الرئيسة \  تقارير  \  الشرع من نيويورك إلى إدلب

الشرع من نيويورك إلى إدلب

29.09.2025
فاطمة ياسين



الشرع من نيويورك إلى إدلب
فاطمة ياسين
العربي الجديد
الاحد 28/9/2025
تحت أضواء قمة كونكورديا في نيويورك، وعلى هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، التقى قبل أيام الرئيسُ السوري، أحمد الشرع، ديفيد بترايوس، الجنرال الذي كان يقود وكالة الاستخبارات الأميركية إبان حرب الغزو الأميركي للعراق. صافح بترايوس الرجل الذي بحث عنه طويلاً، وقد رصدت CIA في عام 2017 مكافأةً قدرها عشرة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه، وبدأ لقاءه مع الشرع بعبارة "السلام عليكم سيدي الرئيس". شكلت هذه التحية إعلاناً احتفالياً بتحوّل الشرع من أبو محمد الجولاني، قائداً لجبهة النصرة، إلى رئيسٍ يلبس بدلةً وربطة عنق، ويتحدّث عن استقرار سورية دولةً مدنية.
استمر اللقاء نحو 40 دقيقة، وحضره جمهور دولي، بدا فيه بترايوس رجلاً ودوداً جداً لا يسعى إلى معرفة أجوبةٍ عن أسئلته، بقدر ما هو مهتم بإعلان المفارقات الكبرى التي يمكن أن تجري في هذا العالم. تختلف ميادين الحرب عن ميادين السياسة. حاول الشرع أن يؤكّد ذلك مظهراً صعوبة مهمته الحالية. سأل بترايوس عن ماضي الشرع في تنظيم القاعدة، وقد ردّ الرئيس السوري بثقة، ليشرح تحوّله من رجل حربٍ إلى رئيسٍ أولويته أن يبني بلداً مدمّراً. غصّت المواقع ومنصّات السوشيال ميديا بالتعليقات عن غرابة المشهد، بعضهم رآها علامةً على تغيير كبير في العلاقة المستقبلية بين أميركا وسورية.
الشرع الذي ولد في جدّة عام 1982، لعائلة من الجولان المحتلّ، ونشأ في أحد أحياء العاصمة دمشق، كان طالباً هادئاً، إلى أن اختفى في بداية العشرينيّات من عمره، وانضم إلى المقاتلين في بغداد ضدّ القوات الأميركية الغازية. اعتُقل، وخرج بعد ست سنوات عائداً إلى سورية التي كانت قد اندلعت فيها ثورة ضدّ الأسد. بنى تنظيماً جهادياً نفّذ مئات العمليات والهجمات العسكرية، ثمّ تحوّل إلى إسلامي واقعي يتواصل مع جهات دولية ويبني تحالفات معها. وظهر ذلك جلياً من خلال هيئة تحرير الشام التي أسّسها وتزعّمها في إدلب، وصرّح من هناك مراراً أن هدفه هو الوصول إلى دمشق وتحريرها من آل الأسد، في وقت كان الجميع ينتظر فيه توافقاً دولياً على حلّ سياسي ينهي مأساة السوريين.
رغم اتهاماتٍ بالتطرّف التي ما زالت تلاحق القوات الحكومية التي أسّسها الشرع، بعد أن أمسك بالسلطة في دمشق، وتورّط بعض عناصرها في حدثين وقعا في الساحل والسويداء، دعا الشرع واشنطن إلى رفع العقوبات التي فُرضت على سورية بسبب جرائم الأسد. وكان الرئيس ترامب، قد التقاه في الرياض (مايو/ أيار الماضي) وأعلن رفع عقوبات أوّلياً، لكن شبح عودة عقوبات قيصر المعلّقة حتى نهاية السنة يؤثّر في تدفّق المستثمرين وبناء الثقة، بالإضافة إلى أن التدخّلات الإسرائيلية في الجنوب، وفي سورية عموماً، تهدّد بإثارة فوضى قال الشرع إنها تضرّ بمصالح العالم.
أنهى الشرع لقاءاته الكثيفة في نيويورك وقد دوّن في أجندته مواعيد لقاءات أخرى عديدة، سيعقدها مع قادة الدول، وعاد إلى دمشق، ومنها مباشرة إلى مدينة إدلب، أرض المقاتلين ونقطة انطلاق معركة التحرير. وهناك، عبر كلمة قصيرة لخّص ما جرى معه في الأمم المتحدة، وأكّد وحدة سورية التي تدعمها دول العالم، وبدا كأنّه يفتح صفحةً جديدةً مليئة بالنظرة الإيجابية للعلاقات مع الدول، ويطوي صفحة شديدة الارتباك معهم، لا بسبب سيرته الشخصية فقط، بل بسبب تاريخ سورية الحديث كلّه، الذي يعجّ بالمواقف المرتابة والمعادية للدول الغربية وفي رأسها الولايات المتحدة.
لم يأتِ الشرع في لقاء إدلب على ذكر الاتفاق المرتقب مع إسرائيل، مع كثرة المعلومات والتسريبات المتضاربة عن بنوده وإمكانية توقيعه، بل أكّد بناء دولة القانون التي تحمي الجميع وتصون الحقوق وتضمن الحريات، وربّما تكون هذه العناوين من أفضل ما يميّز المرحلة الجديدة في سورية المنفتحة على العالم والمتعاونة مع دوله.