الرئيسة \
تقارير \ الخيارات الإجبارية.. أطراف الصراع السوري والسباق إلى تل أبيب
الخيارات الإجبارية.. أطراف الصراع السوري والسباق إلى تل أبيب
31.08.2025
عبد القادر المنلا
الخيارات الإجبارية.. أطراف الصراع السوري والسباق إلى تل أبيب
عبد القادر المنلا
سوريا تي في
السبت 30/8/2025
سجّل الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري إحدى التناقضات الصارخة في التاريخ القريب عندما هرب من العراق إلى سوريا في أثناء حكم صدام حسين، واحتمى برئيس النظام السوري حافظ الأسد. حدّد الشاعر حينها موقفه – من دون أن يقصد – وفق مقياس التوازنات المضطربة التي تقنع متبنيها بصوابية ما يفعله، في حين تبدو للمراقب المحايد أمرًا فاقدًا للانسجام إلى درجة تثير السخرية.
فالهروب من ديكتاتور إلى آخر للاحتماء به هو بحد ذاته فكرة كاريكاتورية لا تصلح أن تكون شيئًا آخر مهما كانت المبررات والأسباب.
امتدح الجواهري حافظ الأسد بقصائد كثيرة، وميّزها الغلو في التقديس، وربما التأليه، وكان جوهر ذلك المديح مشروطًا بإبراز مساوئ صدام حسين أو شيطنته شعريًا، لتكتمل حلقة النفاق والتناقض الصارخ.
تتكرر هذه الصورة اليوم في الحالة السورية مع إضافة بعد أكثر سوادًا للمشهد المظلم أصلًا، حيث تتسابق بعض أطراف الصراع في سوريا للتقرب من تل أبيب وطلب حمايتها، معلنة الولاء لها في مقابل إعلان العداء للسلطة القائمة.
إذا كانت هناك تبريرات لطلب الحماية الإسرائيلية لدى الأطراف المعارضة لسلطة دمشق، فإن تبريرات تلك السلطة، من وجهة نظرها، تبدو "حتمية" في هذه المرحلة.
إذا اتفقنا مع الأطراف المناوئة لسلطة دمشق والرافضة لوجودها، على دكتاتورية تلك السلطة والانتهاكات التي ارتكبتها بعد استلامها زمام الأمور في سوريا، وإذا سلّمنا بمخاوف تلك الأطراف على وجودها ومستقبلها، فإن اعتبار تل أبيب طريق النجاة سيبدو، في كل الأحوال، طريقًا أشد وعورة وأكثر خطرًا. وستبدو الأطراف التي تطلب حماية الاحتلال الإسرائيلي كمن يستجير من الرمضاء بالنار، بل بالجحيم في حقيقة الأمر، وسيبدو موقفها أكثر كاريكاتورية من موقف الجواهري إذا اتفقنا على أن سلطة دمشق دكتاتورية أو تمارس القمع ضد فئة من السوريين.
بعد أحداث الساحل في آذار الماضي، طالبت بعض الأصوات بالحماية الدولية، وحتى الإسرائيلية، لكن تلك الدعوات لم تلقَ ترحيبًا شعبيًا واسعًا من أهالي الساحل، واقتصرت على أصوات فردية سرعان ما تلاشت، رغم حجم المعاناة.
في السياق ذاته، بدت "قوات سوريا الديمقراطية" منفتحة وغير معترضة على مثل هذه الدعوات، وربما لمّحت إلى استعداد ضمني للتعامل مع إسرائيل بدلًا من النظام. ثم انطلقت لاحقًا دعوات صريحة من السويداء تطلب الحماية الإسرائيلية مباشرة.
في سباق التقرب من تل أبيب، تبدو "الحكومة السورية المؤقتة" إحدى تلك الأطراف التي حاولت تجنب العداء مع إسرائيل وخطب ودها، رغم كل الاستهدافات الإسرائيلية التي تنفذها متى شاءت، سواء بذريعة حماية مصالحها أو لحماية الأقليات، وعلى وجه التحديد "الدروز".
وإذا كانت هناك تبريرات لطلب الحماية الإسرائيلية لدى الأطراف المعارضة لسلطة دمشق، فإن تبريرات تلك السلطة، من وجهة نظرها، تبدو "حتمية" في هذه المرحلة. ربما كانت هناك خيارات أخرى للرافضين لسلطة النظام، غير اللجوء إلى تل أبيب، أما بالنسبة للنظام، فإن أي خيار آخر لا يبدو واقعيًا. وتبدو مشاركته في هذا السباق إطارًا سياسيًا بين دولتين، رغم هشاشة الدولة السورية وضعف أوراقها الإقليمية، خاصة في علاقتها مع إسرائيل، لكن الصدام المباشر سيعيد سوريا إلى ما قبل نقطة الصفر، وتبدو السلطة هنا هي الأكثر حاجة للتعامل الدبلوماسي مع تل أبيب، رغم ما لذلك من أثر على هيبتها.
