الرئيسة \
دراسات \ السفارات السورية بين القمع خارج الحدود وإعادة البناء: دراسة حقوقية في انتهاكات التمثيل الدبلوماسي
السفارات السورية بين القمع خارج الحدود وإعادة البناء: دراسة حقوقية في انتهاكات التمثيل الدبلوماسي
27.09.2025
اللجنة السورية لحقوق الإنسان
السفارات السورية بين القمع خارج الحدود وإعادة البناء: دراسة حقوقية في انتهاكات التمثيل الدبلوماسي وتوصيات لإصلاحه بعد سقوط نظام الأسد
اللجنة السورية لحقوق الإنسان 17-أيلول-2025
المقدمة
تمثّل السفارات والبعثات الدبلوماسية في القانون الدولي مؤسسات لحماية مصالح الدول ومواطنيها في الخارج، وتشكّل وفقًا لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961 أداة لتعزيز التواصل والتعاون الدولي، وضمان احترام القوانين والأعراف الدبلوماسية. غير أنّ التجربة السورية خلال العقود الأخيرة تكشف عن واقع مغاير، إذ تحوّلت السفارات السورية من فضاءات دبلوماسية إلى أدوات قمع ورقابة عابرة للحدود، استُخدمت لإسكات المعارضين وملاحقة اللاجئين والسيطرة على الجاليات، بما يتناقض مع الغاية التي وُجدت من أجلها.
لقد وثّقنا في اللجنة السورية لحقوق الإنسان مع عدد من المنظمات الحقوقية الدولية والسورية كيف لعبت السفارات السورية في عهد نظام الأسد البائد دورًا مركزيًا في منظومة الانتهاكات التي مارسها النظام، سواء عبر ابتزاز المراجعين بالمعاملات القنصلية، أو مراقبة الناشطين السياسيين، أو تسليم بيانات حساسة للأجهزة الأمنية، بل وتسهيل عمليات تهديد واعتقال وحتى تصفية جسدية في بعض الحالات. وقد ساهم هذا الاستخدام المنحرف للمؤسسات الدبلوماسية في تقويض الثقة بالسلك الدبلوماسي السوري، كما ألحق أضرارًا مباشرة بحقوق آلاف اللاجئين والمهجّرين، وحوّل السفارات إلى “مراكز قمع خارج الحدود”.
فما يميّز الحالة السورية أنّ القمع خارج الحدود لم يكن ممارسة استثنائية أو فردية، بل سياسة ممنهجة اعتمدت عليها السلطة لعقود، خصوصًا بعد عام 2011 مع اتساع رقعة اللجوء والنزوح. فقد حوّلت السفارات السورية إلى أدوات أمنية مرتبطة مباشرة بأجهزة المخابرات، في انتهاك صارخ لاتفاقية فيينا ومبادئ القانون الدولي. وبذلك تتقاطع التجربة السورية مع أنماط مشابهة في أنظمة أخرى (مثل إيران، ليبيا القذافي، روسيا المعاصرة)، لكنها تتفرد بشمولية الانتهاكات واتساع نطاقها.
منذ سقوط نظام الأسد المجرم وتشكيل إدارة انتقالية جديدة، لم تشهد البنية المؤسسية للدولة السورية تغييرات جوهرية في مكونات القوى الفاعلة داخل دوائر الدولة. لا تزال العديد من الوزارات والهيئات الداخلية والخارجية، بما في ذلك السفارات والقنصليات، تضمّ في صفوفها شبكات من الشبيحة ومؤيدي النظام وأزلامه الذين يمتلكون مواقع نفوذ كبيرة. هؤلاء الفاعلون يشكلون حجر عثرة أساسي أمام جهود الإصلاح والتغيير السياسي، حيث يعملون على الحفاظ على مصالحهم ومواقعهم التي اكتسبوها خلال فترة حكم النظام السابق، ويقفون في وجه أية محاولات لبناء دولة مدنية ديمقراطية قائمة على سيادة القانون والعدالة.
ويُعد استمرار هذا التغلغل لشبكات النظام السابق في مؤسسات الدولة عائقًا كبيرًا يعوق مسار الانتقال السياسي ويضعف الثقة في قدرة الإدارة الانتقالية على تحقيق إصلاحات حقيقية، كما يعرقل حماية حقوق اللاجئين والمعارضين، ويزيد من صعوبة محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات السابقة. في هذا السياق، تصبح إعادة هيكلة التمثيل الدبلوماسي السوري، وإزالة العناصر المتورطة في الانتهاكات من المؤسسات الخارجية، ضرورة ملحة لضمان بناء دولة جديدة تتمتع بالشفافية والمساءلة.
