الرئيسة \
تقارير \ العقوبات على سوريا هل الهدف منها تحجيم النفوذ الروسي؟
العقوبات على سوريا هل الهدف منها تحجيم النفوذ الروسي؟
27.09.2025
سعيد طانيوس
العقوبات على سوريا هل الهدف منها تحجيم النفوذ الروسي؟
سعيد طانيوس
الاندبندنت عربية
الخميس 25/9/2025
منذ عام 1979، فُرضت عقوبات عدة على سوريا، شملت أوامر تنفيذية رئاسية وتشريعات أقرها الكونغرس. وهذا يجعل رفع العقوبات بالكامل عملية معقدة وتستغرق وقتاً طويلاً، إذ يتطلب بعضها موافقة الكونغرس وليس فقط الرئيس الأميركي.
يوم 13 مايو (أيار) الماضي، وخلال جولته في الشرق الأوسط، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب نيته بدء عملية رفع جميع العقوبات المفروضة على سوريا. كانت هذه خطوة غير متوقعة، إذ لم يكن هناك إجماع حتى داخل الإدارة الرئاسية على هذه المسألة. بالنسبة لدمشق والجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى، كان هذا الإعلان خطوةً طال انتظارها من واشنطن.
لاحقاً، في 23 مايو، أصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية الترخيص العام (جي أل 25) لسوريا، والذي أطلق عملية تخفيف العقوبات وفقاً لإعلان ترمب. وعلى وجه التحديد، فقد أذن بجميع المعاملات مع سوريا والحكومة السورية المحظورة بموجب لوائح عقوبات الدولة، مما أدى فعلياً إلى تخفيف القيود الحالية. ومن الجدير ذكره أن الترخيص العام السابق رقم 24، الذي كان ساري المفعول بالفعل لمدة ستة أشهر منذ 6 يناير (كانون الثاني) 2025، قد أذن ببعض المعاملات المحظورة سابقاً مع الحكومة والبنك المركزي السوري. وبشكل أساس، وسّع الترخيص 25 تخفيف العقوبات الذي بدأ في نهاية إدارة بايدن. إضافة إلى هذا الترخيص، علقت وزارة الخارجية الأميركية العقوبات بموجب قانون قيصر لمدة 180 يوماً، والتي كانت واشنطن تنوي تشجيع الشركاء الأجانب وحلفاء الولايات المتحدة والجهات الفاعلة الإقليمية على التعامل اقتصادياً ومالياً مع السلطات السورية الجديدة. ومع ذلك، يشير التعليق الموقت لمدة ستة أشهر إلى نهج تدريجي لتخفيف القيود المفروضة على سوريا وليس لرفعها.
وهذا ما حدا برئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع، للإعلان يوم 22 سبتمبر (أيلول)، أن سوريا تحتاج إلى فرصة جديدة للحياة، والرئيس دونالد ترمب خفّف العقوبات عنها لكن على الكونغرس أن يعمل أكثر لرفعها بصورة نهائية.
تخفيف العقوبات ليس بسيطاً ولا واضحاً
أولاً، منذ عام 1979، فُرضت عقوبات عدة على سوريا، شملت أوامر تنفيذية رئاسية وتشريعات أقرها الكونغرس. وهذا يجعل رفع العقوبات بالكامل عملية معقدة وتستغرق وقتاً طويلاً، إذ يتطلب بعضها موافقة الكونغرس وليس فقط الرئيس الأميركي.
ثانياً، لم تُرفع جميع القيود. علاوة على ذلك، يمكن لإدارة ترمب إعادة فرضها بسهولة وبسرعة. فبدلاً من إلغاء قوانين العقوبات الأساسية تماماً، أصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية ترخيصاً عاماً. وهذا يعني أنه إذا فشلت السلطات السورية الجديدة في السير ضمن الفلك الأميركي والابتعاد تدريجياً عن موسكو، وعجزت عن تلبية شروط واشنطن بطرد المقاتلين الأجانب ومكافحة الإرهاب وضمان سلامة الأقليات الدينية والعرقية، فيمكن لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية ببساطة إلغاء الأمر (جي أل 25)، مما سيعيد فرض القيود الموجودة سابقاً آلياً. وبالمثل، قد تختار وزارة الخارجية عدم تجديد تعليق قانون قيصر لمدة 180 يوماً. وهذا يشير بوضوح إلى أن الولايات المتحدة أبقت سيف العقوبات مصلتاً على رقبة سوريا، وأن واشنطن ستراقب التطورات في سوريا وتقدم السلطات الجديدة. لذلك، يجب النظر إلى (جي أل 25) وتعليق قانون قيصر، ليس فقط على أنه هدية من ترمب، ولكن أيضاً على أنه وسيلة ضغط للولايات المتحدة على السلطات السورية الجديدة.