هذا واقع محرج للجميع. لكن دخول بعض القوى في السويداء على خط السباق وبتلك الطريقة الصارخة والمباشرة، يبدو الأكثر مأساوية. ولسنا هنا بصدد تقييم هذا السلوك، لكن سوء حظ السويداء أنها طلبت حماية تل أبيب في حين الأخيرة غارقة في دماء أهالي غزة، ومدانة بجرائم حرب حتى من أصدقائها. وتبدو السويداء وكأنها فرّطت بمظلوميتها من خلال الاستقواء بسلطة ترتكب أضعاف ما ترتكبه سلطة دمشق التي ترفضها.
إذا سلّمنا بصحة الرواية بأن السلطات السورية قتلت ما يقارب 1500 شخص، وأحرقت ودمرت المنازل وارتكبت انتهاكات ومجازر، فإن جرائم إسرائيل في غزة يجب أن تمنع أي مظلوم من اللجوء إليها. فمن يُقتلون في غزة بشر أيضًا، ولا يمكن لضحية أن تلجأ إلى جلاد وتعتبره مخلصًا. وإذا فعلت، فإنها تُفقد مظلوميتها مصداقيتها، وتعيد رسم الحكاية كاصطفافات وصفقات سياسية لا علاقة لها بالبعد الإنساني.
تعيد إسرائيل فرض حالة العداء المباشر مع سوريا، وتخوض حربًا من طرف واحد، مستغلة الضعف الذي سببه النظام، واستكملت هي تدميره بعد سقوطه.
تبدو السويداء أسوأ حظًا من الجواهري، لأنه طلب الحماية من دكتاتور يشبه الآخر، أما تل أبيب، فتتفوق على النظام في حجم الجرائم ونوعيتها وتعمدها، وفق ما يراه ناشطو السويداء أنفسهم.
عندما كانت سوريا ترفع شعار "المقاومة والممانعة" في عهد الأسد، استهدفت إسرائيل ميليشيات إيرانية أو مواقع مرتبطة بحزب الله، ولم تستهدف جيش النظام السوري إلا في حالات محدودة. لكن بعد سقوط النظام الممانع، ومجيء حكومة أعلنت منذ اليوم الأول نيتها السلمية وعدم خوض الحروب، بدأت إسرائيل تستهدف الإمكانات العسكرية السورية المتبقية.
بدت إسرائيل متصالحة مع نظام الأسد الذي رفع شعار "الممانعة"، وبدأت حربًا حقيقية بعد سقوطه ضد حكومة أعلنت استعدادها للسلام معها. وهذا يجب أن تتنبه له الأطراف التي تطلب الدعم الإسرائيلي، لأن إسرائيل لا تساعد، بل تستثمر وتستخدم تلك الأطراف.
طلب بشار الأسد الحماية من إيران وروسيا، وهما حليفان له، لكنهما لم يترددا في تقويض سلطته في نهاية المطاف.
في ممارساتها، تعيد إسرائيل فرض حالة العداء المباشر مع سوريا، وتخوض حربًا من طرف واحد، مستغلة الضعف الذي سببه النظام، واستكملت هي تدميره بعد سقوطه. ويجب على الأطراف التي تطلب الحماية من إسرائيل أن تراجع حساباتها. فإن لم تجد سبيلًا للتفاهم مع السلطة، فعليها البحث عن مسارات أخرى، ويجب ألا يكون من بينها الاستقواء بالاحتلال الإسرائيلي.
فهذا الاستقواء سيمكن إسرائيل من تعديل استراتيجيتها في سوريا، وربما استخدام السويداء كأداة، وخلق بؤر توتر جديدة، قد تصل حتى إلى التحرش بمصر. وعندها، سيُسجل التاريخ بقعة سوداء في تاريخ السويداء، وهو ما لا يريده أي سوري يرى في أهالي السويداء جزءًا أصيلًا من نسيج الوطن، ورافضًا لأي محاولة لتوظيفهم في مشروع الاحتلال الإسرائيلي الذي يستغل تناقضات المنظومة الحالية لتحقيق مصالحه.