تكمن أهمية هذا التقرير في أنّه يتناول هذه الانتهاكات بشكل ممنهج وأكاديمي، في ضوء القانون الدولي العام والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، مع تحليل الأبعاد الحقوقية والسياسية والاجتماعية المترتبة عليها، ويستعرض الدور الذي لعبته سفارات نظام الأسد وقنصلياته في الخارج كأدوات قمعية استهدفت معارضي النظام واللاجئين، من خلال ممارسات الابتزاز، التهديد، المراقبة، وحرمان اللاجئين من حقوقهم الأساسية، بالإضافة إلى استغلال الحصانات الدبلوماسية في ارتكاب جرائم التهريب والابتزاز. وطرح بدائل وتوصيات لإعادة هيكلة السلك الدبلوماسي السوري بعد سقوط النظام الاستبدادي.
الفصل الأول: الإطار النظري والقانوني لعمل البعثات الدبلوماسية للدول
أولاً: مفهوم البعثات الدبلوماسية ووظيفتها القانونية
تُعدّ البعثات الدبلوماسية الركيزة الأساسية للعلاقات الدولية الحديثة، وقد حددت اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961 الإطار القانوني المنظم لعملها، مؤكدةً على مبدأ سيادة الدولة المضيفة، ومبدأ الحصانة الدبلوماسية، واحترام حقوق الأفراد. وتتمثل الوظائف الرئيسية للسفارات في:
1. تمثيل الدولة الموفدة لدى الدولة المضيفة.
2. حماية مصالح الدولة ومواطنيها في الخارج.
3. التفاوض مع حكومة الدولة المضيفة.
4. تعزيز العلاقات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
5. مراقبة وتقييم التطورات السياسية في الدولة المضيفة ونقلها إلى الحكومة الموفِدة.
بالتالي، يُفترض أن تكون السفارات فضاءً دبلوماسيًا محايدًا لخدمة المصلحة الوطنية، بعيدًا عن أي استخدام أمني أو قمعي.
ثانياً: الإطار القانوني الدولي المنظّم للعمل الدبلوماسي
• اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية 1961: وهي المرجع الأهم، حيث تنص المادة (3) منها على أن وظائف البعثة تشمل حماية مصالح الدولة الموفِدة ومواطنيها. كما تؤكد المادة (41) على واجب البعثة احترام قوانين وأنظمة الدولة المضيفة، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
• القانون الدولي لحقوق الإنسان: يفرض التزامات على الدول بعدم استغلال حصانتها الدبلوماسية لانتهاك حقوق الأفراد، وفقاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 1966.
• القانون الجنائي الدولي: يجرّم استخدام المرافق الدبلوماسية في تسهيل الجرائم ضد الإنسانية أو الملاحقات التعسفية عبر الحدود، وهو ما أكدت عليه مبادئ محكمة نورمبرغ وتطور لاحقًا في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
ثالثاً: المفهوم القانوني لـ “القمع خارج الحدود”
القمع خارج الحدود (Transnational Repression) هو ممارسة تقوم بها بعض الأنظمة الاستبدادية باستخدام أدواتها الدبلوماسية أو شبكاتها الأمنية لملاحقة معارضيها في الخارج. ويأخذ هذا القمع صوراً متعددة مثل:
• المراقبة والتجسس على الجاليات.
• التهديد والابتزاز.
• فرض قيود على المعاملات القنصلية.
• تسليم بيانات شخصية للأجهزة الأمنية.
• اختطاف المعارضين أو تصفيتهم جسديًا..
الفصل الثاني: ممارسات السفارات السورية في الفتك بالمعارضين واللاجئين
أولا: الابتزاز والتهديد والتجسس
في سياق استمرار نظام الأسد البائد في ممارسة السيطرة على معارضيه حتى خارج الحدود، تحولت بعض السفارات والقنصليات السورية في الخارج إلى أدوات تنفيذية للقمع والابتزاز. استخدمت هذه البعثات مجموعة متنوعة من الأساليب التي تهدف إلى الضغط المالي والمعنوي على اللاجئين والمعارضين السياسيين، بما في ذلك:
1. الابتزاز المالي المباشر: حيث يفرض الموظفون أو سماسرة مرتبطون بالبعثات مبالغ مالية مقابل تسهيل الوصول إلى الخدمات القنصلية الأساسية، مثل إصدار جوازات السفر أو تسجيل الولادات، وهو ما يتنافى مع أي معايير أخلاقية أو قانونية في العمل الدبلوماسي. بعض الحالات الموثقة أظهرت أن المبالغ قد تزيد عن ألف دولار مقابل موعد واحد في السفارة، وهو مبلغ مرتفع مقارنة بالقدرة المالية لمعظم اللاجئين.