ثالثاً، مقابل تخفيف نير العقوبات، يتوقع ترمب من السلطات السورية الجديدة اتخاذ خطوات ستكون إشكالية للغاية بالنسبة لها. لذلك، خلال اجتماع مفاجئ مع الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، في 14 مايو، حثّه رئيس البيت الأبيض على تطبيع العلاقات مع إسرائيل (ربما من خلال الانضمام إلى اتفاقيات سلام أو إبرام صفقة جديدة). تُعد هذه خطوة بالغة الصعوبة، إذ من المرجح أن تثير رد فعل سلبياً من المتطرفين داخل "هيئة تحرير الشام" وبين المواطنين العاديين في البلاد، مما قد يؤدي في النهاية إلى تصعيد جديد في سوريا.
دعا ترمب أيضاً إلى تطهير الجيش السوري من المقاتلين الأجانب والإرهابيين. يُعد هذا الطلب إشكالياً أيضاً، إذ لا يزال الشرع يعتمد عليهم ويواصل ترقيتهم إلى مناصب في الجيش الجديد. علاوة على ذلك، قد يُثير التخلص من المقاتلين الأجانب والمتطرفين استياءً وتحركاً مضاداً ضد الشرع وأنصاره. في هذا الصدد، تجد السلطات السورية الجديدة نفسها في وضع معقد نوعاً ما، فبعد وصولها إلى السلطة تحت شعارات كانت تعتبرها واشنطن متطرفة، بدأت باستخدام أدوات أخرى لحل قضايا البقاء السياسي، وتحديداً رفع العقوبات الأميركية والحصول على مساعدات مالية واقتصادية أجنبية. ولتحقيق ذلك، عليها التخلص ممن ساعدوها في الوصول إلى السلطة في سوريا، وحل هذه المشكلة ليس مسألة وقت فقط، بل أكبر وأعمق من ذلك.
علاوة على ذلك، دعا البيت الأبيض دمشق إلى السيطرة على معسكر سجن الهول الذي يؤوي عناصر "داعش"، والذي يسيطر عليه الأكراد السوريون، ودمج "قوات سوريا الديمقراطية" التابعة للإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا في الجيش السوري الجديد. هذه المشكلة يصعب حلها أيضاً. ففي الأشهر التي تلت توقيع الاتفاق بين الأكراد السوريين ودمشق في 10 مارس (آذار) من هذا العام، كان التقدم العملي في تنفيذه معدوماً تقريباً. إضافة إلى الحفاظ على تشكيلاتهم العسكرية كضمانة وحيدة للأمن بخلاف الوجود الأميركي في المنطقة، يطمح الأكراد للحصول على لامركزية إدارية - وهو شكل من أشكال الحكم المحلي الذي يمنحهم الحق في إدارة شؤونهم الخاصة داخل الدولة. حتى الآن، كانت دمشق مترددة في تلبية هذا المطلب، خوفاً من اللامركزية المفرطة التي قد تسفر عن تفتيت البلاد.
وعلى رغم أن المراقبين الغربيين كتبوا عن التزام الجانبين بالاتفاق وحتى عن تحقيق بعض التقدم، فإن الأكراد أنفسهم متشككون للغاية بشأنه.
"قيصر" ضد خلفاء القيصر!
منذ دخل قانون "قيصر" الأميركي حيز التنفيذ في 17 يونيو (حزيران) 2020 بعد ستة أشهر على توقيعه من قبل الرئيس دونالد ترمب في ديسمبر (كانون الأول) 2019، فهم "خلفاء القياصرة" في موسكو أن أميركا التي أصدرت هذا القانون بموافقة الحزبين الجمهوري والديمقراطي تستهدف من خلاله ليس سوريا وحدها، بل نفوذ روسيا التاريخي في هذا البلد، بما يؤشر إلى أن الأمر ليس مزاجاً، بل يقدم واجهة جادة وجديدة لتعامل السياسة الخارجية الأميركية مع الوضع الجيوسياسي العام بما يتعدى ملف سوريا.
وآنذاك اعتبر المحللون الروس أن القانون موجه في الأساس لداعمي الأسد، وعلى وجه التحديد جارته طهران، وحليفته موسكو، وأن ذكر نظام بشار الأسد آنذاك فيه، لم يكن إلا حجة أميركية لممارسات سياسة العقوبات على كل من إيران وروسيا بطرق ووسائل مختلفة.
وكتب المحلل السياسي جوش روجين، في صحيفة "واشنطن بوست"، أن "قانون قيصر" ليس فقط لفرض جزء من العدالة والمساءلة لضحايا بشار الأسد، بل يمكن أن يمنح الولايات المتحدة أيضاً نفوذاً في مواجهة روسيا.
