الرئيسة \
تقارير \ الشرع ومعضلة تربيع الدائرة في العلاقة مع إسرائيل
الشرع ومعضلة تربيع الدائرة في العلاقة مع إسرائيل
16.07.2025
رياض معسعس
الشرع ومعضلة تربيع الدائرة في العلاقة مع إسرائيل
رياض معسعس
القدس العربي
الثلاثاء 15/7/2025
لم تنتظر دولة الاحتلال طويلا بعد سقوط طاغية دمشق لتبدأ عدوانها على سوريا لتدمر البنى العسكرية فيها، وتعبر الخط الأخضر الذي رسم حسب اتفاقية فصل القوات في العام 1974 وتحتل مساحات جديدة من الجولان وقمة جبل الشيخ، ومؤخرا تقوم بعملية إنزال عسكري في بلدة يعفور على بعد 10 كيلومترات من دمشق، وتعتدي على المواطنين السوريين، وترتكب جرائم بحقهم بذريعة أمنها، والواقع أنها هي الدولة العدائية الوحيدة في المنطقة وعلى الدول الأخرى أن تخشى على أمنها من هذه الدولة المارقة. الإدارة الجديدة في دمشق تقدمت بشكاوى متتالية للأمم المتحدة بسبب هذه الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي، ولسيادة سوريا على أراضيها، ولكن كما جرت العادة في غض الطرف عن كل انتهاكات الدولة المارقة لقوانينها لم تبد أي قلق إزاء انتهاكاتها بل كان الصمت سيد الموقف ولا حياة لمن تنادي.
بعد اللقاء الشهير بين الرئيس السوري أحمد الشرع، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب برعاية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ووساطة إماراتية، أثار هذا اللقاء تكهنات كثيرة حوله خاصة بعد قرار ترامب برفع العقوبات عن سوريا التي تكهنت بأن واشنطن تقايض رفع العقوبات بدفع الشرع نحو التطبيع مع الدولة المارقة. موقع “وايللا” العبري قال “ في حين أن التطبيع ليس مطروحا على الطاولة بعد، فإن المحادثات قد تمهد الطريق لدبلوماسية مستقبلية بدءا من الجهود المبذولة لتخفيف التوترات، وتحديث الترتيبات الأمنية على طول الحدود السورية الإسرائيلية”. صحيفة “جيروزاليم بوست” العبرية قالت: “تجري إسرائيل وسوريا محادثات أمنية تواجه تحديات كبيرة، سعيًا لتحقيق السلام، لكنهما تواجهان عقبات قد تؤدي إلى سلام بارد، بدلامن المصالحة الكاملة” وذكرت الصحيفة: “أوضحت إدارة الشرع أنه بموجب أي اتفاق، لن يُسمح لإسرائيل بالعمل أو ضرب أهداف داخل الأراضي السورية، فيما تصر إسرائيل على الاحتفاظ بالقدرة على مواجهة التهديدات الأمنية، لا سيما في السيناريوهات التي تنسحب فيها إسرائيل من المناطق العازلة كما طالبت إدارة دمشق”. بالمقابل، تحصل إسرائيل على ضمانات تضمن عملاً سورياً ضد الإرهاب، وإبعاد 3 آلاف من رجال حماس و”الجهاد” الموجودين في دمشق، والأهم توقف أي محاولة إيرانية للتموضع في سوريا.