2. التهديدات المعنوية: استهدفت هذه الممارسات اللاجئين الذين يعبرون عن معارضتهم السياسية لنظام الأسد، من خلال توجيه تهديدات بالتشهير أو الإبلاغ عنهم لدى السلطات المحلية أو حتى إجبارهم على التنازل عن بعض حقوقهم القنصلية.
3. التجسس والمراقبة: قامت بعض السفارات بمراقبة أنشطة المعارضين السوريين في الشتات، بما في ذلك الجمعيات والمنظمات الثقافية والسياسية، وجمع معلومات عنهم ثم نقلها إلى الأجهزة الأمنية في سورية. هذا الأسلوب يخلق بيئة من الخوف والريبة بين أفراد الجالية السورية في الخارج.
ثانياً: حرمان اللاجئين من الوثائق والحقوق المدنية
إحدى أبرز مظاهر الانتهاك هي الصعوبات المتكررة التي واجهها اللاجئون السوريون في الحصول على الوثائق الرسمية، مثل:
• جوازات السفر: تأخير إصدارها أو تجديدها بشكل غير مبرر، وإجبار المواطنين على دفع رسوم إضافية عبر وسطاء غير قانونيين.
• تسجيل الولادات: تعطيل تسجيل واقعات الولادة لأشهر، ما يحرم الأطفال من الحصول على هويات قانونية، ويؤدي لاحقًا إلى فرض غرامات تأخير، وحرمانهم من الحقوق الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية.
هذه الممارسات تؤدي إلى انتهاك واضح للحقوق المدنية الأساسية، وتخالف القوانين المحلية والدولية التي تضمن الحق في الهوية وحماية الأطفال واللاجئين.
ثالثاً: الرقابة على الحريات السياسية داخل الشتات
لم تقتصر انتهاكات السفارات السورية على الجوانب القنصلية فقط، بل تجاوزتها إلى مراقبة النشاط السياسي للمعارضين السوريين في الخارج. وتشمل هذه الرقابة:
• التدخل في الأنشطة الجمعياتية: الضغط على المنظمات والجمعيات السورية خارج الوطن لمنعها من تنظيم فعاليات سياسية أو ثقافية تتعلق بمعارضة النظام.
• متابعة النشاط الإعلامي والسياسي: مراقبة بيانات الناشطين والكتابات أو المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي ونقلها إلى الأجهزة الأمنية السورية.
• فرض قيود غير رسمية على التعبير السياسي: خلق بيئة من الخوف تجعل الكثير من اللاجئين يمتنعون عن المشاركة في النشاطات المدنية والسياسية خشية الانتقام أو الابتزاز.
رابعاً: انتهاك الأعراف والتقاليد الدبلوماسية باستخدام الحقائب الدبلوماسية كسلاح للابتزاز والتهريب
الحقائب الدبلوماسية، التي تتمتع بحصانة كاملة وفق اتفاقية فيينا، استُغلت في نقل أشياء وأغراض غير قانونية، بما يشمل:
• أجهزة ذكية وأدوات تقنية معدة للتهريب.
• أوراق نقدية وأغراض مالية بهدف الابتزاز أو التحويل غير القانوني للأموال.
• مستندات ومعلومات شخصية للمعارضين السوريين في الخارج.
استغلال الحقائب الدبلوماسية بهذا الشكل يخرق القوانين الدولية ويحوّل أداة حماية مشروعة إلى أداة للقمع والفساد. ففي حادثة موثقة وقعت مؤخراً بعد سقوط نظام الأسد، تم توقيف أحد أعضاء البعثة السورية أثناء تفتيش سيارته في البرازيل، حيث عُثر على كمية كبيرة من الأجهزة الذكية المعدة للتهريب والتجسس. هذا المثال يُبرز:
1. الانتهاك الصريح للأعراف الدبلوماسية.
2. استغلال الامتيازات الدبلوماسية لتسهيل أعمال غير قانونية.