ويومها اعتبر روجين أن القانون يستهدف أي شركة أو مؤسسة دولية كانت تحاول مساعدة الأسد في إعادة بناء سوريا في قطاعات الطاقة أو الطائرات أو التشييد أو الهندسة أو إقراضه بالمال، حتى لو توقف عن ذبح شعبه، فإن هذا يعني حرمان الأسد من وسائل إعادة البناء وحرمان الآخرين من القدرة على الاستفادة منه، وهو ما يمنح الإدارة الأميركية وسيلة جيدة لاستخدام هذه العقوبات الجديدة للضغط على الأسد وروسيا وإيران معاً.
مدير قسم مكافحة الإرهاب بمعهد "الشرق الأوسط" شارلز ليستر لم يختلف عن الرأي السابق الذي طرحه روجين، بأن تشريع "قانون قيصر" سمح للحكومة الأميركية بمعاقبة أي فرد أو منظمة في أي مكان بالعالم يثبت تقديمها أي شكل من أشكال الدعم المالي للنظام السوري. إلا أن ليستر ألقى الضوء على نقاط أخرى، مؤكداً أن هذا القانون وضع روسيا وإيران حينها بصورة مباشرة أمام تصعيد لا مفر منه في العقوبات الأميركية لعام 2020. وبحسب ليستر، فإن هذا التشريع تسبب في خنق نظام الأسد وعزله عن النظام العالمي وتوسيع قدرة أميركا على معاقبة شركائه.
ووصفت مديرة مكتب "هاينريش بويل" في الشرق الأوسط، بنت شيلر، القانون بـ"الجيد"، مشيرة إلى أنه بمقارنة ما جاء في "قانون قيصر" والعقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على النظام السوري، فإن التصرف الأميركي خاطب إيران وروسيا، ولا يتحدث "قيصر" مع نظام دمشق وحده، بل يتوجه مباشرة لروسيا، فارضاً شروطاً أميركية لطالما كانت غائبة، لأن قانون العقوبات الأميركي لم يستهدف النظام السوري فقط، بل سعى إلى تفكيك منظومة الدعم السياسي والاقتصادي المعقدة، سواء تلك الممتدة من عواصم (منها حليفة لواشنطن) بعيدة، أو تلك المتسربة من دول الجوار. بكلمة أخرى تعامل "قيصر" مع الورش التي كانت تجتهد لترتيب مناطق النفوذ المحاذية المتأثرة بنفوذ طهران (العراق ولبنان)، وحمل جرعات تصويبية للمقاربة الروسية لسوريا والتي لا يبدو أن تلك الأميركية تروم أن تكون بديلاً عنها.
كيف تنظر موسكو لتخفيف العقوبات عن سوريا؟
يعتبر محللو الاستخبارات الروسية أن خطة ترمب لتخفيف العقوبات عن سوريا تهدف، أولاً، لمنح السلطات السورية الجديدة شرعية أكبر وزيادة الدعم الشعبي لها. لأن السوريين ينتظرون رفع العقوبات منذ أعوام، ويتطلعون إلى تحسن الوضع الإنساني والاجتماعي والاقتصادي، الذي تفاقم منذ عام 2020، وبدء إعادة إعمار شاملة للبلاد. وقرار ترمب يمنحهم الأمل مما يزيد بدوره من دعمهم السلطات السورية الجديدة.
لكن استخبارات موسكو ترى ثانياً، أن القوى المتطرفة في سوريا تعتبر أن انخراط الشرع مع الغرب يُشكل تهديداً لفرصها في سوريا وخارجها. ووفقاً لمنطقهم، فقد بدأ بخيانة القيم "الثورية" و"الإسلامية" و"بيعها" لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية من الغرب. علاوة على ذلك، دعا تنظيم "داعش" في الفترة الأخيرة مسلحي "هيئة تحرير الشام" الساخطين على سياسات الحكومة السورية الجديدة إلى الانشقاق. ويتمثل التهديد الرئيسي لهذه القوى في أن الشرع قد يحظرها في نهاية المطاف ويدمرها مادياً مقابل الاعتراف الكامل به وتقديم الدعم الاقتصادي من الغرب لنظامه.
في الوقت نفسه، قد يكون للمعارضة الداخلية المتطرفة التي تشكلت في سوريا تأثيرٌ ما على استقرار البلاد، نظراً لأن الحكومة لا تسيطر حتى تاريخه على كامل الأراضي ولا تحتكر السلاح أو العنف. كذلك فإن السلام المفترض بين سوريا وإسرائيل الذي تقف خلفه واشنطن، يمثل حجةً قويةً ضد الشرع ومصدر إزعاجٍ للمتشددين في البلاد، وهو ما يُمثل مشكلة للحكومة.