لا بد من الأخذ بعين الاعتبار تطلعات الشعب السوري الذي تحرر من الطاغية وهي استرداد عافية سوريا وانطلاقها نحو غد أفضل
ونقلت قناة “أي24” الإخبارية الإسرائيلية عن مصدر مقرب من الشرع أن سوريا تطالب بأن تسلمها إسرائيل ما لا يقل عن ثلث مساحة الجولان المحتل كجزء من أي تسوية سياسية محتملة وأضاف: “لا يوجد شيء اسمه السلام المجاني” وأشار الموقع أن هناك سيناريوهين مطروحين للتسوية، الأول:” احتفاظ إسرائيل بثلث الجولان، وتسليم ثلثي لسوريا بينما يتم استئجار الثلث الثالث من قبل إسرائيل لمدة 25سنة”، السيناريو الثاني: “تحتفظ إسرائيل بثلثي الجولان مع إمكانية تأجير الثلث الثالث مقابل تسليم مدينة طرابلس اللبنانية ومناطق أخرى شمال لبنان وسهل البقاع لتصبح تحت سيادة سورية مع السماح بتمديد خط أنابيب مياه من نهر الفرات إلى إسرائيل ضمن اتفاق مائي بين سوريا وتركيا”
تزامنت هذه المعلومات مع زيارة الحاخام اليهودي الأمريكي أبراهام كوبر والقس الأمريكي جوني مور اللذين التقيا بالرئيس أحمد الشرع لمدة ساعتين وكان النقاش حول محادثات محتملة بين سوريا ودولة الاحتلال للبحث في مستقبل “مشرق”، وفي مقابلة مع مجلة المجلة تكفل الحاخام بمساعدة السوريين في معرفة هويات المفقودين في المقابر الجماعية، وعلى عكس ما قيل حول جر مياه الفرات إلى دولة الاحتلال كما ذكرت القناة الإسرائيلية تكفل الحاخام جر المياه الإسرائيلية إلى سوريا لأنه رأى دمشق وضواحيها صحراء قاحلة على حد تعبيره، ولكنه ربما لا يعرف أن المياه الموعودة هي مياه سوريا بالأصل التي سرقت من الجولان، وربما الحاخام لم ير غوطة دمشق الغناء التي تلف أقدم عاصمة في العالم كسوار حول معصم والتي شيدت قبل إنشاء إسرائيل بعشرة آلاف عام، أي حتى قبل موسى وإبراهيم، والمضحك حتى البكاء في هذه القضية أنه عندما سئل عن الجولان المحتل وعلى عكس ما جاء على لسان القناة العبرية، قال بأن هذه المسألة معقدة ويمكن حلها بأن نحول الجولان إلى منتجع يتمتع به السوريون والإسرائيليون في رحلات كشفية. وكان وزير خارجية الدولة المارقة جدعون ساعر صرح “أنه لا يمكن توقيع اتفاق تطبيع مع المطالبة بالانسحاب من الجولان”. وهنا معضلة أولى لترامب كيف يمكن أن يحلها وهو في شوطه الأول من الرئاسة الأمريكية وافق على سيادة إسرائيل على الجولان؟ ولا سيما أنه يعلم علم اليقين أنه لا يمكن لسوري حتى التفكير بالتخلي عن الجولان ولا الشرع الذي كنى نفسه سابقا بأبو محمد الجولاني، أي جعل الجولان جزءا من اسمه الحركي. كيف للإدارة السورية أن تقبل مثل هذا التطبيع بفقدان جزء من أراضيها؟ خاصة وأن مصر عندما وقعت اتفاقية كامب ديفيد استعادت كل أراضيها المحتلة، فهل تقبل سوريا بأقل مما حصلت عليه مصر خاصة وأنهما خاضتا الحروب معا ضد الاحتلال؟ وهذه معضلة أخرى في المسار التطبيعي الترامبي الذي اجتمع حوله الزعماء العرب في صورة تعد تاريخية فأعداء الأمس اليوم يبتسمون حول ترامب ونتنياهو على جدران وساحات تل أبيب وكأنهم جلبوا السعادة لشعوبهم.. وحول ما تناقلته وسائل إعلام عبرية حول سيناريوهين محتملين لإبرام اتفاق مع سوريا يجب التوقف عن معضلات كبيرة تقف كحجر عثرة في طريقهما، فكيف يمكن أن تكون ردة فعل الدولة اللبنانية، وسكان طرابلس والمناطق المحيطة بها على مثل هكذا سيناريو، وهل تقبل فرنسا التي أنشأت الدولة اللبنانية ووافقت على استقلالها في العام 1943 بعد مؤتمر سان ريمو الذي شرعن الانتداب الفرنسي البريطاني على كل من سوريا ولبنان وفلسطين والأردن والعراق. وقاموا بتقسيم الهلال الخصيب. فهل ما زالت لعبة الأمم سارية المفعول في القرن الواحد والعشرين؟ وباختصار شديد فإن أماني وتطلعات بنيامين نتنياهو بتغيير الشرق الأوسط كما صرح مرارا وتكرارا عبر تفكيك سوريا بدعم المكونات الطائفية والعرقية لإنشاء دول على غرار سكين وشوكة سايكس بيكو ربما ستصطدم بالإدارة الجديدة ومن خلفها تركيا التي تبحث اليوم معضلة تربيع الدائرة في عملية التطبيع معها فليس كل ما يطرح قابلا للتنفيذ والقبول، واليوم لا بد من الأخذ بعين الاعتبار تطلعات الشعب السوري الذي تحرر من الطاغية وهي استرداد عافية سوريا وانطلاقها نحو غد أفضل، واستعادة كل أراضيها المحتلة من الدولة المارقة والإدارة الجديدة مطالبة بالتوضيح لمنع أي لغط واستغلال الضبابية لمآرب أخرى.