3. الحاجة الملحة لإجراءات رقابية حقيقية على السفارات لضمان عدم تجاوزها للقوانين المحلية والدولية.
الفصل الثالث: التكييف القانوني لانتهاكات السفارات السورية
أولاً: خرق اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية
اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961 تمثل المرجعية الأساسية للعمل الدبلوماسي، وتحدد حقوق وواجبات البعثات الدبلوماسية والموظفين فيها، بما في ذلك:
• حماية المباني الدبلوماسية من التدخل الخارجي.
• الحصانة الدبلوماسية للأفراد والمستندات الرسمية.
• التزامات البعثات بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولة المضيفة.
ومع ذلك، خرقت بعض السفارات السورية هذه الأحكام بشكل متكرر، عبر:
1. استغلال الحصانة الدبلوماسية للقيام بممارسات ابتزازية وتجسسية خارج الحدود.
2. التدخل في الشؤون الداخلية للجالية السورية في الدول المضيفة، من خلال الضغط على الجمعيات والمنظمات المعارضة، مما يعد انتهاكًا صريحًا للبند 41 من الاتفاقية الذي يحظر التدخل في الشؤون الداخلية.
ثانياً: إساءة استخدام الحصانة الدبلوماسية
الحصانة الدبلوماسية تُمنح لضمان حرية أداء المهام الرسمية، لكنها لا تمنح الحق في ارتكاب انتهاكات قانونية. ومن الممارسات التي توضح إساءة استخدام الحصانة:
• استخدام السفارات والحقائب الدبلوماسية للتهريب أو نقل أموال وأجهزة ممنوعة، كما حدث في البرازيل مع ضبط معدات تهريب.
• حماية موظفين متورطين في الابتزاز المالي لسوريين في الخارج من الملاحقة القانونية في الدولة المضيفة.
• استخدام المباني الدبلوماسية كمراكز لجمع المعلومات عن معارضي النظام، بما يتجاوز أي مهام رسمية.
ثالثاً: انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان
الانتهاكات التي ارتكبتها السفارات السورية تتعارض مع مبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان، بما يشمل:
1. الحق في الحياة والحرية والأمان الشخصي: عبر التهديد المباشر للاجئين والمعارضين.
2. الحق في الحصول على وثائق هوية وجواز سفر: ما يعيق حقوقهم المدنية ويخلق حواجز قانونية وإدارية.
3. الحق في حرية التعبير والتنظيم السياسي: من خلال الرقابة على الأنشطة السياسية والجمعيات المدنية في الشتات.
رابعاً: تكييف الأفعال كجرائم عابرة للحدود
نظرًا لأن الانتهاكات تُرتكب ضد مواطنين خارج الدولة، فإنها تدخل في نطاق الجرائم العابرة للحدود، وتشمل:
• الابتزاز المالي والمعنوي.
• التجسس على مواطنين وسجلاتهم الشخصية.
• تهريب مستندات أو أجهزة أو أموال بطريقة غير قانونية.
هذه الأفعال تجعل الدولة السورية مسؤولة عن أعمال موظفيها وفق مبدأ مسؤولية الدولة عن أعمال أجهزتها الرسمية والخاصة في القانون الدولي.
خامساً: مسؤولية الدولة السورية
الدولة مسؤولة قانونيًا عن كل أعمال موظفيها في الخارج، سواء كانت السفارات والقنصليات رسمية أم شبه رسمية. مسؤولية الدولة تتضمن:
1. الالتزام بتصحيح الانتهاكات: عن طريق اتخاذ إجراءات فورية ضد المخالفين وإعادة الحقوق للضحايا.
2. التحقق من احترام الحصانات والامتيازات: بما يتوافق مع اتفاقيات الأمم المتحدة والمعايير الدولية.
3. المساءلة القانونية الدولية: في حال استمرار الانتهاكات، يمكن تحميل الدولة مسؤولية جرائم ضد حقوق الإنسان وجرائم عابرة للحدود أمام المحاكم الدولية أو المنظمات الحقوقية.
