسؤولياتٍ أخرى على أطرافٍ متعيّنة. ولكن هذا كله، صحّ منه ما صحّ، وبولغ منه ما بولغ فيه، ليس له أن يأخُذ السويداء إلى مربّع إسرائيلي، كما يتوّهم حكمت الهجري ومشايعوه، بدعاوى الحماية وغيرها، فالسبُل لا عدّ لها، ومعلومة، لتشهر أيُّ فئةٍ في أي مجتمعٍ مظلومياتٍ تستشعرها، إلّا استضعاف الدولة والاستقواء بالعدو، فيتورّط مرتكبو خطيئةٍ من هذا اللون بعمالةٍ وخيانةٍ يُجازون عليهما في المحاكم.
يُخبرنا الرئيس أحمد الشرع، الليلة قبل الماضية، بأن إدارة الأزمة في السويداء تجري ضمن تفكيرٍ "من خارج الصندوق"، ويعدُنا بأن نرى النتائج قريباً. ولأن بصَلة السوريين محروقة، فإنهم يستعجلون هذه النتائج المُؤمّل أن تكون خلّاقةً في إنقاذ السويداء من فئةٍ، وصفها الشرع مُحقّاََ بأنها "ليست كبيرة... تحاول تأزيم المشهد، وتتجنّب الحوارات المباشرة، ولديها أحلامٌ أو نيّاتٌ ليست جيّدة". وفيما هذا تشخيصٌ في محلّه، وفيما لا يمكن إلا الاتفاق مع الرئيس في رفضه (مجدّداً) أي فكرة تقسيم أو بقاء سلاحٍ منفلت، فإن المُرتجى أن ينجح المسار الذي تحدّث عنه، في قوله إن "السياسة الحالية للدولة تجاه السويداء تُركّز على تهدئة الأوضاع، وتثبيت وقف إطلاق النار، وإعادة النازحين، ورعاية صلح اجتماعي، ثم مناقشة عودة مؤسّسات الدولة". وفي الوُسع أن يُضاف إلى خريطة العمل هذه إنفاذُ القانون في كل من يُشهر استقواءه بإسرائيل التي ما زالت في سورية عدوّاً.
ليرَ من يرى في الكلام أعلاه انفعالاً ونثراً في أرضٍ رخوة، وليسأل عن أي دولة أو سلطة نتحدّث، والحال المُعايَن على هشاشةٍ وضعفٍ مؤسّساتي، غير أن هذا، ولو صحّ جزئياً، لا ينفي وجوب إحالة المواطن السوري حكمت الهجري ومن يستقوي بإسرائيل وينادي في السويداء بالانفصال إلى الادّعاء العام.