الرئيسة \
تقارير \ الحوار مع الكرد.. الاختبار الأصعب أمام المرحلة الانتقالية في سوريا
الحوار مع الكرد.. الاختبار الأصعب أمام المرحلة الانتقالية في سوريا
17.09.2025
فيصل يوسف
الحوار مع الكرد.. الاختبار الأصعب أمام المرحلة الانتقالية في سوريا
فيصل يوسف
القدس العربي
الثلاثاء 16/9/2025
في خضم التحولات السياسية المتسارعة التي تشهدها سوريا، تبرز قضية الحوار مع ممثلي الشعب الكردي، كاختبار حقيقي لجدية أي مسار انتقالي يطمح إلى تحقيق مصالحة وطنية شاملة. بعد انعقاد “كونفرانس وحدة الصف والموقف الكردي” في أبريل 2025، الذي كان محطة نوعية في مسار العمل السياسي الكردي والوطني، صدرت ردود فعل متسرعة من بعض القوى والشخصيات السورية. اتهمت هذه الردود الكونفرانس بالسعي إلى تقسيم البلاد، واعتبره البعض خروجا عن اتفاق الرئيس أحمد الشرع والجنرال مظلوم عبدي. استندت تلك الاتهامات إلى تأويلات مجتزأة ومشوهة، وتجاهلت المضمون الوطني للاجتماع، وتغافلت عن واقع سوريا القائم على التعدد القومي والثقافي. كما أنها أغفلت أن القضية الكردية هي قضية وطنية تمتد جذورها إلى بدايات تأسيس الدولة السورية، وعن الحاجة الماسة إلى رؤية جديدة تتجاوز الذهنية الأحادية والاستبدادية التي مارسها النظام السابق.
جاء الكونفرانس استجابة لحاجة وطنية، مرتكزا على رؤية ديمقراطية تقرّ بالتعددية السياسية والقومية، وهو ما سبق أن أقرته مؤتمرات المعارضة السورية وهيئة التفاوض السورية، التي تشكلت عقب مؤتمر الرياض2 عام 2017، حيث تضمنت قرارتها، بناء شراكة حقيقية بين جميع مكونات الشعب السوري، وإيجاد حل للقضية الكردية، باعتبارها قضية وطنية بامتياز، والاعتراف المتبادل والمواطنة المتساوية، وتمتع الجميع بحقوقهم الوطنية، وقد قرر الكونفرانس تشكيل وفد للحوار مع الإدارة الانتقالية في دمشق وكل القوى الوطنية . يأتي ذلك بعد عقود من التهميش الممنهج، الذي مارسته الأنظمة السورية المتعاقبة، خصوصا خلال حكم البعث، لكن الحركة السياسية الكردية ظلت متمسكة بالخيار الديمقراطي، والحل ضمن الإطار الوطني، مطالبة بالعدالة والمساواة وحقوق الإنسان. وحين اندلعت الثورة السورية عام 2011 انخرط أبناء الشعب الكردي في الحراك السلمي وطالبوا بإقامة حكم ديمقراطي تعددي. وكغيرهم من مكونات المعارضة، عانوا من الانقسامات وغياب المرجعية الجامعة لهم، لكن بعد إسقاط النظام، أصبحت مسألة تجاوز التشتت أولوية وطنية وقومية بهدف المشاركة في المرحلة الانتقالية وبناء ركائز الحكم الديمقراطي.
جاء الكونفرانس ليُرسّخ موقفا كرديا موحدا وواضح المعالم بشأن شكل وهوية الدولة السورية المستقبلية، وإيجاد حل للقضية الكردية فيها، مؤكدا أن السبيل الأمثل لتحقيق ذلك هو التوصل إلى حل سياسي، عبر الحوار مع الإدارة الانتقالية في دمشق. إن الوفد الكردي بات يتمتع بشرعية سياسية كاملة، كونه ثمرة توافق وطني واسع بين مختلف القوى الكردية، ويُعد الممثل المخوَّل بإجراء الحوار مع دمشق، حيث يستند إلى رؤية شاملة لبناء دولة ديمقراطية، لا مركزية، تعترف بالتعدد القومي والثقافي، وتكفل الحقوق والحريات لجميع السوريين، دون استثناء أو تمييز. ويؤكد إرساء شراكة حقيقية ومتوازنة في إدارة البلاد، وصنع القرار الوطني، بما يعزز وحدة سوريا واستقرارها على أسس العدالة والمواطنة المتساوية، في هذا السياق فإن قوى ومكونات سورية عديدة، تعتبر اللامركزية مدخلا ضروريا لإصلاح العلاقة بين المركز والأطراف، وتضمن التوزيع العادل للسلطة والموارد، وتؤسس لدولة قوية موحدة، قابلة للاستمرار والنهوض، خاصة بعد عقود من الهيمنة المركزية التي أدت إلى خراب البلاد. وقد أقر النظام السابق ذاته بشكل شكلي، مفهوم اللامركزية من خلال القانون رقم 107 المتعلق بالإدارة المحلية، لكنه لم يُفعّله من الناحية العملية، بل استغله لتعزيز سلطته الفردية والحزبية.