الفصل الرابع: الآثار المترتبة على انتهاكات السفارات السورية تجاه اللاجئين والمعارضين
لقد أثرت ممارسات السفارات السورية في عهد نظام الأسد على المستويات النفسية والاجتماعية والقانونية والسياسية، مما يبرر الحاجة الملحة لإصلاح جذري للبعثات الدبلوماسية وضمان الشفافية والمساءلة. وقد تجلت هذه التأثيرات في:
أولاً: الأثر النفسي والاجتماعي
الانتهاكات الممنهجة التي مارسها السفارات السورية على اللاجئين والمعارضين في الشتات كان لها آثار نفسية واجتماعية جسيمة، منها:
1. الضغط النفسي المستمر: نتيجة التهديدات والمراقبة الدائمة، إذ شعر اللاجئون بعدم الأمان وعاشوا حالة خوف دائم على حياتهم ومستقبلهم.
2. الانعزال الاجتماعي: خوف الأفراد من التفاعل مع الجمعيات أو المشاركة في الأنشطة السياسية، ما كان يؤدي إلى تفكك شبكات التضامن الاجتماعي السورية في الخارج.
3. اضطرابات نفسية: حالات توتر، قلق، اكتئاب، وتأثيرات على الأطفال نتيجة حرمانهم من حقوقهم المدنية الأساسية.
ثانياً: الأثر القانوني
أدت الممارسات القمعية للسفارات السورية إلى انتهاك الحقوق القانونية لللاجئين، بما في ذلك:
• تأخير إصدار أو تجديد جوازات السفر، ما أعاق حرية التنقل.
• تأجيل تسجيل الولادات، ما حرم الأطفال من الهوية القانونية وحقوق التعليم والرعاية الصحية.
• فرض رسوم إضافية غير قانونية، ما شكل انتهاكًا صريحًا للقوانين المحلية والدولية المتعلقة بالحقوق المدنية.
ثالثاً: الأثر السياسي
• تقييد حرية التعبير: ضيق على المعارضين في الشتات، وقيد عمل الجمعيات والمنظمات السورية.
• إضعاف النشاط السياسي للمعارضين: خلق بيئة من الخوف تمنعهم من ممارسة حقوقهم الديمقراطية والمشاركة في الحياة السياسية.
• إعاقة تشكيل مجتمع مدني فعال: قلل من قدرة الجالية السورية على تنظيم نفسها وممارسة الضغط على السلطات لإحداث تغييرات في الداخل.
رابعاً: الأثر على العدالة الانتقالية والمساءلة
إن الاستمرار في هذه الانتهاكات بعد سقوط نظام الأسد يؤخر عملية العدالة الانتقالية، من خلال:
• تعطيل محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات السابقة.
• تشويه عملية توثيق الانتهاكات، مما يضعف القدرة على مساءلة الدولة على الأفعال المرتكبة ضد المعارضين واللاجئين.
• تقويض الشفافية والمساءلة في المستقبل السياسي السوري، مما قد يترك تأثيرًا طويل الأمد على بناء مؤسسات الدولة الديمقراطية.
الفصل الخامس: البدائل المقترحة والتوصيات العملية لإعادة تنظيم التمثيل الدبلوماسي السوري بعد سقوط نظام الأسد
إن إعادة تنظيم التمثيل الدبلوماسي السوري بعد سقوط نظام الأسد تتطلب استراتيجية شاملة تقوم على الشفافية، المساءلة، وحماية الحقوق المدنية. وضرورة وضع آليات تطبيقية دقيقة لضمان عدم تكرار الانتهاكات السابقة، مع إشراك المواطنين في تقييم أداء البعثات لتعزيز الثقة وإعادة بناء مؤسسة دبلوماسية قوية وموثوقة تعكس قيم الدولة الجديدة في الحرية وحقوق الإنسان.
لذلك توصي اللجنة السورية لحقوق الإنسان بما يلي:
أولا: مبادئ توجيهية لإعادة التنظيم
تستند عملية إعادة تنظيم التمثيل الدبلوماسي السوري إلى مجموعة من المبادئ الأساسية لضمان الشفافية وحماية حقوق المواطنين:
1. سيادة القانون والمساءلة: يجب أن تخضع جميع السفارات والقنصليات للقوانين الوطنية والدولية، مع ضمان مساءلة الموظفين عن أي مخالفات.
2. الحياد السياسي: التركيز على تقديم الخدمات القنصلية والتمثيل الرسمي دون تدخل في الشؤون السياسية للمواطنين في الشتات.
3. الشفافية والإفصاح: نشر آليات واضحة لإدارة الخدمات القنصلية، بما في ذلك مواعيد الحصول على الوثائق، وأسعار الرسوم القانونية.
4. حماية حقوق اللاجئين والمعارضين: التأكيد على عدم استخدام البعثات لأغراض ابتزاز أو تهديد، وضمان وصول المواطنين إلى خدماتهم دون وسطاء غير قانونيين.