ثالثاً، في الوقت نفسه، يُعزز الشرع بتخفيف العقوبات عن البلاد مكانته أكثر فأكثر. وقد عزز لقاؤه بالرئيس الأميركي في 14 مايو (أيار) صورته إقليمياً وعالمياً. ويُمكّنه الدعم الأميركي المُتمثل في احتضان ترمب له، من استخدامه ضد زملائه الأكثر تطرفاً والقضاء عليهم تدريجاً. كذلك فإن المساعدات المالية والاقتصادية والعسكرية من الغرب ودول الخليج، والتي ستحصل عليها دمشق عاجلاً أم آجلاً، ستُمكّنه من التصرف بجرأة وحزم أكبر ضد خصومه الأكثر تطرفاً، بمن فيهم الإسلاميون المتطرفون، من دون خوف من فقدان الدعم الشعبي. وبعبارة أخرى، فإن الاعتراف الدولي الأكبر بالشرع يمنحه دعماً شعبياً محلياً أكبر، مما يسمح له بتقليل قيمة حجج المتطرفين حول عدم شرعيته والتوقف عن الاعتماد عليهم كأداة للسيطرة على الوضع في البلاد.
رابعاً، فإن تخفيف ترمب العقوبات الأميركية ضد سوريا قد يحيي المساعدات الاقتصادية والاستثمارات من دول الخليج والاتحاد الأوروبي في سوريا. فبعد إصدار الولايات المتحدة القرار "جي أل 25" في 23 مايو، حذا الاتحاد الأوروبي حذوها وقرر في 28 مايو رفع العقوبات الأوروبية الاقتصادية عن سوريا. تجدر الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي سيراقب أيضاً وضع حقوق الإنسان في البلاد والتطورات المحيطة بأحداث مارس (آذار) في الساحل السوري. كذلك فإن جميع المانحين والمستثمرين المحتملين سيراقبون الوضع عن كثب، وسيتوخون الحذر من ضخ مبالغ طائلة. ومن المتوقع اتباع نهج تدريجي.
خامساً، سيؤدي التحسن التدريجي للوضعين الإنساني والاقتصادي في نهاية المطاف إلى عودة جماعية للاجئين السوريين إلى البلاد (وفقاً للأمم المتحدة، لا يزال هناك نحو 4.5 مليون لاجئ سوري خارج البلاد ونحو 7.5 مليون نازح داخل سوريا). وهذا بطبيعة الحال قد يزيد من العبء الاجتماعي والاقتصادي على الدولة السورية، مما قد يخلق بيئة مواتية للمعارضة والأفكار المتطرفة. من جهة أخرى، قد يسمح للسلطات بزيادة دعمها الشعبي واستقطاب المزيد من الكفاءات لإعادة إعمار البلاد والاقتصاد. في الوقت نفسه، ووفقاً لتقرير حديث للأمم المتحدة حول سوريا، "لا يزال التماسك الاجتماعي في البلاد هشاً بسبب الانقسامات العرقية المتجذرة والنزوح/الترحيل المطول للسكان والديناميكيات المعقدة لعودة النازحين واللاجئين". وقد أدى الصراع إلى تفاقم الانقسامات بين الجماعات العرقية والطائفية، كذلك أدت التغييرات الأخيرة في البيئة السياسية إلى تأجيج المظالم المتعلقة بالتمثيل السياسي والشمول وملكية الأراضي والوصول إلى الموارد والسيطرة على الأمن. وفي هذا الصدد، من الأهمية بمكان أن تحصل السلطات السورية على الأموال والأدوات الكافية في المستقبل القريب لتهيئة الظروف المستدامة لإعادة إعمار البلاد.
ما هي الآفاق المفتوحة أمام روسيا؟
مما لا شكّ فيه، أن موسكو لم تستثمر تجارياً أموالاً كبيرة في سوريا، وبالتالي لا تملك أي مصالح أو أصول اقتصادية مهمة هناك. في الوقت نفسه، تجدر الإشارة إلى أن لائحة الترخيص الأميركية "جي أل 25" تحظر الصفقات التي تعود بالنفع على روسيا أو إيران أو كوريا الشمالية (أو التي تتضمن نقل أو توفير سلع أو تكنولوجيا أو برمجيات أو أموال أو تمويل أو خدمات من وإلى هذه الدول)، مما يحد من قدرة موسكو على تقديم المساعدة الاقتصادية لسوريا. نظرياً، إذا رفعت الولايات المتحدة جميع القيود المفروضة على علاقات سوريا مع روسيا، فستتمكن موسكو من إبرام صفقات مع دمشق في قطاع الدفاع (بما في ذلك صيانة المعدات العسكرية السوفياتية/ الروسية)، والترميم الصناعي (منشآت البنية التحتية السوفياتية/ الروسية) والزراعة والتعليم.
