الرئيسة \
تقارير \ الضرورات السورية .. فهم المرحلة ومستقبل الدعم الدولي
الضرورات السورية .. فهم المرحلة ومستقبل الدعم الدولي
30.07.2025
محمد شيخ يوسف
الضرورات السورية .. فهم المرحلة ومستقبل الدعم الدولي
محمد شيخ يوسف
سوريا تي في
الثلاثاء 29/7/2025
ليس من السهل عبور المراحل الانتقالية في كثير من مناطق العالم، نظراً للتحديات الكبيرة والشاملة لتغيير المفاهيم والوقائع السائدة لعقود وربما قرون.
وقد شهدت تجارب عديدة سنوات طويلة من التعثّر في مرحلة التغيير وبناء الدول والأوطان. وسوريا الجديدة، بعد سقوط النظام، بدورها أمام تحديات كبيرة وفرص عديدة في الوقت نفسه، لبناء الدولة المنشودة التي بذل من أجلها ملايين السوريين الغالي والنفيس من الأرواح والأعمار والحياة. وعندما لاحت بارقة الأمل الجديد، فمن الطبيعي أن تشهد البلاد في هذه المرحلة الحديثة مطبّات وعقبات وصعوبات وتحديات كثيرة، ليس أقلها فلول تابعة للنظام السابق تتلقى دعماً دولياً وإقليمياً، ودول مجاورة محتلة ترغب في مزيد من التقسيم وعدم الاستقرار.
ومن اللافت في الحالة السورية بمرحلة التغيير هذه حجم الدعم الدولي الكبير على الصعيدين الإقليمي والعالمي، وحرص عدة دول، أهمها تركيا والسعودية وقطر، وبدعم أميركي، على إنجاح المرحلة الانتقالية وعودة سوريا إلى مكانتها الطبيعية كعنصر أمان واستقرار لمواطنيها ولجوارها، تشهد رفاهية واستقراراً وتنمية تنعكس على المنطقة والعالم المضطرب، وتساهم في تهدئة الحروب والتوترات الإقليمية والدولية. وعلى السوريين توظيف هذا الزخم الإقليمي والدولي بشكل جيد ومفيد.
وكما كانت الثورة السورية شعبية وجامعة لعموم الشعب في الوقوف بوجه الظلم والقمع ومنظومة الاستبداد، ووقف الجميع يداً بيد حتى دُحر النظام، فإن ثمة دوراً هاماً يقع على الجميع، وهذا الكلام يجب أن يُعاد دائماً خلال المراحل الانتقالية. وإن حصل تكرار، فذلك لأهمية الوعي الجمعي الشعبي بالأدوار التي تقع على عاتق كل الأفراد، حيث إن الحكومة القائمة في دمشق تمضي في مراحل انتقالية متأملة الوصول إلى برّ الأمان. ولكن هناك حاجة ملحّة للتعاون المجتمعي لإنجاح هذه المراحل، منعاً للمنغصات التي قد تواجهها، إذ إن عملية اقتلاع ستة عقود من الفساد والاستبداد لن تكون سهلة، ونحن ما نزال في الشهر الثامن من عمر الدولة السورية الجديدة. ورغم قِصَر هذه الفترة، إلا أنها شهدت أحداثاً كثيرة تدلّ على نوايا بقايا النظام وأتباعه في إحداث القلاقل وبث الشائعات والتنغيص على المراحل الانتقالية، وصلت إلى درجة تدخل المحتل الإسرائيلي واستهداف مؤسسات سورية سيادية.
لا يجب الاكتفاء بالتفكير بالواقع الحالي والمرحلة الجارية، بل يجب التخطيط لمستقبل أبناء سوريا، وألا تتكرر في خاطر الأجيال المقبلة أية مشاكل أو انعكاسات لأزمات المرحلة الانتقالية.
الدور يقع على الجميع، بما فيهم مكونات المجتمع السوري كافة، سواء من عموم الشعب أو المكونات المختلفة. ويخطئ من يظن أن نار التخريب والفوضى التي تسعى لها فلول النظام والدول الداعمة لهم لن تصيب إلا أطرافاً بعينها، بل ستشمل الجميع، لأن وحدة سوريا هي مصدر القوة بعد زوال النظام. ولا يمكن لأي مكون أو طرف النأي بنفسه، وكل حماية واعتماد على دول معينة لتوفير الأمن، هي أحلام واهية، فالدول المحتلة والكبرى تفكر وفق مصالحها. والأمثلة كثيرة في دول الجوار، كما حصل في استفتاء الانفصال في شمالي العراق عام 2017، حين اعتقدت سلطات الإقليم أن الظروف مواتية للانفصال، لكن المواقف الدولية والإقليمية كانت ضد هذا الحراك، رغم أن حكومة الإقليم ربما تلقت إشارات بدعم أي تحرّك في هذا الصدد.