ثانياً: آليات تطبيقية لعملية التنظيم
لتنفيذ المبادئ أعلاه، يمكن اعتماد عدة آليات عملية:
1. إصلاح إداري شامل للبعثات:
• إعادة تقييم الموظفين الحاليين واستبعاد أي عناصر مرتبطة بممارسات الابتزاز أو التجسس.
• تعيين موظفين مؤهلين ومدربين على المعايير الدولية والخدمات القنصلية.
2. أنظمة حجز إلكترونية موثوقة:
• تطوير منصات حجز شفافة لضمان وصول المواطنين إلى الخدمات دون وسطاء.
• رصد وتوثيق أي محاولات لاستغلال هذه المنصات للربح غير القانوني.
3. آليات رقابة داخلية وخارجية:
• فرق تفتيش دورية من وزارة الخارجية الجديدة لمراجعة نشاط البعثات.
• تعاون مع المنظمات الدولية لمراقبة الامتثال للقوانين والاتفاقيات الدولية.
4. حماية البيانات والمعلومات الشخصية:
• منع أي جمع أو نقل معلومات عن اللاجئين والمعارضين خارج نطاق الوظائف الرسمية.
• تعزيز سرية البيانات وحمايتها وفق المعايير الدولية.
ثالثاً: توصيات سياسية
• العمل على إعادة الثقة بين الدولة والمواطنين: من خلال برامج إعلامية توضح الإصلاحات وتضمن وصول المعلومات للمواطنين في الشتات.
• تطوير علاقات دبلوماسية متوازنة: الالتزام بالقوانين المحلية في الدول المضيفة، والابتعاد عن أي ممارسات قمعية أو ابتزازية.
• تعزيز الدور الرقابي للبرلمان والسلطات الوطنية: لضمان مساءلة وزارة الخارجية والبعثات الدبلوماسية عن أي مخالفات.
رابعاً: أهمية المساءلة والمراجعة
• المساءلة الداخلية: ضرورة إنشاء لجان تحقيق داخلية لفحص الشكاوى ضد موظفي السفارات.
• المراجعة الدولية: التعاون مع منظمات حقوق الإنسان الدولية لضمان حماية حقوق اللاجئين والمعارضين.
• الشفافية الدورية: نشر تقارير سنوية عن أداء البعثات القنصلية لضمان مراقبة عامة ورفع
الخاتمة
شهدت البعثات الدبلوماسية السورية في الخارج، خلال فترة حكم النظام السابق، ممارسات واسعة النطاق تهدف إلى قمع المعارضين والسيطرة على الشتات السوري. ومع سقوط النظام واستلام إدارة انتقالية جديدة، بقيت آثار هذه الممارسات قائمة، حيث ما تزال بعض السفارات والقنصليات تعمل وفق أساليب ابتزازية، مع استمرار وجود عناصر مرتبطة بالنظام السابق. إذ لا تزال تمثل أداة ضغط على المواطنين في الشتات، عبر مجموعة من الممارسات المخالفة للقانون الدولي والعرف الدبلوماسي. ورصد التقرير مجموعة كبيرة من الانتهاكات التي ارتكبت بحق السوريين في الخارج كالابتزاز والتهديد والتجسس، وحرمان المواطنين من الحقوق المدنية والقانونية، وانتهاك للأعراف الدبلوماسية، ما خلق مجموعة من التأثيرات على المستويات النفسية والاجتماعية والقانونية والسياسية.
وأكد التقرير على أن حماية حقوق اللاجئين والمعارضين السوريين تتطلب:
• إنشاء آليات رقابية وشفافية عالية داخل البعثات.
• مساءلة قانونية داخلية ودولية للموظفين والدولة عن الانتهاكات.
• إعادة بناء الثقة بين المواطنين والدولة من خلال التزام واضح بالقوانين وحقوق الإنسان.
ليعكس التمثيل الدبلوماسي في سورية الجديدة قيم الدولة في الحرية وحقوق الإنسان، بحيث تصبح السفارات والقنصليات السورية:
• مؤسسات خادمة للمواطنين وليس أداة للابتزاز أو القمع.
• ملتزمة بالقوانين الدولية واتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية.
• محفزة على المشاركة المدنية والسياسية للجالية السورية في الشتات.
• قابلة للمساءلة والرقابة، بما يعزز الثقة في الدولة السورية الجديدة ومؤسساتها.