وفي هذا السياق فإن المبادرة من قبل الإدارة الانتقالية والقوى الوطنية الأخرى في البلاد للحوار مع ممثلي الشعب الكردي، من شأنها إدراج القضية الكردية ضمن معادلة الحل الوطني، وتوسيع الشراكة الوطنية، وإن اي تجاهل للوفد الكردي، أو محاولة الالتفاف عليه يعني ببساطة استمرار سياسات الإقصاء التي كانت سبباً رئيسياً في وصول البلاد إلى أزمتها الحالية وما رافقها من دمار وتفكك.
أما اتفاق الرئيس أحمد الشرع مع الجنرال مظلوم عبدي، فهو خطوة إيجابية نحو تفاهم سوري – سوري لما بعد إسقاط النظام، ويمثل محاولة لإيجاد مقاربة سياسية لحل القضايا العالقة عبر الحوار الأخوي، لكنه ليس بديلا عن التفاوض مع الوفد الكردي، الذي يعكس موقفاً مؤسساتياً نابعاً من توافق كردي واسع ورؤية مشتركة، تنطلق من عمق المصلحة السورية العامة، وتسعى لبناء عقد اجتماعي جديد يقوم على المساواة والاعتراف المتبادل واللامركزية والهوية الوطنية الجامعة. ودعم هذا التوجه هو مسؤولية وطنية تقع على عاتق كل القوى السورية المطالبة ببناء دولة مدنية ديمقراطية متعددة القوميات والأديان، قائمة على سيادة القانون لجميع أبنائها. في ظل هذه المعطيات الراهنة، تبرز اليوم تساؤلات مشروعة حول أسباب تغييب الشعب الكردي عن المشاركة الفاعلة في المرحلة الانتقالية الجارية التي تقودها الإدارة الانتقالية في دمشق، رغم وجود موقف كردي موحد يستند إلى مخرجات واضحة، في سبيل إيجاد حل عادل للقضية الكردية في سوريا. ويتساءل البعض عما إذا كان هذا التجاهل نابعا من موقف قديم متجدد لتهميش الكرد، وهل لا يزال أصحاب هذا النهج الشوفيني يحتفظون بدور في مرحلة ما بعد النظام السابق؟
إن أي تجاهل للوفد الكردي، أو البحث عن بدائل لن يؤدي إلا إلى مزيد من التعقيد والتأزيم لفرص الحل، وهذا يتطلب من الإدارة الانتقالية المبادرة إلى فتح الحوار مع جميع المكونات السورية، ومنهم الكرد، بعيدا عن الذهنية الإقصائية، أو الاستعلائية، بهدف إشراك الجميع في بناء سوريا كدولة تشاركية، موحدة، مستقرة، قادرة على النهوض من ركام الحرب والانطلاق نحو التنمية والازدهار. إن الشعب الكردي هو أحد ركائز وحدة سوريا المستقبلية، وينشد إيجاد حل لقضيته القومية ضمن إطار وطني ديمقراطي تعددي. وفي هذا السياق، فإن إشراكه في بناء الدولة عامل مهم لتعزيز وحدة سوريا وبناء مستقبلها، وإظهارها على حقيقتها كدولة متعددة القوميات والأديان. لن تستقر سوريا إلا إذا اعترفت بتعدديتها القومية والدينية، وضمان حقوقهم بالدستور، ومنحتهم فرصا متكافئة للمشاركة، وأنهت عقود الإقصاء التي لم تفرز سوى العنف والانقسام. والشعب الكردي، وعبر حركته السياسية، يضع يده في يد بقية السوريين لبناء سوريا لجميع مكوناتها. وهذا هو جوهر المهمة التي يحملها الوفد الكردي، والتي لا ينبغي أن تُفهم إلا في سياقها الوطني الجامع، لا من منظور التشويه أو الحسابات الضيقة.
*المنسق العام لحركة الإصلاح الكردي – سوريا