وبناءً على ذلك، يجب على جميع الأطراف السورية ومكوناتها إدراك ضرورات البحث عن الهوية الوطنية الجامعة، بدلاً من التكتل والتخندق في كانتونات صغيرة سهلة التدخل بها، وتزيد في تعميق الثغرات الاجتماعية، وتكثر من النعرات بين المكونات، لأن هذه المرحلة التاريخية ستكون وصمة عار في مستقبل أبناء الشعب السوري في السنوات القادمة. ولا يجب الاكتفاء بالتفكير بالواقع الحالي والمرحلة الجارية، بل يجب التخطيط لمستقبل أبناء سوريا، وألا تتكرر في خاطر الأجيال المقبلة أية مشكلات أو انعكاسات لأزمات المرحلة الانتقالية تُعمّق الشرخ الذي تسبب به النظام السابق بتوزيع المناصب والقيادات لأطراف معينة وتهميش عموم الشعب. وهذا الأمر موجه بشكل خاص لمكونات الشعب السوري في شمال شرقي سوريا، وغربها وجنوبها، وعلى الجميع أن يكون مقتنعاً بأن مصلحة الجميع تقتضي وحدة وبناء دولة المواطنة المتكاملة.
وعي مكونات الشعب السوري بعمومه بضرورات المرحلة المقبلة، يتطلب بشكل أساسي البحث عن هوية سورية جديدة بعيداً عن الهوية القومية أو العرقية، مع الحفاظ على الحقوق الثقافية، لأنهم جزء من المجتمع والدولة، ويجب أن يكونوا ككل السوريين في مفاصل الدولة ومؤسساتها. وهذا سيتجلى مع اكتمال المراحل الانتقالية، من وضع الدستور الجديد، وخوض الانتخابات، وعقد التحالفات السياسية، تماماً كما يحصل في كثير من دول العالم التي تتعدد فيها المكونات، وتبقى الحقوق الثقافية والاجتماعية والمعتقدية مصانة دستورياً وتمارس ضمن فعاليات منظمات المجتمع المدني.
ومع تزايد الحديث عن مصطلح "الأقليات" في سوريا بدلاً من مصطلح "المكونات"، تأتي بالضرورة مصطلحات "الأكثرية" والحديث عن تضحياتها ومعاناتها في مقارعة النظام. وأياً كانت التسمية، فإن جميع السوريين مدعوون لأن يكونوا جزءاً من بناء سوريا، فالمكونات جميعها مصلحتها الجمعية في الكل الموحّد. والفروع لا تصلح إلا مع الأصل، ولا يمكن دوام نموّها منفردة، فالفرع يرتبط بالأصل، وفروع الشجرة لا يمكن أن تنمو وتستمر من دون الجذع الأصلي والجذور. وفروع وجذور وأصل سوريا واحد متداخل من الجميع، والمصالح الآنية ستدفع بالضرورة الأجيال المقبلة إلى محاسبة الذين لم يكونوا على قدر الوعد والمأمول في المرحلة الانتقالية لبناء الدولة.
إن الدم والألم السوري واحد، ولا يمكن تجزئته، ومن غير الممكن الحديث عن آلام طرف دون الاعتراف بآلام الأطراف الأخرى، وهذا ما يؤكد مفهوم دولة المواطنة.
وفي معرض الحديث عن المكونات ونسيج المجتمع السوري، من الضروري التطرّق إلى الدور الهام للمثقفين والإعلاميين والناشطين في المجتمع، وخاصة ممن لهم متابعات كبيرة من قبل السوريين، بأن يكونوا على مسافة واحدة من جميع الأحداث، من دون تحيّز لطرف على حساب طرف آخر، وأن يُقال للمخطئ "مخطئ". فكما دعت الأصوات إلى لجان التحقيق فيما جرى من أحداث في الساحل وتابعت نتائجها الهامة، من الضروري أيضاً التعاطف مع ذوي عناصر قوى الأمن الذين غدرت بهم فلول النظام. وبنفس الوقت، إن حصلت تجاوزات في السويداء، يجب المطالبة بمحاسبة المتورطين فيها، تماماً كما يجب إدانة الميليشيات الخارجة عن القانون بسبب ارتكابها تجاوزات وممارسات مؤسفة. ومن هنا، لا يجب أن تُطلق الأحكام من قبل المؤثرين في المجتمع السوري تجاه طرف معين من دون أن تشمل الجميع. والمطالبة بالتحقيقات يجب أن تشمل الجميع، من دون حصرها بطرف ومحاولة النيل منه، فالدم السوري واحد مهما اختلفت المكونات والأطراف. ولا يكفي توجيه السهام لطرف واحد، بل لكل مسيء. وكل ذلك بهدف أن تكون النتيجة سوريا الموحّدة، وتوحيد الدم السوري وحرمة هذا الدم على الجميع، فالألم السوري واحد، سواء من جانب ذوي قوى الأمن أو المدنيين، ولا مكان لأي مسيء أو مجرم أو متجاوز للقانون في سوريا الجديدة.
وخلاصة القول: إن الدم والألم السوري واحد، ولا يمكن تجزئته، ومن غير الممكن الحديث عن آلام طرف دون الاعتراف بآلام الأطراف الأخرى، وهذا ما يؤكد مفهوم دولة المواطنة. فالمدنيون لهم حقوق وأهل، وكذلك قوى الأمن. ومن غير المقبول لأي طرف التجاوز على المدنيين، كما لا يمكن قبول الهجمات على قوى الأمن أو إيقاعهم في الكمائن. فمرحلة بناء الدولة تتطلب توحيد المفاهيم، في وقت ينتظر فيه العالم من سوريا بناءً داخلياً متيناً وسليماً لاستمرار الدعم. أما استمرار التفرّق والتمزّق والتعصّب القومي والمذهبي والطائفي، فلن يؤدي إلا إلى مزيد من الآلام والخراب والدمار، وهذا آخر ما يريده عموم السوريين.