وهنا، من المهم أيضاً أن نلاحظ أنه بما أن خطة ترمب لرفع العقوبات عن سوريا وخطة الاتحاد الأوروبي لا تتضمن شرطاً لانسحاب القواعد العسكرية الروسية من سوريا (على الأقل هذا غير معروف للعامة)، فإن موسكو لديها فرصة أفضل للتفاوض على شروط أكثر ملاءمة للحفاظ على منشآتها العسكرية في البلاد.
ويتضح لجميع المعنيين أن واشنطن ستظل تمسك بإمكانية رفع العقوبات كجزرة إذا وصل "الأشخاص المناسبون" لها ولسياساتها إلى السلطة وتصرفوا بطريقة معينة لا سيما تجاه إسرائيل والسلام معها. لذلك، يُعدّ تخفيف العقوبات أداةً للتأثير والضغط، ويربط بشكل مباشر بين رفع العقوبات أو تخفيفها وسلوك الجهة المستهدفة.
مع ذلك، من غير المرجح أن يؤثر حجم الاستثمار الغربي أو الأجنبي الذي سيكون ضئيلاً جداً في سوريا على جودة الحكم الداخلي أو تنفيذ الإصلاحات أو شمولية المرحلة الانتقالية. وبطبيعة الحال، يسعى الغرب، من خلال تخفيف العقوبات تدريجاً، إلى تهيئة الظروف التي تُمكّنه من ممارسة نفوذ على السلطات الحالية في دمشق.
لكن خبراء اقتصاديين يعتبرون أن واشنطن غير جادة في رفع قانون "قيصر" عن كاهل السوريين وإن سوّقت لغير ذلك.
فبعدما تعهد الرئيس الأميركي برفع العقوبات عن سوريا، عادت حكومته لتتذرع بحجج يجزم هؤلاء الاقتصاديون أنها لا تصمد في ميدان المنطق، وإن جاءت مفصلة على مقاس السياسة الأميركية التي تحسن رفع سيف الابتزاز على البلد الذي لوحت له بورقة رفع العقوبات قبل أن تماطل بشأن ذلك، بغية القبض على ملف إعادة الإعمار ومنع التواصل مع كل من الصين وروسيا اللتين قد تكون لدمشق مصلحة في نسج أفضل العلاقات معهما عقب الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين، وهذا ما أثار حفيظة واشنطن التي جعلت من مسألة رفع العقوبات وإبقائها بحساب، بوابة عبور من تشاء إلى خريطة الاستثمار في سوريا. ذر الرماد في العيون
فشلت محاولة النائب الأميركي الجمهوري جو ويلسون المدعوم من منظمة (التحالف السوري- الأميركي) في تمرير قانون إلغاء "عقوبات قيصر" من خلال دمجه ضمن جملة من التعديلات في قانون الموازنة الدفاعية الأميركية، بعدما رفض مجلس النواب الأميركي إلغاءه، لتستحضر الذاكرة الجمعية عند السوريين وغيرهم من الشعوب التي خضعت للعقوبات الأميركية مشاهد الضغط السياسي التي دأبت واشنطن على التلويح به كلما اعتقدت هذه الشعوب أن زوال العقوبات محكوم بزوال مسببها، في حين أن "الحسابات الأميركية تبقى مرتبطة بفرض مروحة واسعة من الإملاءات على النظم السياسية الجديدة حتى وإن قدمت هذه النظم نفسها على وفاق شبه تام مع السياسة الأميركية"، بحسب متابعين للشأن السوري.
فالأمر بالنسبة لواشنطن "لا يرتبط فقط بهذه الدول وشعوبها وإنما بمدى رغبتها في إبرام شبكة علاقات وتحالفات مع قوى دولية وإقليمية قد لا ترضى عنها واشنطن"، كما يقول محللون سياسيون سوريون.
يرى المحلل الاقتصادي السوري، حسن ديب، في حديث لوسائل إعلام روسية، أن "التسويف الأميركي في رفع عقوبات ‘قيصر‘ عن سوريا كان متوقعاً وهو لم يخرج عن السياسات الأميركية التقليدية تجاه شعوب انقلبت على نظمها السياسية المعادية لواشنطن التي تعطي بيد وتأخذ ما تعطيه باليد الأخرى".
وأشار ديب إلى أن عقوبات "قيصر" التي فرضت عبر تشريع خاص لا يمكن إلغاؤها إلا من خلال تشريع خاص كذلك خلافاً لما يشاع عن قدرة الرئيس الأميركي على رفع هذه العقوبات بموجب صلاحياته فقط.
