الخيار الغائب : شرق أوسط بلا أسلحة نووية
01.07.2025
عكيفا إلدار
الخيار الغائب : شرق أوسط بلا أسلحة نووية
جريدة الغد
عكيفا إلدار* - (هآرتس بالعربي) 2025/6/18
الاثنين 30/6/2025
يمكن لإيران أن تقول إنها لو تبنت هي الأخرى سياسة "الغموض النووي" ورفضت الانضمام إلى "معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية"، لما كانت إسرائيل، بسلوكها العدواني، لتجرؤ على تنفيذ عمل عسكري ضدها.
* * *
عندما يُعلن سياسي أو جنرال أن "جميع الخيارات مطروحة على الطاولة"، فإنه لا يقصد في الواقع سوى خيار واحد ووحيد؛ الخيار العسكري. هكذا كتبتُ في هذا المكان في كانون الأول (ديسمبر) 2021: الخيار هو شن هجوم عسكري مباشر على المفاعلات النووية الإيرانية، مهما كلف الأمر من خسائر في الأرواح وفي الجبهة الداخلية، وإنفاق بمليارات الشواقل، وتدهور في علاقات إسرائيل الخارجية.
والآن، بعد مرور ثلاث سنوات ونصف -وبعد أن كلفنا ذلك عشرات القتلى، ومباني مدمرة، وأجواء مغلقة، وعجزًا ماليًا بلا قاع- ما يزال الخيار العسكري يهيمن بلا منازع على الخطاب السياسي والإعلامي في إسرائيل. مرة أخرى يقال إن العرب، والإيرانيين، وكل المسلمين لا يفهمون أي شيء سوى لغة القوة. مرة أخرى نتحدث عن "فيلا في غابة"، ومرة أخرى الجميع يردد الجميع، من بن غفير وسموتريتش إلى لابيد وغانتس (وغولان أيضًا): سوف ننتصر.
هل حقًا وجدنا أنفسنا مرة أخرى، ومن غير إرادتنا، في حرب لا مفر منها؟ هل استنفدنا فعلًا جميع الخيارات الأخرى التي قيل إنها كانت "مطروحة على الطاولة" طوال السنوات الماضية؟ في العقد الماضي، أتيحت لي الفرصة للاطلاع عن كثب على خيار آخر عُرض على إسرائيل. كنتُ قد شاركت في لقاءات نظمها معهد الأبحاث الألماني "معهد فرانكفورت لأبحاث السلام" (PRIF)، والذي طلب منه تمهيد الأرضية لعقد مؤتمر دولي حول جعل الشرق الأوسط مكانًا خاليًا من السلاح النووي (مؤتمر هلسنكي)؛ وهي مبادرة أطلقها الرئيس الأميركي آنذاك، باراك أوباما. في تلك اللقاءات، جلس دبلوماسي إيراني سابق وأكاديمي من إيران، على مدى أيام طويلة، إلى جانب أكاديميين إسرائيليين، ومسؤول سابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وجنرال سعودي متقاعد، وأكاديميين من لبنان واليمن.
كما كان متوقعًا، عارض رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، المبادرة. ولم يكتفِ الرئيس الأميركي الحائز على جائزة نوبل للسلام بوضعها على الرف، بل أعاد التأكيد على تعهد الرئيس الأسبق، بيل كلينتون، بمواصلة دعم سياسة "الغموض النووي" الإسرائيلية. أما الاتفاق النووي مع إيران، الذي دفع أوباما نحو توقيعه في العام 2015، على الرغم من اعتراض نتنياهو الشديد، فقد دفع بفكرة نزع السلاح إلى خارج جدول الأعمال. واستمر ذلك حتى أيار (مايو) 2018، حين نجح نتنياهو في إقناع دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق.
لاحقًا، اصطفت إدارة ترامب إلى جانب إسرائيل، حيث صوتتا معًا في "الجمعية العامة للأمم المتحدة" ضد عقد مؤتمر لإقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط. ولم تكونا وحيدتين -فقد صوتت أيضًا كل من ليبيريا وميكرونيزيا ضد القرار، في حين أيدته إيران.
وفي رده على ذلك القرار، أعلن نتنياهو أن إسرائيل لن تدعم أي قرارات صادرة عن الأمم المتحدة بشأن نزع السلاح في الشرق الأوسط، ولا تعتزم المشاركة في أي اجتماعات إقليمية تتعلق بهذا الشأن.
في أول خطاب ألقاه في مؤتمر ميونيخ للأمن في شباط (فبراير) 2021، تعهد الرئيس الأميركي جو بايدن بأن تكون فكرة نزع السلاح النووي في صلب أجندة إدارته. وقد تعهد، وفعل: في كانون الأول (ديسمبر) من العام ذاته، صوتت 178 دولة لصالح قرار صادر عن "الجمعية العامة للأمم المتحدة" يدعو دول الشرق الأوسط إلى الامتناع عن تطوير أو إنتاج أو شراء أسلحة نووية. كما دعا القرار دول المنطقة إلى الانضمام إلى "معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية" (NPT). وقد حظي القرار بتأييد 178 دولة، من بينها إيران (الموقعة على المعاهدة). لكن دولة واحدة فقط عارضته -إسرائيل، التي ترفض حتى اليوم التوقيع على المعاهدة. وامتنعت دولتان عن التصويت: الكاميرون والولايات المتحدة.
يقول المعارضون لنزع السلاح إن الدولة المحاطة بأعداء عدائيين لا يمكنها أن تتحمل التخلي عن سلاحها النووي. وفي المقابل، يمكن لإيران أن تقول إنها لو تبنت هي الأخرى سياسة "الغموض النووي" ورفضت الانضمام إلى "معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية"، لما كانت إسرائيل، بسلوكها العدواني، لتجرؤ على تنفيذ خيار عسكري ضدها.
ربما تُقنع المشاهد المؤلمة من بات يام، ومن طمرة، ومن حيفا -أولئك القابعين في الملاجئ بأن هناك خيارات أخرى.
*عكيفا إلدار: صحفي ومحلل سياسي إسرائيلي بارز يُعرف بمواقفه اليسارية ودعمه لحل الدولتين وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. عمل لعقود في صحيفة "هآرتس" حيث شغل مناصب عديدة، منها رئيس مكتبها في واشنطن وكاتب عمود سياسي مرموق، واشتهر بتحليلاته العميقة ونقده لسياسات الاستيطان والاحتلال. بعد مغادرته "هآرتس"، التحق بموقع "المونيتور" لمواصلة تغطية قضايا الشرق الأوسط. من أبرز أعماله كتاب "سادة الأرض" Lords of the Land، بالاشتراك مع إدّو زرتال، وهو من أبرز الكتب التي تناولت مشروع الاستيطان الإسرائيلي وتأثيره على المجتمع والدولة.