وجاء تمديد هذه العقوبات في عام 2024 كمؤشر حقيقي على رغبة واشنطن في إبقاء الاقتصاد السوري رهن مشيئتها، بخاصة وأن العقوبات تشمل قطاعات مهمة على رأسها قطاع إعادة الإعمار الذي ربطته واشنطن بشبكة من القوانين التي تمنع على الدول الأخرى الخوض فيه من دون المرور على الرقابة الأميركية.
وأضاف المحلل الاقتصادي أن واشنطن عرفت كيف تذر الرماد في العيون من خلال إيحاء الرئيس ترمب أنه بصدد رفع العقوبات عن سوريا أثناء لقائه الشرع، وإتباعه ذلك وعلى مدى مراحل زمنية بإلغاء العقوبات الرئاسية المفروضة على دمشق، وإصداره قراراً بتجميد التشريعية منها بما فيها "قانون قيصر" لمدة ستة أشهر مع وعود غير أكيدة بإلغائها نهائياً.
وهو الأمر الذي ما زال حتى اللحظة في حيز الوعود لكنها هذه المرة باتت وعوداً مشروطة تعيد صياغة المشهد السوري وفق الرؤية الأميركية التي دفعت الحكومة الانتقالية في دمشق نحو الانفتاح على إسرائيل والسعي لإبرام اتفاقية أمنية معها لا تملك فيها دمشق أوراق التفاوض الكافية التي تجعلها اتفاقية متوازنة.
سوريا وروسيا والصين
من جانبه، يرى المحلل السياسي السوري سعيد جودة أن إبقاء "قانون قيصر" يعني استمرار إحكام واشنطن قبضتها السياسية والاقتصادية على دمشق بصرف النظر عما يحاول الأميركيون إظهاره عبر الإيحاء بوجود انقسامات بينية بشأنه في ما بينهم.
ويشدد جودة على أن استمرار وجود "قانون قيصر" يسمح لواشنطن باختيار الجهات الدولية التي يمكن لها أن تستثمر في سوريا بحيث تعود منفعة هذا الاستثمار على شركات واشنطن وحلفائها بعيداً من الجهات الدولية والإقليمية غير المرغوب بها أميركياً.
وأضاف أن المشهد الحالي القائم على استمرار العقوبات وإخضاع ما جمد منها- إلى حين- لعين الرقابة الأميركية ومدى تحقيق دمشق لشروط واشنطن السياسية، يحول دون خلق حالة من الأمان والثقة في البيئة الاستثمارية السورية، التي تتوق كل الشركات الكبرى في العالم إلى التموضع فيها، نتيجة لوجود فضاءات واسعة من الاستثمارات في كل القطاعات الكبرى فيها، والتي يبقى الولوج إليها رهن الرضا الأميركي على هذه الشركات ومن ورائها الدول التي أتت منها. الأمر الذي ينطوي على أخطار كبيرة لا يمكن تجاهلها بأي شكل من الأشكال.
وشدد المحلل السياسي على أن كلاً من روسيا والصين تبدوان معنيتين بشدة بهذا التكتيك الأميركي، الذي يحاول من خلال الإبقاء على "عقوبات قيصر" تحجيم نفوذهما الاستثماري المتوقع في سوريا، وبخاصة روسيا التي بدت إدارة الشرع حريصة على فتح خطوط التواصل معها على كافة المستويات في زمن قياسي لم يخطر ببال أحد من المراقبين، لا سيما وأن البلدين شهدا زيارات متبادلة لبعض مسؤوليهما، كذلك فإن الشرع بصدد زيارة موسكو الشهر المقبل.
ولفت جودة إلى أن الرئيس الأميركي الذي لا يشعر عادة بالحرج من أي موقف اتخذه ثم انقلب عليه، قد يجد في الموقف المتقلب من "قانون قيصر" واختلاف التأويلات الأميركية الداخلية بشأنه، سبيلاً للقول إنه فعل ما توجب عليه القيام به وإن وعده للأمير محمد بن سلمان قد تحقق في ما يخص صلاحياته هو، وإن بقية القوى المؤثرة في هذا الملف (الكونغرس) على الصعيد الداخلي الأميركي بانتظار مدى تطبيق الحكومة السورية تعهداتها في هذا الشأن.
مطالب واشنطن
كشفت الاستخبارات الخارجية الروسية أن السلطات السورية الجديدة تلقت قائمة مطالب من الولايات المتحدة يجب على السلطات السورية تنفيذها مقابل تخفيف واشنطن نظام العقوبات.
ويطالب الأميركيون سوريا بالسير قدماً في توقيع اتفاقات أمنية مع إسرائيل تضمن سيطرة الأخيرة على قمّة جبل الشيخ وبعض النقاط الاستراتيجية المهمة، التي تسمح لها بمراقبة كل المنطقة وصولاً حتى تركيا وإيران عبر رادارات متطورة، وبتدمير كل مخزوناتها المتبقية من الأسلحة الكيماوية ومنع المتمردين الأجانب من تولي مناصب قيادية في الحكومة السورية والتنسيق التام مع القوات الأميركية والإسرائيلية في مكافحة كل من يصفونهم بالإرهابيين، بمن فيهم "حزب الله" اللبناني والخلايا التابعة له في سوريا.
هناك احتمالٌ لإجراء محادثات سلام سورية- إسرائيلية. في الأسابيع الأخيرة، أقام الجانبان اتصالات مباشرة ويناقشان قضايا أمنية. مع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الاتصالات غير المباشرة بين السلطات السورية والإسرائيلية الجديدة بدأت في ديسمبر 2024. والسؤال هنا هو كيف سيستغل خصوم الشرع المحتملون هذا الأمر، وهل سيكون للسلام الإسرائيلي- السوري (أو حتى المفاوضات بشأنه) تأثيرٌ مزعزعٌ للاستقرار في سوريا والمنطقة؟
وإضافة إلى ذلك، تريد الولايات المتحدة من دمشق تعيين منسق للمساعدة في البحث عن الصحافي الأميركي المستقل أوستن تايس، الذي اختفى قبل 13 عاماً أثناء مروره عبر أحد حواجز العاصمة.
وفي حال التزام سوريا بهذه الشروط، ستخفف الإدارة الأميركية نظام العقوبات، من دون الكشف عن تفاصيل الإجراءات المتخذة. في يناير 2025، رفعت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات مالية معينة من قائمة التدابير التقييدية، وتحديداً تلك المتعلقة بمعاملات الطاقة.
عقب ذلك، خفّف الاتحاد الأوروبي أيضاً العقوبات المفروضة على قطاعي الطاقة والنقل، وجُمّدت عقوبات مفروضة على خمسة بنوك وشركات.
تضارب مصالح معقدّة
تختلف قائمة الشروط التي طرحتها واشنطن عن تلك التي طُرحت سابقاً في مجلس الشيوخ الأميركي. فقد طالب رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، جيم ريش، وزملاؤه سابقاً، دمشق بمنع روسيا من الوصول إلى قاعدتيها العسكريتين في طرطوس وحميميم. ريش مقتنع بأن موسكو قد تستخدم ميناء طرطوس في البحر الأبيض المتوسط، مما قد يُهدد واشنطن وحلفاءها.
وتعتقد وسائل إعلام غربية أن إسرائيل تضع عائقاً في عجلة القيادة الأميركية، وأن تل أبيب أثّرت في سياسات الإدارة الأميركية في سوريا بمطالب لم تكن إدارة ترمب تتوقعها أو تحسب لها حساباً. وتزعم مصادر غربية أن السلطات الإسرائيلية أقنعت واشنطن بإمكانية أن تصبح روسيا ضامناً أمنياً في سوريا.
وتقول المصادر الغربية أن المسؤولين الأميركيين كانوا واثقين من أن تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، ستكون الأقدر على أداء هذا الدور. إلا أن تل أبيب تعارض ذلك بشدة وتشكك في نوايا الجانب التركي تجاهها وتعارض مصالحه مع مصالحها في سوريا، معتقدةً أن تغيير النظام في سوريا قد عزز مكانة تركيا في المنطقة.
كما وردت تقارير تفيد بأن مسؤولين عسكريين واستخباراتيين إسرائيليين عقدوا عدة جولات من المشاورات لمناقشة هذه القضايا. و"لمواجهة النفوذ التركي"، قرروا النضال من أجل الحفاظ على القواعد الروسية.
في أوائل مارس الماضي، زار رومان غوفمان، أحد أقرب المستشارين العسكريين لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، موسكو. وكان الهدف من زيارته تعزيز التعاون الأمني، لا سيما في ظل الأزمة السورية.
وذكرت وسائل الإعلام الغربية، فإن إسرائيل تفضل إبقاء سوريا ضعيفة ولا مركزية، ولهذا السبب تصر على الحفاظ على القواعد العسكرية الروسية في البلاد.
تل أبيب واثقة من أن انسحاب روسيا من سوريا قد يؤدي إلى "خضوع قاعدتي حميميم وطرطوس الجويتين لسيطرة أنقرة". وصرح وزير النقل التركي عبد القادر أورال أوغلو بأن بلاده مهتمة بزيادة التجارة في المنطقة وتطوير الموانئ السورية.
وتحاول السلطات الإسرائيلية أيضاً منع إبرام اتفاقية دفاع بين سوريا وتركيا.
روسيا في بيئة غير وديّة
قال أندريه أونتيكوف، المستشرق والناشط الإعلامي ومؤسس قناة "البوابة الشرقية" على تلغرام، إن هذا لا يعني أن الولايات المتحدة موافقة على بقاء القواعد الروسية في سوريا.
"يرتبط هذا الأمر أكثر بالمعلومات التي تُفيد بأن إسرائيل تُفضّل، على ما يبدو، الحفاظ على القواعد الروسية. وبالتالي، إذا كان هذا في مصلحة تل أبيب، فهو أيضاً في مصلحة إدارة دونالد ترمب"، بحسب اعتقاد الخبير السياسي.
وبحسب الخبير، إذا جرى الإبقاء على القواعد الروسية، فإن العسكريين الروس سيجدون أنفسهم في "بيئة غير ودّية للغاية".
ويؤكد الخبير أن "إسرائيل تنظر بوضوح إلى احتمال الحفاظ على القواعد الروسية كوسيلة أخرى لتعزيز مصالحها في الشرق الأوسط، وبخاصة في سوريا".
وأضاف أن هناك رأياً مفاده بأن مصالح روسيا وإسرائيل في سوريا متطابقة، إلا أن المحلل يخالفه الرأي.
ويعتقد هذا المحلل أن "تل أبيب مهتمة بإضعاف سوريا. إنها تريد إضعاف العالمين العربي والإسلامي عموماً. علاوة على ذلك، تسعى إسرائيل إلى إنشاء كيان انفصالي مستقل في شمال سوريا".
وفي رأيه، فإن روسيا لديها تطلعات ومصالح ومهام أخرى.
وأشار المستشرق إلى أن "الأمر يحتاج إلى عالم عربي إسلامي قوي ومستقل، قادر على تقديم جبهة موحدة في مختلف القضايا".
وأضاف أن روسيا لديها فرصة للاحتفاظ بقواعدها في سوريا.
السؤال هو: ما هو الثمن؟ من جهة، لم تطالبها السلطات السورية بعد بمغادرة المنطقة الجنوبية بأسرع وقت ممكن. ولكن من جهة أخرى، وجود القوات الروسية هناك قد يكون مزعجاً.
هل تخسر روسيا نفوذها في سوريا؟
حصيلة الأحداث التي أعادت تشكيل سوريا أخذت جهاتٍ كثيرة على حين غرّة، ومن ضمنها روسيا. فلم تكن موسكو مستعدّة لمثل هذا السيناريو، وأتت أفعالها في الغالب بعد سقوط الأسد كردود فعلٍ على ما يحدث. واعتُبرت هذه النتيجة فشلاً ذريعاً للسياسة الروسية في الشرق الأوسط، ولكن لم تكن هزيمةً استراتيجية. فتركيز موسكو ينصبّ في المقام الأول على إلحاق الهزيمة بالدول الغربية في أوكرانيا، وهو أمرٌ أساسي لأمنها ومكانتها كقوة عظمى. وإذا نجحت في ذلك، قد تستعيد نفوذها في مناطق أخرى، بما في ذلك في سوريا والشرق الأوسط. وحتى ذلك الحين، غالب الظن أن تسعى موسكو إلى الحدّ من خسائرها والحفاظ على نفاذها في البحر الأبيض المتوسط وعلى دورٍ لها في المشهد الدولي، حتى تحقيق النصر في أوكرانيا.
وإذا اتّخذت روسيا قراراً سياسياً باستعادة موقعها في سوريا، فسوف تحدّد نقاطاً قد تستخدمها لتسهيل هذه العودة. وقد يشمل ذلك حماية الأقليات الإثنية والدينية أو الاضطلاع بدور قوة خارجية محايدة تشكّل ثقلاً موازناً. غالب الظن أن سياسة موسكو في الشرق الأوسط ستصبح أكثر مرونة. وإذا لزم الأمر، يمكنها التعاون مع تنظيماتٍ تصنفها واشنطن "إرهابية"، كما فعلت مع حركة "طالبان" في أفغانستان. إذاً، إن انسحاب روسيا من الشرق الأوسط غير مُرجَّح. بل قد تنتظر ريثما تهدأ الأوضاع وتقترح مبادراتٍ لحلّ الصراع، مستبدلةً القوة الصلبة بالنشاط الدبلوماسي والقوة الناعمة. من وجهة نظر موسكو، قد يوفّر الانتصار على الدول الغربية في أوكرانيا زخماً للتحوّل نحو نظامٍ عالمي متعدّد الأقطاب، ما يعني ضمنياً أن إعادة تنشيط الدور الروسي في الشرق الأوسط لا يزال ممكناً على المدى البعيد.